الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بعد الكيماوي ردع الأسد خارج مجلس الأمن

بعد الكيماوي ردع الأسد خارج مجلس الأمن

26.08.2013
خالد الحروب

الشرق القطرية
الاثنين 26/8/2013
 بعد استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ضد الشعب السوري يتحتم على الدول العربية أن تتخذ موقفا جديدا وجديا الآن إزاء إنقاذ هذا الشعب المسكين من بطش جزار دمشق. لم يعد من الممكن أخلاقيا وسياسيا ودينيا وإنسانيا الاستمرار في السياسة العربية غير الفعالة إزاء الجريمة السورية  والتي أطالت من معاناة السوريين وفاقمت من عدد الضحايا. العجز العربي والدولي الذي تتحمل وزره موسكو جراء وقوفها بصلافة في وجه أي قرار أممي ضد النظام السوري لم يعد بالإمكان قبوله. والسياسة الدولية تتيح، بل تفرض، على أي جوار إقليمي اللجوء إلى آليات ردع للأنظمة المجرمة خارج آليات مجلس الأمن التي تتعطل بسبب فيتو ومصالح القوى العظمى. ويُناط بالمنظمات الإقليمية عرفاً التعامل مع القضايا الإقليمية ومحاولة حلها قبل وصولها إلى مجلس الأمن.
ومن ناحية نظرية بحتة فإن الملف السوري ومأساة الشعب هناك هي مسؤولية الجامعة العربية أولا وأخيرا وقبل أن تكون مسؤولية مجلس الأمن. لكن أما وإن الملف انتقل إلى مجلس الأمن الذي أثبت عجزه الفاضح عن إنقاذ السوريين فإن على الجامعة العربية أن تسترد الملف وتتحرك هي خارج نطاق مجلس الأمن وخارج نطاق مصالح الدول الغربية التي أسهمت مواقفها في إطالة عمر المجزرة وزيادة عدد الضحايا الأبرياء.
 المطلوب الآن أن تبحث الجامعة العربية في آليات تحرك بعيدا عن مجلس الآمن، وبعيدا عن السقف الذي خطته الولايات المتحدة والدول الغربية. فالموقف الغربي حدد سقفا منخفضا لدعم الثورة السورية، مختلفا عن السقف الذي كان عاليا إزاء الثورة الليبية، وبرغم أن الغرب لم يكن يحتفظ بأي علاقات ودية مع نظام الأسد إلا أن عدة عوامل لعبت لصالح النظام وكبلت التأييد الغربي للثورة خاصة بعد أن أجبرها النظام على استخدام السلاح. العامل الأساسي الذي رسم حدود الموقف الغربي، خاصة الأمريكي، تمثل في مستقبل أمن إسرائيل والخشية من فوضى ما بعد سقوط النظام أو قيام نظام بديل عن الأسد يكون أكثر عدائية لإسرائيل من ناحية ومُسيطرا عليه من قبل الإسلاميين، أو يُفسح لهم العمل في سوريا. ومن ناحية عملية أدى التردد الغربي إلى إطالة أمد الثورة ومنح النظام عمراً زمنيا إضافيا لملم فيه أوراقه وتمكن من عسكرة الانتفاضة السلمية وتبرير ضربها بشكل دموي وعنيف. والشيء المُفارق هنا هو أن المواقف العربية، بما في ذلك الخليجية المؤثر، إضافة إلى التركية التزمت جميعا بذلك السقف المنخفض، مما أفقد السوريين فرصة التخلص من النظام بصورة سلمية وسريعة. وإذا كانت للولايات المتحدة حساباتها الخاصة في رسم سياستها وحدود دعمها للثورة السورية وأهمها العامل الإسرائيلي، فإن من المُفترض أن يكون للدول العربية، خاصة الخليجية منها حساباتها المختلفة، وأهمها التمدد الإيراني الفج. فهنا انخرطت إيران في دعم النظام بكل الوسائل بما فيها الدعم العسكري بشكل كامل وكاسح وغير متردد، مما عكس عمق الإصرار الإيراني على إبقاء دمشق تحت نفوذها المطلق. يُضاف إلى ذلك انخراط كبير ومشابه لحزب الله في الحرب باسم النظام وضد الثورة.
