الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشار إذ يعترف ببؤس الحال ويتحدث كزعيم طائفي

بشار إذ يعترف ببؤس الحال ويتحدث كزعيم طائفي

09.08.2015
ياسر الزعاترة



الدستور
السبت 8/8/2015
مهزوزا بدا بشار الأسد يوم الأحد قبل الماضي، ربما رغم حبوب مهدئة تعاطاها، وهو في حاجة للكثير منها كي يحافظ على شيء من تماسكه؛ ليس أمام السوريين، بل أمام طائفته التي دفعت الكثير الكثير في حرب مجنونة قررتها إيران دفاعا عن الركن الأساس في مشروع توسعها في المنطقة.
وحين يضطر إلى القول بعد موجة من التوضيحات، إنه لا يرسم “صورة سوداوية”، فذلك يعني أنه كان يرسم صورة كهذه بالفعل، وبالطبع حين يتحدث عن إنهاك جيشه وحاجته إلى الرجال، فيما يعلن قبل ذلك بيوم عن عفو عام عن الفارين من الخدمة العسكرية على أمل استقطاب بعض الرجال من جديد، رغم قناعته بأن أحدا خارج قلة من طائفته لن يتقدم للدفاع عن نظام يتهاوى، وكل ما هنالك أنه يستقطب أبناء الطائفة عبر حديث غير مباشر، وإن كان واضحا عن الدويلة العلوية، وبالطبع عبر التفسير البائس لانسحاب الجيش من مناطق من أجل الدفاع عن أخرى ذات أهمية عسكرية، وقال سياسية أيضا، في إشارة واضحة إلى تأمين ممرات الدويلة العلوية.
لم ينسحب جيشه من أي منطقة طوعا كما حاول أن يوحي بكلامه، فقد انسحب من كل المناطق رغم أنفه، وبخسائر كبيرة، ولعله كان يتمنى لو أن النصر قد تحقق في الزبداني لكي يعطي لكلامه مزيدا من القوة بالنسبة لأبناء طائفته، فيما يعلم الجميع أن معركة الزبداني هي جزء لا يتجزأ من تأمين ممرات الدويلة العلوية، أو محطة من محطات الخطة (ب) كما صاغتها العقول الإيرانية.
هذا نظام لا يسيطر سوى على ثلث مساحة البلاد، لكنه يتبجح في خطاب بائس وغير مقنع بقدرته على الانتصار على الإرهاب والإرهابيين، وفي كل الأحوال بدا عاجزا عن ذلك، خارج سياق ما ذكرنا من منح الأمل لأبناء طائفته، بأن المستقبل مهما بدا سوداويا، فإنه ومن خلال الدعم الإيراني، والأصدقاء في المقاومة اللبنانية!! يمكنه تأمين ذلك، وبالطبع بعد أن وضع طائفته في حريق رهيب، ودمّر أية إمكانية للتعايش بينها وبين الغالبية التي أمعن فيها قتلا واعتقالا بلا حساب، ومن خلال اختراعه الكبير المتمثل في البراميل المتفجرة.
احتفل بشار بالاتفاق النووي الإيراني، طبعا كما احتفل من قبل بتسليم الكيماوي من أجل الحفاظ على حكمه، لكنه هنا يحتفل بالنووي لأنه يبشره بمزيد من الدعم الإيراني، بعد أن تراجع ذلك الدعم نسبيا خلال العام الأخير، وهو في هذا محق بدرجة ما، لأن بعض عوائد اتفاق النووي ستصب في معركته، من دون أن يتمكن من تغيير مسار المعركة، ربما باستثناء صب الجهود في تأمين ممرات الدويلة العلوية التي يقاتل من أجلها حزب الله ومرتزقة سليماني أكثر من الجيش المنهك.
وكان طبيعيا والحال هذه أن يتغزل بالدعم الإيراني، ودعم حزب الله (لم يذكر اسم حزب الله كي لا يشعر بالدونية أمام حزب لبناني يساعده)، ومن ثم يتجاهل المليشيات المسكينة الأخرى التي يجلبها سليماني من أصقاع الأرض، لكنه لم ينسها تماما، فقد بشّرها بأن سوريا ليست للسوريين، وإنما لمن يدافع عنها. وهكذا تحوّل قائد حزب البعث العربي الاشتراكي، إلى قائد الحزب الأممي الطائفي الذي يمنح الجنسية لأي كان، ما دام يدافع عن نظامه الطائفي الذي أصبح هو سوريا، وليست سوريا التي يعرفها الجميع كوطن وشعب وأرض. نقول ذلك لأن الكل يعرف أنه لا وجود لغير المليشيات الطائفية في سياق الدفاع عنه، ولم نسمع عن بعثي عربي واحد، ولا عن يساري جاء يدافع عن النظام، ويحمل السلاح ويموت لأجله.
هكذا كان بشار في هذا الخطاب أكثر من سواه، في متاهة مفضوحة، بل مفضوحة تماما، يعوّل على دعم طائفي، لن يخفي طائفيته بحكايات المقاومة والممانعة، لا سيما أنه يعانق بدوره “الشيطان الأكبر”، ويعلم الجميع أن لذلك العناق استحقاقاته السياسية فيما يتعلق بالخطاب، وبكل السلوك السياسي في المنطقة، بخاصة حيال الكيان الصهيوني، وإن سُمح ببعض العنتريات لبعض الوقت.
ليست لدينا أوهام حول المعركة وإمكانية حسمها في القريب، لكننا متأكدون في المقابل من أن هذا النظام لن يستعيد سيطرته على سوريا، ولو امتدت المعركة عشرة أعوام أخرى، ولو دفعت إيران كل عوائد النووي المتوقعة في المعركة، رغم أن معاركها كثيرة، وليست محصورة في سوريا وحدها.
لا يمكن بالطبع تجاهل أحاديث التسوية التي يجري تداولها حاليا لمواجهة خطر تنظيم الدولة، لكن أيا منها لن يعيد سوريا إلى ما كانت عليه تحت حكم أقلية طائفية، بصرف النظر عن تفاصيل تلك التسوية ومفرداتها.