الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بصيص الأمل في النفق السوري المظلم

بصيص الأمل في النفق السوري المظلم

30.07.2013
عبدالعزيز حمد العويشق

الوطن السعودية
الثلاثاء 30-7-2013
تمكنت الإدارة الأميركية من إقناع لجان الكونجرس الأسبوع الماضي بالموافقة، موقتاً، على خططها بتزويد المعارضة السورية بالسلاح. المتفائلون يتوقعون أن يبدأ تسليم السلاح للمعارضة خلال أغسطس
منذ ثمانين عاماً، راقب الناس الطيبون قوى النازية وهي تبطش بالأبرياء في ألمانيا وأوروبا، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً لوقفها. وكانت "عصبة الأمم" مشلولة القدرة أمام آلة الحرب النازية وحلفائها في إيطاليا واليابان وإسبانيا وهي تفتك بالملايين الذين أُحرقوا أو أعدموا أو قضوا في معسكرات الاعتقال أو دفنوا تحت أنقاض القصف الجوي أو استُعبدوا وانتهكت أعراضهم وكرامتهم.
بعد نحو عقد من المجازر، فرض العالم نهاية لذلك الكابوس، وظن الجميع أنه إلى غير عودة، خاصة بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها العديدة التي أسست لمنع تكراره. ولكن ذلك لم يحدث، وتوالت المآسي الإنسانية وحروب الإبادة والتطهير العرقي، وعجزت الأمم المتحدة، كسابقتها عُصبة الأمم، عن وقفها.
منذ عشرين عاماً، كان سكان البوسنة يتعرضون لحرب إبادة من قبل جيرانهم الصرب، استمرت ثلاث سنوات (1992-1995)، تحت نظر ورقابة الأمم المتحدة، إلى أن وقعت مذبحة "سربرينيتشا" في صيف 1995، التي أعدم فيها نحو (8000) من الأبرياء.
ويبدو الوضع اليوم شبيهاً بذلك في سورية، فالمدنيون يُقتلون بالآلاف في حرب غير متكافئة، في حين أن الأمم المتحدة ما زالت تتدارس أفضل السبل لوضع حد لها.
في مارس 2011 انتفض الشعب السوري، سلمياً، يطالب بالحرية، بعد خمسين عاماً من حكم حزب البعث، وأربعين عاماً من حكم عائلة الأسد. ومن اللافت للنظر أن حزب البعث كان قد أنشئ في الأربعينات من القرن الماضي، مستوحياً فلسفته وآلية عمله من الأحزاب الشمولية الأوروبية، مثل الحزب النازي والحزب الفاشي الإيطالي، التي أشعلت نيران الفتن والقتل في تلك الفترة. وبعد أن تولى الحكم في سورية في 1963، تعمقت أساليبه الإقصائية بتحوله تدريجياً إلى نظام يدعم النزعات الطائفية والعشائرية والإقطاعية، وتتربع على قمته أسرة الأسد، التي أصبحت تسيطر على مفاصل الحياة في سورية. وأصبح الفساد المالي والإداري السياسي سمة ملازمة لحكمها، كما اعتمدت القتل، والتعذيب، والسجن دون محاكمة، وانتهاك الأعراض، أساليب لعملها.
وعلى مدى الأشهر الثلاثين الماضية، منذ بدء الانتفاضة، أظهر النظام السوري مدى التزامه بمرتكزات حكمه الشمولية والعائلية، وأطلق العنان لآلة القتل ضد المدنيين العُزل. ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى حتى الآن (100,000) شخص، وأصبح أكثر من مليوني سوري لاجئين في الدول المجاورة، وسبعة ملايين مهجّرين داخل سورية، هاربين من بطش النظام.
وفيما عدا ما تقدمه المنظمات الإنسانية من مساعدات للشعب السوري، تخلّى المجتمع الدولي، خاصة الأمم المتحدة عن مسؤولياته في حماية المدنيين. فقد فشل مجلس الأمن حتى الآن في القيام بمهامه التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة. صحيح أن الفيتو الروسي المتكرر قد منع المجلس من اتخاذ قرارات ملزمة قانونياً، ولكن تخلي أعضائه الآخرين عن القيادة والمسؤولية جعل من السهل على الروس تمرير مشروعهم الذي يهدف للإبقاء على نظام الأسد بأي ثمن. أما الجهاز السياسي للأمم المتحدة، فقد احتمى بالفيتو الروسي لتبرير شلله وعدم تحقيق أي تقدم يّذكر في حماية السوريين من قمع النظام. وفشل المبعوث الخاص للأمم المتحدة (والجامعة العربية) في وقف إطلاق النار، أو الاتفاق على هدنة خلال شهر رمضان، أو في إقناع الأطراف المختلفة للجلوس على مائدة المفاوضات. بل تتهم المعارضة السورية المبعوث الدولي بالانحياز عملياً إلى مواقف النظام، ويشيرون على وجه الخصوص على تسرعه الأسبوع الماضي بانتقاد القرار الأميركي بتسليح المعارضة.
