الرئيسة \  تقارير  \  بعد توقف محادثات فيينا بسبب المطالب الروسية.. هل تتخلى طهران عن موسكو؟

بعد توقف محادثات فيينا بسبب المطالب الروسية.. هل تتخلى طهران عن موسكو؟

17.03.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاربعاء 16/3/2022
كانت جميع التحليلات والتكهنات التي تأتينا من فيينا، حيث تقام مفاوضات نووية غير مباشرة والهادفة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والولايات المتحدة، بمشاركة الأطراف الأوروبية الباقية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 طوال الأسبوع الماضي؛ إيجابية، لدرجة أن الحديث عن الوصول إلى صفقة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 عشية عيد النوروز الإيراني 21 مارس (آذار) 2022، كانت أكثر سهولة من أية وقت مضي.
لكن فجأة وبشكل مباغت وغريب، جرى الإعلان يوم الجمعة 11 مارس 2022 عن توقف المفاوضات النووية في العاصمة النمساوية، وأعلن مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، والمنسق العام لمفاوضات فيينا، جوزيب بوريل، عن توقف المفاوضات، مشيرًا إلى ما أسماه بـ”العوامل الخارجية”، التي أدت إلى توقف مؤقت لمفاوضات فيينا، وفي الوقت نفسه اشار إلى أن المسودة النهائية للاتفاقية جاهزة، وقد طُرحت على طاولة المفاوضات.
يخوض كل من الدبلوماسيين الإيرانيين، الأمريكيين، والأوروبيين، مفاوضات شاقة بدأت قبل 11 شهرًا، لحل أزمة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب في مايو (أيار) 2018، وردًا على هذا الانسحاب الأحادي الجانب، اتخذت إيران خطوات عديدة تهدف إلى تخفيف التزامها ببنود خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، أو ما يعرف بالاتفاق النووي.
في الأسابيع الأخيرة كانت محادثات فيينا تسير بشكل إيجابي إلى حد ما، وأكد الجانبان الإيراني والأمريكي أن المفاوضات اقتربت من النهاية، وليس غير هناك سوي القليل من القضايا العالقة التي يجري العمل على حلها، لكن المراحل الحساسة وشبه النهائية من المفاوضات النووية في فيينا، جاءت بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وكانت موسكو طرفًا أساسيًا في الاتفاق النووي لعام 2015؛ مما زاد التكهنات بأن آثار هذا الغزو ستلقي بظلالها على مفاوضات فيينا، فما الذي حدث؟ وما السبب وراء توقف محادثات فيينا؟
“هدف الدقيقة 90”.. موسكو تعرقل إحياء الاتفاق النووي
أشار السيد جوزيب بوريل، مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ومنسق محادثات فيينا، إلى “عوامل خارجية”، تسببت في التوقف المفاجئ للمفاوضات النووية في فيينا، هذه العوامل ببساطة هي المطالب الروسية التي طرحتها موسكو في الأيام الأخيرة، مقابل موافقتها على إتمام عملية إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
لكن ما هي المطالب الروسية التي عرقلت التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني؟ ترى روسيا أنها تواجه عقوبات صارمة للغاية، ووفقًا لوزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، فإن بلاده تسعى لضمان ألا تنتهك العقوبات الأمريكية المفروضة على موسكو، حقوقها في الاتفاق النووي الإيراني. ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه هي المرة الأولى التي نجد فيها مسئولًا روسيًا يتحدث عن حقوق بلاده في سياق الاتفاق النووي الإيراني، لكن تأثير الأزمة الأوكرانية تخطى التوقعات.
في بداية الأسبوع الماضي قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، “نحث نظراءنا الأمريكيين على منحنا ضمانًا مكتوبًا على الأقل على مستوى وزراء الخارجية، بأن العقوبات الأمريكية لن تقوض حقنا في التجارة الكاملة، والحرة، والاستثمار، والاقتصاد، والتعاون الفني والعسكري مع إيران”.
في حديثه لـ”ساسة بوست”، يعلق الدبلوماسي الإيراني السابق، ومحلل الشئون الدولية جاويد قربان أوغلي قائلًا “هذه المطالب من قبل روسيا تعتبر خطوة غير أخلاقية من القادة الروس، إنهم يعلمون أن الغرب لن يوافق على هذه المطالب، التي لا علاقة لها بالاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية، كنا على وشك التوصل إلى إحياء الصفقة النووية، لكن الجانب الروسي اختار اللعب بالبطاقة الإيرانية لكسب المزيد من المزايا بعد غزو أوكرانيا، وفرض العقوبات الغربية على روسيا”.
