الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشار الاسد لا يعرف الا لغة البراميل

بشار الاسد لا يعرف الا لغة البراميل

10.09.2013
د. خليل قطاطو



القدس العربي
الاثنين 9/9/2013
يؤمن الرئيس السوري بشار الأسد بلغة الحوار. ما فتئ يحاور المعارضة كل يوم، ولا يمل، ويكرر المحاولة علها تؤتي أكلها. لقد ابتكر طريقة فريدة للحوار، واللغة أيضا جديدة، واضحة ومباشرة.. انها لغة البراميل، براميل المتفجرات يمطرها على رؤوس المدنيين، لا يهمه ان كانوا نائمين في بيوتهم، أو مصطفين ينتظرون دورهم للفوز برغيف خبز.
عندما هددته الولايات المتحدة بضربة عسكرية عقابا له لاستعماله الاسلحة الكيماوية ضد المدنيين في غوطتي دمشق، خرج في مقابلة صحافية متحدثا باللغة التي لا يفقه غيرها قائلا: في حال ‘اعتداء’ امريكا على سورية فان المنطقة بأكملها ستتحول الى برميل بارود. انه يهدد ويتوعد، قد ينفذ، حتى يخلط الاوراق. قد يقصف اسرائيل حالما بأن الشارع العربي سيعتبره بطلا، خاصة اذا فشلت امريكا باقناع اسرائيل بعدم الرد، وبذلك يصوره اعلامه بالوطني، ويصور المعارضة بالعمالة الواضحة للعيان لامريكا واسرائيل. هذا تماما ما يتوقعه، اذ صرّح بان النتيجة ستكون حربا اقليمية، ولم يقل عالمية لانه يعي ان الروس جّربوا من قبل في العراق وصربيا وليبيا، وآثروا السلامة على التورط. طبعا لن يكون وحيدا، فحلفاؤه حزب الله وايران (وربما عراق المالكي، وربما على الاقل مصر السيسي اعلاميا) قد لا يخذلونه.
الكونغرس الامريكي سيعقد جلساته قريبا، ومن المتوقع تأييد الرئيس اوباما بتوجيه الضربة العسكرية لنظام الاسد، خاصة بعد تشكيل تحالف من احدى عشرة دولة حتى الان. الادارة الروسية تطالب بعدم الاضرار بالمدنيين، وعدم قصف المواقع الكيماوية حتى لا تحدث كارثة. قال الرئيس الروسي بوتين ان قصف سورية، من دون موافقة مجلس الامن، يعتبر خروجا على القانون الدولي. باختصار لم يقل بوتين انه سيتدخل ويناصر النظام السوري. هل يئس من مقدرة النظام السوري (وايران) على تسديد فواتير الاسلحة المتراكمة على مدى السنين؟
الولايات المتحدة ستحاور بشار الاسد باللغة التي يفهمها جيدا، لغة البراميل، ولكن براميل امريكا تطورت تكنولوجيا الى صواريخ توماهوك التي تعرف اهدافها حق المعرفة وتصلها بدقة متناهية. لم يستمع بشار الاسد للغة العقل منذ بداية الثورة السورية قبل سنتين ونصف السنة، واستبدلها بلغة البراميل، وها هو يجد من يفهم هذه اللغة وحل الوقت الان ليجد الرد بنفس اللغة، ولكن اكثر قوة وتعبيرا وفصاحة.
يقول الخبراء العسكريون بان الخطة العسكرية الموضوعة بترو واحكام، بعد دراسة مستفيضة، عادة ما تذهب ادراج الرياح بعد الطلقة الاولى، وعليك التحرك فورا نحو الخطط البديلة لملائمة التغيرات الجديدة على الارض.
الولايات المتحدة تريدها ضربة محدودة، لحفظ ماء الوجه، بعد ان تجاوز النظام السوري الخط الاحمر الذي رسمه اوباما (ظانا ان النظام لن يتجاوزه). الادارة الامريكية اعلنت ان هدفها ليس اسقاط النظام، بل تأديبه فقط، وان كانت التسريبات الاعلامية تتحدث الان عن توسيع مدى الاهداف التي ستقصف. السؤال المحير هو هل يكون النظام السوري فعل فعلته (الكيماوي) لانه يريد توسيع الصراع فعلا واشعال براميل البارود في المنطقة برمتها؟
الولايات المتحدة لا تملك ألا ترد، لانها لو لم تفعل لخسرت هيبتها، واستعمل النظام السوري الاسلحة الكيماوية على نطاق اوسع، كل يوم، وان ردت فهل تملك ان تتحكم بلغة البراميل، والا تلتهم براميل البارود المنطقة برمتها. امريكا، بلا شك حسبت كل الحسابات والاحتمالات، ولكن هل هي مستعدة فعلا لكل الاحتمالات، حرب جديدة في المنطقة، قد تطول. امريكا غير مستعدة للدخول في حرب جديدة، بعدما انتهت من حرب العراق، ولم تنته بعد من حرب افغانستان. الاقتصاد الامريكي بدأ بالتعافي، فهل الادارة مستعدة لانتكاسة اقتصادية جديدة؟
لا بد ان كل هذه الافكار دارت في خلد الرئيس اوباما ومستشاريه ورؤساء اجهزته الاستخبارية واعضاء مجلس الامن القومي، ولا بد ان سيناريوهات كثيرة درست. لا بد ان امورا كهذه هي سبب لجوء الرئيس اوباما للكونغرس وعدم قيامه بالضربة العسكرية قبل موافقة الكونغرس، لأنها قد لا تكون محدودة النتائج كما يتمناها.
لغة البراميل تهيمن الآن على المنطقة، انها الآن صامتة، ولكنها قد تتكلم قريبا، واذا تكلمت فلن يكون كلامها همسا، بل كلاما مدويا، وهادرا ستسمعه المنطقة برمتها، وربما تصبح لغة البراميل هي لغة المنطقة الرسمية في المستقبل المنظور.