الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشار الأسد خارج معادلة المستقبل

بشار الأسد خارج معادلة المستقبل

25.08.2015
العزب الطيب الطاهر



الشرق القطرية
الاثنين 24/8/2015
لا يتعين أن يكون بشار الأسد ضمن معادلة الحل السياسي في سوريا، والتي تتصاعد الاتصالات والتحركات الإقليمية والدولية بشأنها في الآونة الأخيرة، فمن الصعوبة بمكان بعد كل ما جرى من نظامه وقواته وحرسه الجمهوري والميليشيات التي شكلها أو التي استعان بها من الخارج، تحديدا من لبنان أو العراق أو إيران، أن يظل رقما في معادلة الحل أو المستقبل السوري، لأنه بوضوح وبشكل مباشر فقد مشروعيته كرئيس، يزعم أنه انتخب من قبل شعبه وثمة مبررات مشروعة ومنطقية وراء هذه القناعة،
أولا: إنه خان الأمانة التي حمله إياها شعبه عندما وثق فيه، عندما تم فرضه فرضا على الرئاسة خلفا لوالده في عملية توريث مفضوحة بعد أن أعده وهيأ له كل سبل الوصول إلى الموقع الأول في البلاد، بما في ذلك تعديل الدستور ليتواءم مع سنه الصغيرة آنذاك – 1999 – والتي لا تتيح له الترشح لهذا المنصب الخطير، وكذلك الأمر في الانتخابات التي جرت قبل عامين في ظروف تتناقض تماما مع كل محددات الشفافية والنزاهة، ومؤدى هذه الأمانة أن يحمي هذا الشعب ويحافظ على سلامة الوطن، غير أن ما فعله كان عكس ذلك تماما، فقد قتل من هذا الشعب أكثر من 300 ألف مواطن غير مئات الألوف من الجرحى والمصابين والمعوقين، فضلا عن ملايين من اللاجئين وفي الخارج والنازحين في الداخل، كل ذلك من أجل أن يبقى قابضا على مفاصل سلطة وهمية في حقيقتها، بعد أن نزعت منه ميليشيات "داعش" نصف مساحة البلاد، بينما تسيطر الفصائل الأخرى على أجزاء كبرى من هذه المساحة، ولم يتبق له سوى مساحات في دمشق وريفها وبعض المحافظات الأخرى، ووفق تقديرات قيادات معارضة، فإن نظام بشار لا يسيطر إلا على ما يعادل 20 أو 25 في المائة من مساحة سوريا، ورغم ذلك فإن وزير خارجيته وليد المعلم يتحدث في تصريحات لوفد إعلامي مصري نشرت بالقاهرة يوم الخميس الماضي، عن صمود الجيش والنظام طوال السنوات الأربع المنصرمة، متجاهلا حقيقة أن من أبقى بشار وأركان نظامه حتى الآن الإسناد القوي الذي تقدمه إيران وروسيا وميليشيا حزب الله وميليشيات شيعية من العراق وباكستان وأفغانستان، وكان بوسعه أن يبقى بكرامة وشرف، لو أنه تجاوب من بداية الأحداث في مارس 2011 مع أشواق شعبه في ديمقراطية وتعددية وحرية حقيقية، ضمن دولة وطنية، السيادة فيها للشعب وليس للحزب أو القائد، والمواطنة هي العنوان وليس الانتماء الحزبي أو المذهبي.
ثانيا: إن تمسك بشار الأسد بالسلطة على جماجم شعبه، أمر لا يعكس على الإطلاق حالة سوية لسياسي منحاز لوطنه وشعبه، بل إن وقائع الخراب الذي تسبب فيه نظامه والتدمير المنهجي الذي طال كل مقدرات الدولة السورية وبنيتها التحتية، تشكل في حد ذاته ذريعة قوية للخلاص منه، فالسياسي - خاصة إذا كان على رأس السلطة - يتعين أن يكون حريصا على حماية أمن واستقرار بلاده، لا أن يدخلها أتون حرب أهلية ومذهبية وطائفية تأكل الأخضر واليابس، من خلال استخدام كل ترسانته العسكرية التي كانت موجهة لعدو حقيقي ما زال يحتل جزءا من الوطن، بما في ذلك الطائرات والصواريخ والأسلحة الكيماوية ضد هذا الوطن، بل واخترع قادته العسكريون المبدعون في محاربة الشعب، وليس العدو، ما يسمى بالبراميل المتفجرة، فباتت عنوانا للموت اليومي بلا تمييز بين مقاتل مسلح وبين مدني، فعلى سبيل المثال فإنه جيش بشار - وليس الجيش العربي السوري، فذلك مسمى أضحى من مخلفات الماضي - قتل بمدينة دوما أكثر من 120 مدنيا بهذه البراميل التي تطلقها طائرات مقاتلة أو طائرات هليكوبتر، في شكل متوالية دموية لا تتوقف حتى تفضي إلى هلاك المئات في لحظات.