ببساطة تريد روسيا استغلال مفاوضات فيينا، للتوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة والغرب، بعد الكم الهائل من العقوبات المفروضة ضدها بسبب غزوها لأوكرانيا، وتطالب بالإعفاء من العقوبات الأمريكية في حال التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران، لتحظى بمزايا المعاملات التجارية المستقبلية مع الجمهورية الإسلامية، شرط المشاركة في إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
يضيف السيد قربان أوغلي قائلًا لـ”ساسة بوست”: “استطاعت إيران والولايات المتحدة حل أغلب القضايا العالقة، وكنا في انتظار الإعلان عن إحياء الاتفاق النووي، لدرجة أن الفندق الذي كان يستضيف المحادثات النووية في فيينا، قام بتجهيز قاعة خاصة لاحتفال الدبلوماسيين الأوروبيين، والأمريكيين، والإيرانيين، بعد الإعلان عن الصفقة الجديدة لإحياء الاتفاق النووي، لكن بعد المطالب الروسية الأخيرة من الممكن أن تعود بالمحادثات النووية إلى النقطة صفر ببساطة”.
إلى الآن رفضت واشنطن المطالب الروسية، واعتبرتها غير ذات صلة بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وصرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في 11 مارس قائلًا: “الولايات المتحدة ليست مستعدة لتقديم التنازلات لروسيا بشأن تخفيف العقوبات عنها لإحياء الاتفاق النووي الإيراني”، مؤكدًا على أن العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، لا علاقة لها بالكامل بخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، وعلى ضوء التصريحات الأمريكية فإنه ليس هناك ما يشير إلى أن الغرب سيوافق على مطالب روسيا.
كيف استقبلت طهران المطالب الروسية المعرقلة لمفاوضات فيينا؟
جاءت المطالب الروسية المتعلقة بتحريرها من العقوبات الأمريكية لضمان إجراء المعاملات التجارية الكاملة مع الجمهورية الإسلامية في حال التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي، في وقت أشار فيه الجانبان الأمريكي والإيراني مرارًا وتكرارًا إلى اقتراب حل القضايا العالقة، والتي كانت تعيق التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
قبل المطالب الروسية التي قلبت الطاولة رأسًا على عقب، كانت واشنطن وطهران تبحثان إلى أي مدي سيجري رفع العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بعد انسحابه من الصفقة النووية، على طهران. بالإضافة إلى إمكانية رفع واشنطن للحرس الثوري الإيراني من قوائمها الخاصة بالمنظمات الإرهابية، والتي جرى إدراج الحرس الثوري عليها في صيف عام 2019، من قبل إدارة دونالد ترامب، بالإضافة إلى المسائل المتعلقة بتبادل الأسرى بين واشنطن وطهران.
كانت العقبة الكبيرة والرئيسة في استكمال الوصول إلى صفقة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، هي قضية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحقيقها بشأن اكتشاف آثار لليورانيوم في منشاة نووية غير معلنة للوكالة، وبحسب مسئولين إيرانيين تحدثوا لـ”ساسة بوست”، في تقرير سابق، فإن طهران طالبت بإغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة بعد أن أعلنت الأخيرة أن إيران لن تقدم أية إجابات واضحة بشأن هذه المسالة.
يقول الدبلوماسي الإيراني السابق، ومحلل السياسية الدولية، جاويد قربان أوغلي لـ”ساسة بوست”: “مسألة التحقيق الخاص بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، جرى التوصل فيه إلى شبه اتفاق بعد زيارة مدير الوكالة إلى طهران، ولم يتبق في هذه القضية سوى القليل لحلها بشكل كامل، لكن كل هذه الجهود الآن أصبحت لا فائدة منها، بعد العرقلة الروسية”.
وكان موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد نشر النتائج المترتبة على زيارة مدير الوكالة، رافائيل جروسي، إلى طهران في 5 مارس 2022، واجتماعه مع رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، والتي يمكن تلخيصها كالتالي:
أولًا: ستقوم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتقديم تفسيرات مكتوبة وواضحة مصحوبة بالوثائق ذات الصلة، والأجوبة للأسئلة التي طرحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن آثار اليورانيوم المكتشف في ثلاثة مواقع نووية إيرانية، في موعد أقصاه 20 مارس 2022.