 والحقيقة أن الموقف الخليجي على وجه التحديد يستوجب إعادة نظر وتحريك، وهو الموقف الذي اتسم بـ"التأييد القوي لكن مع الدعم غير الفاعل"، بمعنى أن التأييد السياسي والإعلامي والدبلوماسي لم يرافقه دعم فاعل على الأرض يغير من موازين القوى، إعادة النظر في هذا الموقف يفرضه استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين، إضافة إلى الموقف الخليجي من الحدث المصري والإطاحة بحكم مرسي، ففي هذا التطور الأخير برز موقف خليجي مفاجئ في صرامته وحزمه ودعمه القوي والفاعل للفريق السيسي والحكومة الانتقالية على الضد من الموقف الغربي الذي رأى في الإطاحة بمرسي انقضاضا على حكم ديمقراطي منتخب. افترق الموقف الخليجي بشكل كبير عن الموقف الغربي ولم يلتزم بأي سقف أو توجه عام بهذا الشأن، بل ثمة تصريحات متواترة تطمئن الحكم في مصر أن الدعم الخليجي سوف يعوض أي قطع للمعونات الأمريكية والأوروبية إن حدث. دعم من هذا النوع يعتبر دعما فعالا ويؤثر في موازين القوى ولا يلتزم بالموقف الغربي. معنى ذلك وعلى ذات المنوال بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي تبني موقف "داعم، وليس فقط مؤيدا، مشابه إزاء الثورة السورية، لا يتلزم بالسقف الغربي، ويكون هدفه إحداث تغيير حقيقي في ميزان القوى العسكري في الميدان.
 وإذا كان تقدير الموقف في مصر من قبل دول الخليج، والذي ترتب عليه الدعم المُشاهد حالياً، ينطلق من الوقوف ضد تمدد الإخوان المسلمين، فإن الأخطر عمليا من ذلك وبفارق كبير هو التمدد والنفوذ الإيراني الذي يخوض حربا طاحنة في سوريا ويريد أن يبقيها، ولبنان معها، تحت السيطرة الإيرانية المطلقة.
 الحسابات الإستراتيجية تلك مع الحسابات الأخلاقية والإنسانية يجب أن تغير معالم المواقف والصورة، الآن يحسم كيماوي الأسد ضد أطفال سوريا ومدنييها أي جدل أخلاقي أو سياسي حول الموقف من النظام و"مشروعية" الحرب الدموية التي يخوضها، ويجب أن يغير من قواعد اللعبة الدامية. النظام المافوي الذي دمر سوريا وبطش بأكثر من مائة ألف من شعبها دفاعا عن كرسي الحكم انتقل الآن إلى استخدام السلاح الكيماوي الذي شاهدنا نتائجه "البطولية" في جثث الأطفال المختنقين ولوعة أمهاتهم عليهم. وإن تم التغاضي عن جريمته الأخيرة هذه ورفعه لسقف البطش فإنه سيتمادى وينتقل إلى مستوى آخر لا أحد يعلم ما هو. ما نراه اليوم يمثل فصلا إضافيا مدهشا من الجريمة التي تخطت كل الخطوط الحمر، ينتقل بـ"بطوله" الأسد ونظامه ضد شعبه شوطا إضافيا. ذاك أن الدبابات والطائرات وأسلحة المدفعية التي علاها الصدأ في مستودعات "نظام المقاومة" اشتغلت بكامل طاقتها ضد الشعب الذي ثار على استبداد الأسد وعائلته وفساده. آن الأوان لإيقاف هذه الجريمة وهذه المهزلة التي تهدر الدم البريء وتكللنا بالعجز والعار.