إنه الجحيم الذي يفرضه على وطنه رئيس قادم من رحم مهنة الطب وهي مهنة إنسانية بطبيعتها، لكنها السلطة تفرض على من يرتدون ثيابها اللجوء إلى أسوأ ما في المرء للبقاء في دائرتها، والارتواء من متعها ولذائذها الحرام، ما دام الحاكم في حالة حرب مع الوطن والشعب.
ثالثا: إن بشار الأسد هو العائق الوحيد أمام استعادة الدولة السورية وحدتها التي غدت مفقودة أو مغيبة بفعل فاعل هو بالأساس، فهو لم يتجاوب مع الطروحات السياسية التي قدمتها الجامعة العربية، ثم الأمم المتحدة عبر مبعوثيها الخاصين الذين فشل اثنان منهم بعد يأسهما من بشار وزمرته الحاكمة، وهما كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، وأخيرا دي ميستورا الذي ما زال يحلم بالحل السياسي ومع ذلك هو متهم من قبل وليد المعلم بأنه غير محايد ومنحاز والأهم من ذلك رفض بشكل واضح بنود جنيف 1 والتي حظيت برضا إقليمي ودولي، بما في ذلك قوى المعارضة رغم غموضها في التعامل مع إشكالية بشار، وتنص على تشكيل هيئة حكم انتقالية من النظام وقوى المعارضة تكون لها كامل الصلاحيات السياسية والأمنية، وتهيئ البلاد بعد عامين يتم بعدها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، فسارع بشار في إجراء انتخاباته الخاصة التي أتت به متفردا في موقع الرئاسة بعد أن نافسه شخصان مجهولان، وكان بمقدوره لو تجاوب مع جنيف 1 والتي أقرها تجمع دولي من أصدقاء الشعب السوري في يونيو من العام 2012، لكان بالإمكان أن تترتب على ذلك نتائج مهمة على صعيد المحافظة على مؤسسات الدولة السورية وشعبها في إطار عملية ديمقراطية شفافة ونزيهة، ولو كان بشار وزمرته الحاكمة جادين في قبول حل سياسي يوقف المزيد من إراقة الدماء ويوفر إمكانية بقاء الوطن موحدا شعبا وأرضا، فإن عليه المسارعة بقبول بنود البيان الذي أصدره مجلس الأمن قبل أيام، ولا يخرج كثيرا عن بنود جنيف 1، لاسيَّما فيما يتعلق بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية، ولكن للأسف نظر إليه وليد المعلم باعتباره جزءا من عملية إضاعة الوقت، لأنه يدرك هو ورئيسه، أن الدخول في عملية سياسية جادة وشفافة وفق الأسس التي يتضمنها هذا البيان التي تقوم بالأساس على بنود جنيف 1 من شأنه أن يزيح بشار وزمرته عن السلطة، عندما يحين الوقت لإجراء الانتخابات، سواء الرئاسية أو التشريعية في غضون عامين.
رابعا: إن المراهنة على العوامل الخارجية في بقاء أي نظام سياسي ثبت أنها عديمة القيمة على المدى الطويل، ويبدو أن بشار وأركان حكمه ما زالوا يراهنون على الدور الروسي والإيراني، فضلا عن ميليشيات إقليمية تابعة في مجملها لتوجهات طهران، وذلك يمكن أن يتغير إذا ما تقاطعت مصالح هذه الأطراف، وثمة حديث بشأن أن قدرا من التغيير في موقف موسكو - وإن لم يتضح مداه- لكنها ترهنه بضرورة الإبقاء على مصالحها في سوريا وفي المنطقة، وهو ما لا يسعى أحد إلى التأثير عليه وأنا هنا أعول على الاتصالات الخليجية والسعودية الأخيرة التي ما زالت تتفاعل في دوائر موسكو السياسية، فضلا عن ذلك، فإن إيران لن تبقى إلى الأبد مؤيدة لبقاء بشار، إذا ما تعارض ذلك مع المكاسب التي ستجنيها من تطبيق اتفاقها الأخير مع مجموعة 5الاثنين 24/8/2015 1 بشأن برنامجها النووي، والذي يوفر لها استعادة لأموالها المجمدة والتي تقدر بمئات المليارات ورفع العقوبات الاقتصادية.