ثانيًا: بعد تقديم الأجوبة الإيرانية بشأن قضية آثار اليورانيوم في مواقع نووية، يجري عقد اجتماع بين مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في طهران لبحث آخر التطورات المتعلقة بالقضية السابق ذكرها.
ثالثًا: بناء على ما سبق سيقدم رافائيل جروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقريرًا عن استنتاجاته النهائية إلى مجلس محافظي الوكالة في يونيو 2022.
إذًا كانت الأمور تسير بشكل جيد إلى حد كبير، وكان يجري بذل الجهود المضنية للعمل على حل القضايا العالقة بين واشنطن وطهران، للتوصل إلى إحياء الاتفاق النووي، لكن جاءت الضربة الروسية لتطيح بكل هذه المجهودات في لحظة واحدة. بعد إعلان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف عن مطالب بلاده المتعلقة بموافقتها على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ساد الغضب في طهران، خاصة بين الإيرانيين المتشككين منذ البداية في نوايا موسكو تجاه بلادهم.
المخابرات الروسية والمخابرات الأمريكية
يقول الصحافي الإيراني الإصلاحي والمختص بالسياسية الخارجية، حسين صادق، لـ”ساسة بوست”: “روسيا تقوم بغزو أوكرانيا، فنتلقى نحن الهزيمة في إيران، كان على المسئولين الإيرانيين الداعمين لموسكو توقع حدوث مثل هذا الأمر، فروسيا لديها تاريخ غير جدير بالثقة في إيران، يكفيها أنها ساندت صدام حسين على غزو إيران في الماضي”.
جدير بالذكر هنا أن السياسيين، والمسئولين الإيرانيين، الأصوليين والمتشددين، تبنوا منذ سنوات، تنفيذ الإستراتيجية التي أشار إليها الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله على خامنئي، مرارًا وهي “النظر إلى الشرق”، أي عدم الاعتماد على الغرب، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية. وبناء على هذه الإستراتيجية اتخذت الجمهورية الإسلامية في الأشهر القليلة الماضية خطوات جادة لتوثيق علاقاتها بروسيا، التي تجدها حليفًا إستراتيجيًا وإقليميًا مهمًا، مقارنة بعدم ثقتهم بالغرب.
لكن ثقة المسئولين والقادة الإيرانيين، الأصوليين والمسيطرين على مراكز القوى في الدولة الإيرانية في الوقت الحالي، في موسكو، كانت محط انتقاد دائم من أطياف واسعة من السياسيين الإصلاحيين، وقطاعات من الشعب الإيراني، الذي بناء على تاريخ روسيا في إيران، وحروبها في السابق بلاد فارس، تدفعهم إلى عدم الثقة حتى بروسيا بوتين، اليوم.
مسئول حكومي إيراني بارز، يقول لـ”ساسة بوست”: “في البداية، كانت المطالب الروسية بمثابة صدمة للقيادة الإيرانية، وعبر العديد من المسئولين الإيرانيين عن غضبهم من المناورات الروسية التي سوف تضر بالمصالح الوطنية الإيرانية، لكن بعد ذلك جرى العمل على تخفيف وطأة الامر، والنظر في حلول أخرى”.
بعد تغيير النبرة الإيرانية الغاضبة من المطالب الروسية، إلى نبرة أكثر تسامحًا، نجد أن وسائل الإعلام الإيرانية الموالية للحكومة، بدأت في اتهام الولايات المتحدة بعرقلة المفاوضات بدلًا عن اتهام موسكو. يقول الصحافي الإيراني الإصلاحي حسين صادق لـ”ساسة بوست”: “قبل المطالب التي طرحتها روسيا، وفي بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، تحدثت العديد من وسائل الإعلام الإصلاحية والمحللين عن إمكانية استخدام موسكو لمفاوضات فيينا للضغط على واشنطن والغرب، والحصول على تنازلات، لكن الأصوليين لم يقتنعوا بهذه التفسيرات”.
يضيف السيد صادق قائلًا: “بعض المطالب الروسية تهدد مصير الاتفاق النووي الآن، وحاولت وسائل الإعلام الموالية للحكومة والمحافظة، التخفيف من الصدمة، وإلصاق التهمة بالأمريكيين في تعطيل المفاوضات، لكي لا يلقي أحد باللوم عليهم دعمهم لموسكو”.