وإلى جانب هذه الصورة القاتمة، كان ثمة بعض الأخبار الإيجابية خلال الأسبوع الماضي، ومع أنها مشجعة للشعب السوري، إلا أنها غير كافية لوقف محاولات النظام سحق المعارضين لحكمه.
ففي المقام الأول، تمكنت المعارضة السورية من الصمود أمام هجمات النظام، بل تمكنت من تحقيق عدد من النجاحات العسكرية في حلب ودرعا وحمص. وعلى المستوى السياسي، تمكن السوريون من تقريب وجهات النظر من خلال انتخاب قيادة جديدة للائتلاف الوطني أكثر قدرة على توحيد الصفوف وتعزيز الدعم الدولي للمعارضة.
وفي المجال الدولي، كان هناك تقدم ملموس في الموقف الأميركي، وإن كان ما زال محدوداً. فقد تخلى الكونجرس الأميركي عن تحفظاته على خطة الإدارة الأميركية في تسليح المعارضة، التي أعلنت في الشهر الماضي. إذ إن الكونجرس أبدى حينها تحفظه على تلك الخطة، بحجة أن الأسلحة قد تقع في أيدي مجموعات متطرفة مثل جبهة النصرة. وتمكنت الإدارة الأميركية من إقناع لجان الكونجرس الأسبوع الماضي بالموافقة، موقتاً، على خططها بتزويد المعارضة بالسلاح. وليس من الواضح متى سيبدأ التنفيذ، ولكن المتفائلين يتوقعون أن يبدأ تسليم السلاح للمعارضة خلال شهر أغسطس.
وفي الوقت نفسه، كان هناك تقدم في الموقف الأوروبي من حزب الله، حليف النظام السوري وقوته الضاربة في الحرب الطائفية. فبخلاف الولايات المتحدة، لم يصنف الاتحاد الأوروبي حزب الله، حتى الآن بأنه منظمة إرهابية، بما يترتب على ذلك من تبعات قانونية وعملية، ولكنه خطا خطوة في الاتجاه الصحيح في الأسبوع الماضي، حين اتفق أعضاؤه الـ (28) على تصنيف الجناح العسكري لحزب الله كمنظمة إرهابية.
لم يكن كثيرون يعلمون أن لحزب الله جناحاً عسكرياً مستقلاً، ولكن هذا التمييز كان ثمناً للحصول على القرار الجماعي. وفي الواقع العملي، ونظراً لارتباط الجناح العسكري بالقيادة السياسية للحزب ارتباطاً عضوياً كاملاً، لن يكون لذلك التمييز أثر كبير. ومن المتوقع أن يؤدي القرار الأوروبي إلى الحد من الدعم المالي الذي يتلقاه الحزب من خلال القنوات الأوروبية، ويساعد على تضييق الخناق المالي على الحزب، وهو مكمّل للإجراءات الأميركية والخليجية بهذا الخصوص.
وكان الاتحاد الأوروبي قد رفع الحظر المفروض سابقاً على تزويد المعارضة بالسلاح، مما يعني أن لكل دولة مطلق الحرية في اتخاذ ما تراه مناسباً. وربما لن يكون لهذا القرار أثر يُذكر، نظراً لمعارضة كثير من الدول الأوروبية لتسليح المعارضة. ونرى الآن بريطانيا وفرنسا، اللتين كانتا حتى وقت قريب متحمستين لتسليح المعارضة تبديان الكثير من التردد والتساؤل الآن بعد رفع الحظر الأوروبي.
وفي حين يضع البعض أملهم في مؤتمر جنيف-2، الذي لم يتحدد موعده حتى الآن، فإن من الواضح أن ثمة أملاً محدوداً في أن يكون للمؤتمر تأثير إيجابي، ما لم تتمكن المعارضة من الصمود ودفع النظام للتفكير في حلول وسط غير القضاء الكامل على المعارضة. ولكي تتمكن المعارضة من الصمود، فإن على أصدقاء الشعب السوري أن يضاعفوا جهودهم لتزويدها بالإمكانات الضرورية لصمودها، عسكرياً واقتصادياً.