الرئيسة \  تقارير  \  بروكنجز: كيف ستتأثر الديمقراطية في الشرق الأوسط بالحرب على أوكرانيا؟

بروكنجز: كيف ستتأثر الديمقراطية في الشرق الأوسط بالحرب على أوكرانيا؟

29.03.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 28/3/2022
نشر معهد “بروكنجز” الأمريكي مقالًا لشادي حميد، زميل بمركز سياسات الشرق الأوسط، سلَّط فيه الضوء على العلاقة بين الغزو الروسي لأوكرانيا وبين تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط، داعيًا إلى أن تتضمن رؤية بايدن الداعمة للديمقراطية إعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع الأنظمة في الشرق الأوسط.
في بداية المقال، يُشير الكاتب إلى أن عددًا من المسؤولين التونسيين السابقين والحاليين، ومنهم رئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد، زاروا واشنطن، في الفترة التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا في الشهر الماضي، لإجراء مناقشة مع عدد من المسؤولين والمحللين الأمريكيين بشأن المأزق الذي وصلت إليه تونس، وكان الانقلاب بطيء الإجراءات، الذي نفَّذه الرئيس التونسي، قيس سعيد، في 25 يوليو (تمُّوز) من العام الماضي 2021، يعد نهاية فعلية لآخر انتقال ديمقراطي متبقٍّ من انتفاضات الربيع العربي. وازدادت حدة الأزمة التونسية خلال الأشهر الأخيرة، بعد إعلان الطاغية المحتمل قيس سعيد حلَّ مجلس القضاء الأعلى في تونس.
صراع الديمقراطية والاستبداد
يُوضح الكاتب أنه قبل الحرب على أوكرانيا، كان يتعذر إقناع كبار المسؤولين الأمريكيين بتركيز الاهتمام على دولة صغيرة وبعيدة إستراتيجيًّا، كما يبدو، مثل تونس، ولا داعي للقول إن الأمر أصبح أكثر صعوبة، ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح الشرق الأوسط، بالتأكيد، أقل صلة بمصالح أمريكا وأوروبا مما كان عليه في السابق، وقد يتشكل أخيرًا المحور، الذي طال التبشير به، في آسيا، ربما كان هذا التوقع منطقيًّا، لكنه قد يكون خاطئًا أيضًا.
وبصفتي باحثًا في شؤون الشرق الأوسط، أعتقد أن الشرق الأوسط منطقة مهمة، ولكن أهميتها تتزايد حاليًا بطريقة مختلفة، وخلال عامه الأول في منصبه، ذكر الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارًا وتكرارًا أن الصراع بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية سيُحدد ملامح المرحلة المقبلة.
وكان من الصعب معرفة كيف نأخذ هذا الأمر على محمل الجد، إذ كان ما ذكره بايدن، على أي حال، ضمن أحد خطاباته الرنانة مع القليل من التغييرات أو المبادرات السياسية ذات المغزى في القمة التي عقدها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي تحت عنوان “قمة من أجل الديمقراطية” والتي لم تكن مؤثرة إلى حد كبير. وفي الشرق الأوسط، كانت الفكرة القائلة بأن بايدن سيمنح الأولوية للديمقراطية والضغط على الزعماء المستبدين الأكثر ملاحظة في عدم تحققها.
ويلفت الكاتب إلى ما ذكره في مقالٍ كتبه مؤخرًا أن الغزو الروسي أسبغ معنى جديدًا وأهمية على خطاب إدارة بايدن المتسم بالمبالغة ويمكن وصفه بالأجوف، بشأن أهمية نوع النظام الحاكم. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تُدرك ذلك، في ظل تأكيد بايدن على “المعركة بين الديمقراطية والاستبداد” في تعليقاته على الحرب في أوكرانيا خلال خطاب حالة الاتحاد الذي أدلى به في الأول من مارس (آذار). وما كان يُمكن أن يُنظر إليه في السابق على أنه معركة بلاغية نظرية، أصبح حاليًا ملموسًا وأكثر واقعية، وبات مسألة حياة أو موت لهؤلاء المعنيين بالأمر، ومع ذلك، فمن غير المحتمل أن تعتدي روسيا الديمقراطية، الدولة التي يتحقق فيها خضوع السلطة التنفيذية للمساءلة الشعبية والمناقشات المفتوحة وعمليات التدقيق الهادفة، على أي دولة ديمقراطية مجاورة.
موقف الشرق الأوسط
ألمح الكاتب إلى أن روسيا غزت أوكرانيا بسبب رجل واحد على وجه التحديد، إن الأنظمة الاستبدادية غير مستقرة، بطبيعتها، كما ذكَّرنا بوتين، وإذا كانت هذه الأنظمة تحظى بشعبية واستقرار حقيقيين، فلن تحتاج إلى استخدام الأساليب الوحشية. ويُعد لجوء هذه الأنظمة إلى القمع في الداخل مؤشرًا على انعدام الأمن، وها هنا، ترتبط السياسة الداخلية والخارجية لروسيا ارتباطًا وثيقًا. ولم يُعلن بوتين عن ازدرائه لأي حكومة فحسب، بل أعرب بوضوح عن رفضه لحكومة منتخبة ديمقراطيًّا، والتي يسعى إلى إزاحتها من السلطة.