بنظرة سريعة على وسائل الإعلام المحافظة والموالية للحكومة الإيرانية، نجد أن أغلب الصحف والمواقع الإخبارية المحسوبة على التيار الأصولي، حاولت تجنب استخدام كلمة “توقف”، في الإشارة إلى توقف المحادثات في فيينا، فعلى سبيل المثال لا الحصر استخدم الموقع الإلكتروني همشهري كلمة “وقفة”، بدلًا عن “توقف”، قائلًا إن الوقفة المؤقتة في مفاوضات فيينا، هي فرصة لحل المشاكل المتبقية والعودة إلى فيينا.
يقول المسئول الحكومي الإيراني البارز لـ”ساسة بوست”: “روسيا حليف إستراتيجي مهم بالنسبة للجمهورية الإسلامية، ولا يمكن التخلي عنها لصالح الوثوق مرة أخرى في الغرب، الإدارة الإيرانية تعمل على إيجاد حل لهذه الأزمة، دون خسارة موسكو بالتأكيد”.
طهران عالقة بين خيارين أحلاهما مرّ
مع توتر الوضع في فيينا، بسبب المطالب الروسية، والتوقف المفاجئ للمفاوضات، تدق عقارب الساعة لقرب نفاد صبر الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين في خطة العمل الشاملة المشتركة، خاصة أن إيران تواصل تسريع برنامجها النووي، يقول الغرب إنه إذا استمرت إيران في تخصيب اليورانيوم بهذه الوتيرة السريعة، فإنها على أعتاب صناعة قنبلة نووية في غضون شهور، وربما أسابيع، كما حذر المسئولون الأمريكيون في الفترة الأخيرة بأنهم لن يسمحوا للمفاوضات بأن تطول إلى أجل غير مسمي.
يقول السيد قربان أوغلي لـ”ساسة بوست”: “مطالب روسيا الأخيرة تعرض الاتفاق النووي والجهود المبذولة لإحيائه إلى الانهيار السريع في أي وقت، إيران الآن أمام خيارين كليهما سيئ: التخلي عن موسكو والمضي قدمًا في إحياء الاتفاق النووي بدونها، أو الاستمرار في دعم روسيا، وانتظار انهيار الصفقة النووية، والتعايش مع استمرار العقوبات الاقتصادية”.
لكن إذا اختارت طهران الخيار الاول بحسب السيد قربان أوغلي، وهو التخلي عن موسكو وإحياء الاتفاق النووي بعيدًا عن الموافقة الروسية، فهل يمكن تنفيذ هذا الخيار على أرض الواقع؟
الإجابة هنا أنه من الممكن تنفيذ هذا الحل، لكنه صعب ومرهق، فروسيا شريك أساسي في خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وهي البلد التي استضافت بعض اليورانيوم الإيراني المخصب في السابق، لكن في الوقت نفسه، هذه مهمة يمكن لأية دولة القيام بها.
يقول دبلوماسي إيراني سابق، وكان من ضمن المشاركين في المفاوضات النووية في عام 2013 والتي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي في عام 2015، لـ”ساسة بوست”، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن “إحياء الاتفاق النووي بدون موافقة موسكو خطوة معقدة للغاية، لكن غير مستحيلة، تعقيدها يكمن في أن طهران غير راغبة في إقصاء روسيا التي تجد فيها حليفًا شرقيًا مهمًا، خاصة بعد دأب المسئولين الإيرانيين على تنفيذ إستراتيجية النظر إلى الشرق، فمن الصعب على القادة الإيرانيين الحاليين، التخلي عن موسكو مقابل الوثوق مرة أخرى في الغرب، خاصة أنهم يعلمون أنه في حالة وصول الجمهوريين الأمريكيين إلى السلطة عام 2024، فإنهم سوف يتخلون عن الاتفاق النووي مرة أخرى”.
يؤكد المسئول الحكومي الإيراني الرغبة الإيرانية عدم إقصاء موسكو من الصفقة النووية، قائلًا لـ”ساسة بوست”، ومفضلًا عدم الإفصاح عن اسمه: “لا يمكن لطهران أن تدير ظهرها لموسكو في هذا التوقيت الحساس، كما لا يمكن لإيران أن لا تدعم روسيا في مخاوفها الأمنية من الغرب والناتو، هذه مخاطرة كبيرة بالنسبة لطهران”.
