الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشار الأسد وفخ الانتخابات الرئاسية

بشار الأسد وفخ الانتخابات الرئاسية

05.05.2014
بكر صدقي


الحياة
الاحد 4/5/2014
هل يأمل النظام حقاً بتجديد شرعيته المفقودة من خلال انتخابات يريد إجراءها لقسم من الناخبين السوريين، هم بيئته المؤيدة الضيقة، وربما بتزوير إرادة قسم آخر مضطر للعيش في المناطق التي تحتلها قواته؟ ولكن متى كان النظام يأبه بأي شرعية داخلية منذ الانقلاب العسكري الذي حمل حافظ الأسد إلى السلطة في 1970؟
فقد دأب المذكور، منذ أول استفتاء شعبي على رئاسته، على إيصال رسالة الى السوريين مفادها أنه غير خاضع لإرادتهم ولا يستمد شرعية حكمه منهم. هذا هو معنى الرقم القريب من المئة في المئة الذي نجح به في كل الاستفتاءات التي نظمها لتأبيد حكمه حتى موته، ومن ثم توريثه ابنه بشار بتعديل الدستور في دقائق، ومواصلة هذا الأخير مهزلة الاستفتاءات المعروفة نتائجها سلفاً، إلى أن جاءته ثورة الشعب السوري.
تحول الاستفتاء الآن إلى انتخابات و «تعددية» أيضاً، بعد آخر تعديل أجراه على الدستور تحت ضغط الوقائع الجديدة، مع وضع معايير للترشيح تجعل فوزه أمراً محسوماً حتى قبل إعلانه ترشحه، فضلاً عن الشروط الاجتماعية واللوجستية التي من المحتمل أن تجعل العملية الانتخابية مستحيلة إجرائياً حتى في مناطق سيطرة قواته، بما أنها ليست بمنأى عن قذائف الهاون التي يطلقها الثوار.
قد يشكل هذا الأمر تعبيراً آخر عن مدى استهتار الديكتاتور بالإرادة الشعبية، أو أن الهدف الأصلي من الانتخابات يقتصر على التأكد من ولاء قاعدته الاجتماعية التي أرهقتها الحرب، أو أنها رسالة لهذه القاعدة بأنها مرغمة على التمسك به شاءت أم أبت.
لكن كل هذا لا ينطوي على أي أهمية، ما دام الدستور الخفي لنظام الأسدين، بهذا الشأن، هو التعويل دائماً على شرعية خارجية توافرت له منذ الانقلاب التصحيحي حتى بداية الثورة في 2011. فهذا النظام الذي كان يشكل جزءاً من معادلات الحرب الباردة والنظام الاقليمي المتمحور حول إسرائيل وإمدادات النفط، استمر في الحكم بتوافق دولي اكتشفنا مع الثورة أنه ما زال متمسكاً به، وإن كان هذا التوافق شهد بداية تخلخل واضطراب منذ بداية ثورات الربيع العربي.
على رغم أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وعدداً آخر من حلفائها صرحت مبكراً، منذ آب (أغسطس) 2011، بسقوط شرعية النظام السوري وطالبت رئيسه بالتنحي، فسرعان ما تبينت عبثية تلك التصريحات وعدم تحولها إلى اجراءات ملموسة تنزع شــرعية النظام في صورة عملية. فتلك الدول ما زالت تتعامل معه كما لو كان شرعياً، وما زالت حكومة النظام هي الجهة التي تمثل سورية في المحافل الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة. وما زال سوريو المنافي عاجزين عن تجديد جوازات سفرهم بسبب عدم اعتراف المجتمع الدولي ببديل من النظام ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري.
بادرت معظم الدول المصنفة «أصدقاء الشعب السوري» إلى إعلان رفضها إجراء انتخابات رئاسية في سورية، معتبرةً ذلك نسفاً للجهود الدولية في إطار الحل السياسي المعروف بمسار «جنيف 1» و «جنيف 2». لكنّ أياً من تلك الدول لم تعلن صراحةً، بعد، أنها سترفض نتائج الانتخابات الرئاسية المفترض إجراؤها مطلع حزيران (يونيو) المقبل. ترى، هل ستفعل فتسقط الشرعية عن بشار الأسد صبيحة الانتخابات؟ هذا هو الفخ المحتمل الذي قد يسمح بتمرير صفقة يمنية تكون بداية عملية التغيير السياسي بتنحية رأس النظام وإطاره المافيوي والأمني الضيق، الأمر الذي يستحسنه الأميركيون وحلفاؤهم الذين لا يريدون فراغاً في الحكم قد يملأه الإرهاب الجهادي.
من هذا المنظور ربما وقع النظام في غلطة الشاطر بإصراره على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بدلاً من تمديد ولايته لبعض الوقت على أمل أن يغير موازين القوى وشروط التفاوض، الأمر الذي يتيحه دستور النظام. لقد سبق وتم تداول أخبار عن صفقة تمديد لمدة سنتين بانتظار إنضاج إرادة دولية لتغييره، من المحتمل أن النظام رفضها بسبب اطمئنانه المبالغ فيه الى غياب تلك الإرادة، الأمر الذي سمعناه مباشرةً من حسن نصر الله الذي تقاتل ميليشياته في سورية دفاعاً عن حليفه الأسد. أما بعد تثبيت موعد الانتخابات وترشح دمى من مجلس شعب النظام لإضفاء مسحة تعددية عليها، فبات مصيره في يد المجتمع الدولي الذي يمكنه أن يرفض نتائج مهزلة الانتخابات الرئاسية، بما في ذلك نزع الشرعية عن رأس النظام وما يترتب على ذلك من إجراءات ملموسة.
لكن السؤال يبقى: ما هي مصلحة القوى الدولية القادرة في نزع الشرعية عن النظام، صبيحة الانتخابات الوشيكة؟ وهل هناك معارضة مقبولة من تلك القوى جاهزة لملء فراغ الشرعية؟
في ما تبقى من هذا الوقت الضيق، يمكن المعارضة أن تقوم ببعض الأشياء، أهمها التركيز على الفرصة التي تتيحها انتخابات النظام للمجتمع الدولي ليبادر إلى نزع شرعيته وطرد ممثليه من المحافل الدولية. وهناك جسم جاهز تقريباً لملء الفراغ، هو الحكومة السورية الموقتة. يمكن هذه الحكومة أن تضع برنامجاً ديبلوماسياً وآخر إعلامياً للضغط على أصدقاء الشعب السوري ومحاولة اقناعهم بفكرة نزع الشرعية عن النظام صبيحة الانتخابات. هذا يتطلب لقاءات مع الحكومات الصديقة، ومخاطبة الرأي العام في مجتمعاتها بكل الوسائل.