وخلال عمليتين انتخابيتين رئاسيتين متتاليتين، صوَّت الأوكرانيون بطريقة حاسمة للرؤساء الذين سعوا إلى إقامة تحالف أوثق مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبغض النظر عما إذا كان المراقبون الخارجيون يرون أن هذا أمر جيد لأوكرانيا، فمن الواضح أن الأوكرانيين يعتقدون أنه جيد لبلادهم، وخلاصة القول إن الديمقراطية مسألة مهمة، وإذا كانت مهمة هنا، فمن المحتمل أن تكون مهمة في أي مكان آخر.
ويُنوِّه الكاتب إلى أنه في هذه اللحظة الحاسمة، التي تمثل أول مواجهة حقيقية بين القوى العظمى خلال العقود الأخيرة، قد يأمل أي شخص في الاعتماد على حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لدعم الأهداف الأمريكية، لكن حلفاءنا في الشرق الأوسط كانوا حذرين تمامًا، ولم تكن مصادفة أن يكون معظم هؤلاء الشركاء من الأنظمة الاستبدادية.
ومن هذه الأنظمة دولة الإمارات، على سبيل المثال، التي شهدت إغلاقًا كبيرًا للفضاء السياسي في السنوات الأخيرة، وتعتمد الإمارات في توفير أمنها على مظلة أمنية أمريكية وأسلحة أمريكية متطورة تُقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، وفي 27 فبراير (شباط)، كانت الإمارات واحدة من ثلاث دول فقط امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يُدين غزو روسيا لأوكرانيا.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الحُكام الفعليين للإمارات والسعودية رفضوا الرد على الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي بايدن لمناقشة مسألة الحد من ارتفاع أسعار النفط، من بين أمور أخرى، وكانت أسباب الرفض واضحة كما أُخبرنا، وأرادت الدولتان الخليجيتان دعمًا أمريكيًّا أكبر للحرب المستمرة في اليمن منذ سنوات، والتي أسفرت عن كارثة إنسانية، كما أن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، يرغب، على ما يبدو، في التمتع بالحصانة القانونية من تورطه المزعوم في مقتل جمال خاشقجي، الصحافي السعودي المعارض السابق في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية. وبينما يُمكن تفهم أن تكون السعودية والإمارات غاضبتين من موقف بايدن غير المتعاطف، فإن هذه “المطالب” ليست من النوع الذي قد تشغل بال الدول الديمقراطية.
اختلافات جوهرية بين الحلفاء
يُشدد الكاتب على أن المستبدين ينظرون، بكل بساطة، إلى العالم وعلاقاتهم مع الولايات المتحدة من منظور التعاملات بصورة أساسية، وتكمن أولويتهم الأساسية في ضمان بقائهم في السلطة والحفاظ على مصالحهم الأمنية، لكن حفنة صغيرة من المسؤولين ترغب في تحديد ذلك في أي لحظة معينة، وإذا كان لدى أي شخص قليل من مشاعر الصداقة الحقيقية بين أمريكا ومثل هذه الأنظمة، فذلك لأنه ليس هناك أساس لمثل هذه الصداقة، ويُعد هذا اختلافًا جوهريًّا، وليس مجرد اختلاف عابر، إذ تتناقض أنظمتها الحكومية بالكامل مع التوجه الأيديولوجي للولايات المتحدة، حتى لو كان توجهًا يُحترم غالبًا في حالة انتهاكه.
وإذا كان الغزو الروسي يُذكرنا بأن الانقسام الأساسي ليس بين الحلفاء والخصوم ولكن بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية، فيجدر طرح تساؤلات مثل أين هو الانسجام والتوافق الذي يتحقق بين المستبدين العرب مع رؤية أمريكا بعيدة المدى، وهل ينبغي الاستمرار في بناء هيكل الأمن الإقليمي الخاص بأمريكا حولهم، وبطبيعة الحال، تظل الرؤية على “المدى البعيد” هي الأهم في هذه المسألة، وتكافح كل إدارة أمريكية مع مسألة منح الأولوية لرؤيتها على المدى البعيد على الاهتمامات العاجلة.
وهناك بعض الأمور العاجلة، مثل الحرب وتداعياتها، وأمور أخرى قد تكون مهمة ولكنها ليست بالضرورة عاجلة وملحة. ومن وجهة نظر بايدن، تتطلب هذه الشواغل العاجلة تخفيف أعباء تكاليف الطاقة، وهو الذي قد يوحي بتقديم تنازلات لشركاء الولايات المتحدة في الخليج وغض الطرف عن تصرفاتهم الاستبدادية.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول: ومع ذلك، إذا كانت الفجوة بين الديمقراطية والاستبداد هي محور الصراع في زماننا، فلا بد أن تكون إعادة ضبط العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط جزءًا من رؤية بايدن الداعمة للديمقراطية، وكيف يُمكن أن تنجح هذه الرؤية، سواء من الناحية النظرية أو العملية، إذا استُثنيت منها منطقة بأسرها؟ وقد لا تكون إعادة النظر في العلاقات الأمريكية مع المستبدين العرب أمرًا ملحًّا، وقد يكون أمرًا مستبعدًا في هذه اللحظة تحديدًا بالنظر إلى أزمة النفط ، ولكن ينبغي لشخص ما أن يبدأ في زمان ما وفي مكان ما، وقد يأتي ذلك الوقت بأسرع مما كان متوقعًا.