كما أشار المسئول الحكومي الإيراني إلى أنه حتى لو خاطرت طهران بعلاقتها بموسكو، ومضت في إحياء الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة دون الموافقة الروسية، فلن توافق روسيا على هذا الأمر ولن تسمح به، فيقول “نحن نعلم جيدًا أن روسيا لن تقبل بأن يستبدل الغرب نفطها وغازها، بالنفط والغاز الإيراني، هذا يهدد مصالحها الاقتصادية بشكل خطير”. أما إذا اختارت إيران الخيار الثاني، وهو الاستمرار في دعم موسكو ومطالبها التي طرحتها في فيينا، فسيعني احتمالية انهيار المفاوضات النووية، واستمرار العقوبات المفروضة على طهران إلى أجل غير مسمي.
يقول الدبلوماسي الإيراني السابق، لـ”ساسة بوست”: “أسعار النفط المرتفعة بسبب الأزمة الأوكرانية، تجعل الأمل كبيرًا في إيران، فلو جرى التوصل إلى صفقة لأحياء الاتفاق النووي، ورفع العقوبات المفروضة ضدها، فإن إيران ستعود بسرعة إلى الأسواق العالمية النفطية، وتتمكن من تصدير نفطها؛ مما يجلب المنفعة للجميع، ستنخفض أسعار النفط، مما يخفف الضغط على الولايات المتحدة، ويعود الاقتصاد الإيراني للتعافي مرة أخرى بعد سنوات من العقوبات”.
الخيار الثاني والفوائد المترتبة عليه يزيد من الحافز لدي إيران والولايات المتحدة لإتمام إحياء الاتفاق النووي، إلى أنه يعد عاملًا سلبيًا بالنسبة لمصالح روسيا الإستراتيجية في توترها المتزايد مع الغرب، هذا العامل من الممكن أن يدفع روسيا لتخريب محادثات فيينا بشكل أكثر عنفًا وعنادًا.
طهران وإعلاء المصلحة الوطنية
بعد إعلان جوزيب بوريل، مسئول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والمنسق لمفاوضات فيينا، عن توقف المحادثات بسبب العوامل الخارجية قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لوسائل إعلام إيرانية: إن “إيران لن تسمح لأي عامل خارجي بالتأثير على المصالح الوطنية لرفع العقوبات”، كما كرر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده نفس التصريح قائلًا “لن يؤثر أي عامل خارجي على إرادتنا المشتركة للمضي قدمًا في اتفاق جماعي”، معربًا عن أمله في أن يكون التوقف المؤقت فرصة لحل أية قضية متبقية، والعودة النهائية للصفقة.
فهل يمكن أن تفاجئ الجمهورية الإسلامية الجميع باختيارها إعلاء مصالحها الوطنية، والتخلي عن موسكو في مفاوضات فيينا؟
هل ستكون الحرب على أوكرانيا هي بداية النهاية لحكم بوتين؟ أبرز 8 أحداث عالمية ربما فاتتك خلال الانشغال بالحرب الروسية الأوكرانية
لا يمكن طرح إجابة محددة لهذا التساؤل على الأقل في الوقت الحالي، لكن الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها الجمهورية الإسلامية منذ سنوات، والتي زادت بسرعة خلال الأعوام الأربعة الماضية، يجعل من إحياء الاتفاق النووي حلًا سحريًا لأغلب المشاكل الاقتصادية في إيران، خاصة في هذا التوقيت، الذي سينقذ فيه النفط الإيراني العالم من ارتفاع أسعار النفط.
يري الباحث السياسي الإصلاحي، صادق زيبا كلام، في مقالها المنشور في صحيفة “آرمان ملى” الإصلاحية، إنه إذا وافقت إيران على توقيع الاتفاق النووي دون موسكو، فستتخذ خطوة كبيرة لإخراج البلاد من المشاكل التي تواجهها، وأضاف قائلًا في مقاله “إذا لم توقع إيران الاتفاق النووي بسبب روسيا، فستبقى مع روسيا، ولكن ماذا ستفعل مع الكوارث الاقتصادية واستمرار العقوبات؟”.
وعلى ما يبدو أن طهران تحاول المناورة والوصول إلى حل وسط، مع روسيا، ففي مساء يوم 14 مارس 2022، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، سيزور موسكو يوم الثلاثاء 15 مارس 2022، لبحث التطورات المتعلقة بالمفاوضات النووية في فيينا، الهادفة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، بعد أيام من توقفها على خلفية المطالب الروسية.