الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بريطانيا وسورية

بريطانيا وسورية

07.09.2013
سيريل تاونسند



الحياة
الجمعة 6/9/2013
مساء يوم 29 آب (أغسطس)، تلقّت الحكومة الائتلافية هزيمة مهينة في مجلس العموم البريطاني بعد رفضه توجيه ضربات صاروخية بقيادة الولايات المتحدّة ضد سورية. شكّل هذا الحدث مفاجأة. فكان التصويت على هذه المسألة متقارباً فيما انهارت السياسة الخارجية والدفاعية التي تتوخاها المملكة المتحدّة حيال منطقة الشرق الأوسط واندثرت. وواجه ديفيد كاميرون من موقعه كرئيس للوزراء معاناة كبيرة في الداخل وفي الخارج فيما بدت علاقة المملكة المتحدّة بالولايات المتحدّة سيئة جداً. منذ نحو قرن، لم يُلحق التصويت في مجلس العموم هزيمة مماثلة بالسياسة الخارجية في المملكة المتحدّة حيال موضوع أساسي.
تفاجأتُ حين أدركتُ أنّ المشكلة الحقيقية تكمن بالطريقة التي أقنع فيها رئيس الوزراء حينها طوني بلير مجلس العموم بالموافقة على الغزو الأميركي والبريطاني للعراق بهدف دعم الرئيس جورج بوش والمحافظين الجدد. إلا أنّ هذا الحدث، فضلاً عن ملف أسلحة الدمار الشامل المزعوم في العراق، حصل عام 2003 فيما يغيب اليوم طوني بلير عن الساحة السياسية البريطانية ويعدّ حزب العمّال حزباً سياسياً معارضاً للحكومة الائتلافية.
يرى الرأي العام أنّ السم لا يزال يسري في العروق. فقد كذب عليهم السياسيون منذ عشر سنوات ويجب ألا يتمّ السماح لهم بإقحام البلد في نزاع مع سورية. إذ لا تزال ذكريات حربي العراق وأفغانستان حية ونابضة. لقد ندّدتُ بشدّة بغزو العراق حينها إلا أنني أعتقد أنّ الوضع الحالي حيال سورية مختلف جداً. فكيف يمكن للرأي العام أن يبقى أسير الأحداث الماضية؟
أظهرت استطلاعات الرأي التي نُشرت قبل تصويت مجلس العموم أنّ الدعم الشعبي لإطلاق صواريخ بريطانية ضد أهداف عسكرية في سورية تراجع من 25 في المئة إلى 22 في المئة. لم يبد الرأي العام تفهماً كبيراً إزاء مفهوم التدخّل الإنساني الهادف إلى حماية شعب بلد من حكامه. أدّت المملكة المتحدّة دوراً ريادياً في دفع القانون الدولي والأمم المتحدّة إلى تقبّل هذا المفهوم وذلك عقب مقتل مليون شخص في غضون ثلاثة أشهر في رواندا عام 1994 فيما وقف سائر العالم متفرجاً.
أخفق إيد ميليبند، زعيم حزب العمال المعارض في مجلس العموم في دعم الحكومة على رغم التنازلات التي تمّ تقديمها عقب التقرير الأمني الصادر عن «10 داونينغ ستريت». ظنّ رئيس الوزراء أنّ حزب العمّال سيدعم الحكومة عن طريق مجموعات الضغط كما فعل حين تمّ التدخّل عسكرياً في ليبيا. فمنذ أزمة السويس عام 1956، لم تخفق المعارضة البرلمانية على هذا النحو في دعم عملية إرسال الجنود البريطانيين إلى سورية.
تشهد الحياة السياسية تقلبات عديدة. فأمضى إيد ميليبند وحكومة الظل فصل صيف سيء. دعاهم نقادهم من حزب عمّال إلى التكلّم بصوت أعلى بما أنّ الحكومة تبدو ماضية قدماً إلا أنّه بدا واضحاً أنّ حزب العمال لم يكن لديه الكثير ليقوله.
تعرّض إيد ميليبند لانتقادات من زملائه في حزب العمال لأنه لم يطالب ديفيد كاميرون بتقديم المزيد من التنازلات. فرأى زملاؤه في ذلك فرصة للتقرّب أكثر من الرأي العام المعارض للتدخّل في سورية وإحراج الحكومة الائتلافية. فقد خسرت الحكومة التصويت بـ 13 صوتاً فيما أخفق النواب عن حزب المحافظين في دعمها وامتنع 31 عن التصويت.
لا شكّ في أنّ إيد ميليبند سيعزّز موقفه الشخصي في استطلاعات الرأي إلا أنني أظن أنه سيعاني على المدى الطويل لأنه عارض إرسال القوات البريطانية لدعم القوات الأميركية. سيثني نظام الأسد وروسيا وإيران وحزب الله عليه إلا أنّه سيواجه مشاكل مع الأميركيين على مدى السنوات المقبلة.
لقد عرفت المملكة المتحدّة نهاراً سيئاً بعد التصويت ضد ديفيد كاميرون مع العلم أنّه لن تتمّ نسيان مسؤولية إيد ميليبند عن ذلك. كان الخطاب الذي ألقاه إيد ميليبند في مجلس العموم يفتقر إلى موضوع جدي وإلى اليقين. عبّر عن رغبته في تقديم معلومات استخباراتية أفضل، الأمر الذي يقوم به الجميع. وعلى غرار أمين عام ضعيف للأمم المتحدّة، رأى أنّه يجب تأخير القرارات الأساسية، الأمر الذي سيسمح لنظام الأسد بإخفاء المعدات الأساسية.
وعبّر وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند الذي يعدّ محاسباً ذكياً عن تأييده موقف الحكومة وموقف القوات المسلحة. وقال فيليب هاموند بعد الاستماع إلى الانتقاد الذي أطلقه البيت الأبيض حيال ما جرى في وستمنستر «أنا خائب الأمل، وقلق بعض الشيء، فلدينا علاقة عمل وثيقة مع الأميركيين. إنه وقت صعب لقواتنا المسلحة، فبعد الاستعداد للمشاركة في هذا العمل العسكري نتراجع ونراقب، بينما الولايات المتحدة، تتصرف بمفردها أو ربما مع فرنسا».
كم تتغير الأزمنة! وصف وزير الخارجية الأميركية جون كيري فرنسا بأنها «الحليف الأقدم» للولايات المتحدة. فمنذ عقد، وصف الأميركيون الفرنسيين على أنّهم «قردة الاستسلام الذين يأكلون الجبنة» بعد أن رفضوا دعم غزو بوش للعراق. ويجدر بالبريطانيين بعد أن انسحبوا من هذا العمل أن يتفرجوا على الفرنسيين يأخذون مكانهم في واشنطن. يبدو أنّ الشؤون الدولية تتغيّر بسرعة فائقة.