الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشار في لقاء أردوغاني النكهة!!

بشار في لقاء أردوغاني النكهة!!

08.04.2013
ياسر الزعاترة

الدستور
الاثنين 8/4/2013
بعد غياب لا بأس به، ظهر بشار الأسد على قناة “أولوصال” التركية، وهي ليست المرة الأولى التي يحاور فيها وسيلة إعلام تركية؛ الأمر الذي يعكس حساسية الرجل حيال السياسة التركية بشكل خاص؛ هو الذي سبق أن قال في إحدى المقابلات: إن إغلاق تركيا لحدودها أمام “الإرهابيين” سيمكنه من إنهاء التمرد في غضون شهر واحد.
القناة التي أجرت الحوار مع بشار تنتمي إلى القوى المعارضة لأردوغان، بل ربما أشدها معارضة، ومن الواضح أنها لم تكن تريد من الحوار سوى إطلاق الرصاص على أردوغان، إذ حتى حين كان بشار يذهب بعيدا عن هدف الحوار، كان الصحافيان يعودان إلى الوضع التركي لكي يكرر بشار مقولاته حول أردوغان على نحو يدق إسفينا بينه وبين الشعب التركي.
منذ بداية المقابلة سعى بشار إلى التفريق بين الشعب التركي وبين القيادة التركية ممثلة في أردوغان، وداعب مشاعر الشعب مقابل كيل الاتهامات لرئيس وزرائه، حيث ذهب إلى أن كل ما يفعله أردوغان إنما هو من أجل أن يطيل عمره السياسي لا أكثر.
طبعا، بدأ بشار باتهام أردوغان بقتل الشعب السوري بتمويل قطري، ورد على ما يراه ادعاءات من قبله بأنه وجَّه النصح للقيادة السورية، ثم أكد أن سوريا لن ترد بالمثل على ممارسات أردوغان وحكومته لأنها حريصة على العلاقة مع الشعب التركي.
من يستمع إلى المقابلة كاملة سيجد أن أكثرها يركز على هذا البعد ممثلا في هجاء أردوغان ووصفه بالأحمق واتهامه بالإجرام والتشكيك بسياساته، إلى جانب مداعبة مشاعر الشعب التركي، بل وإقناعه بأن رئيس وزرائه لا يعمل لمصلحته، وصولا إلى القول: إن “الحريق في سوريا قد يمتد لتركيا أيضا”، كما قال في المقطع الأخير الذي طلبه من أحد الصحافيين كرسالة أو كلمة أخيرة للشعب التركي.
واللافت بالطبع، وربما الأكثر إثارة للسخرية هو حديث بشار عن أردوغان كما لو كان زعيما منبوذا من شعبه، وأن كل ما يفعله في سوريا إنما هو لإطالة عمره السياسي، وكان مثيرا أيضا حشره في الإطار الديني حينا، وفي الإطار الإخواني حينا آخر، إذ قال عنه “هذا الرجل عقله عقل إخوان مسلمين، والإخوان المسلمون من تجربتنا معهم في سوريا منذ ثلاثين عاما وأكثر بقليل مجموعات انتهازية تستخدم الدين منهجا للمصالح الشخصية”.
هذا الخطاب كان مناسبا للمحطة التركية بكل تأكيد، ولذا عاد أحد الصحافيين لاحقا إلى توجيه سؤال يذكِّر بمصطفى كمال أتاتورك وكيف ورثه أناس لهم توجهات دينية، في إشارة إلى أردوغان وحزبه.
حتى التطوران الأخيران اللذان بدا أن أردوغان قد حصد منهما مزيدا من الشعبية، سعى الصحافيان وبشار إلى تنفيسهما على نحو مبتذل، وأعني بهما اعتذار نتنياهو عما جرى لسفينة مرمرة، وموقف عبد الله أوجلان بإعلان وقف التمرد المسلح للأكراد.
في الأولى ركز بشار على أن ما جرى لا تفسير له إلا بما يجري في سوريا، لأن نتنياهو في السلطة منذ عامين، وكذلك أردوغان، فلماذا يكون الاعتذار الآن؟ مشيرا إلى أن هناك تحالفا بين الطرفين. أما في المسألة الكردية، فقد شكك بشار في نوايا أردوغان إجراء تسوية حقيقية مع الأكراد أيضا.
أضاف بشار أيضا أن “أردوغان يريد أن يكون هناك صدام على المستوى الشعبي بين سوريا وتركيا، لكي يحصل على الدعم الشعبي في سياساته”. وحشر الأمر بشكل كامل في الرجل عبر تبرئة الجيش والمخابرات نسبيا من المسؤولية عما يجري، وهي محاولة أخرى من طرفه للعب عما يراه خلافا بين المؤسسة العسكرية والأمنية وبين أردوغان في معالجة الملف السوري، ووصل به الأمر حد القول: إن أردوغان “يهتم بمصالح الإخوان المسلمين أكثر من الشعب التركي نفسه”!!
لم يتوقف الأمر عند أردوغان، فقد طالت الشتائم أيضا وزير خارجيته أحمد داوود أوغلو الذي قال عنه: “إذا لم يكن هناك من رباه تربية صحيحة في بيته”، فنحن تربينا على قيم الشعب السوري، ولا شك أن حشر أوغلو في القضية لم يأت عبثا، وإنما لأنه الأكثر انسجاما مع أردوغان فيما يتصل بالأزمة السورية.
لم يكن في المقابلة ما يثير الانتباه عدا هذا البعد، اللهم سوى التأكيد على أنه يعيش في مكانه وليس في بارجة سورية أو في إيران، لكنه شكك أيضا دون أن يقصد بإمكانية بقائه في السلطة حين تحدث عن تداعيات تقسيم سوريا أو سيطرة “الإرهابيين” عليها، وتأثيره على دول المنطقة التي ستتساقط بعد ذلك مثل أحجار الدومينو.
لم يكن هناك في المقابلة أي حديث عن الوضع العسكري، ولا أي سؤال حول تقدم الثوار على الأرض، الأمر الذي يبدو مثيرا للسخرية؛ لأن أمرا كهذا كان ينبغي أن يتصدر الحوار، ما يؤكد أن هدفه هو الحط من قيمة أردوغان في الوعي الشعبي التركي، لاسيما بعد الشعور بتصاعد قوته كما أشرنا إثر اعتذار نتنياهو، وبعد المصالحة التاريخية مع الأكراد.
الجانب الجيد في المقابلة يتمثل في أنها ستدفع أردوغان إلى مزيد من الانحياز للثورة، ورفض أي حل سياسي يبقي بشار في السلطة، مهما كانت تفاصيله الأخرى.