الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بعد صفقة الكيماوي ...سيادة سوريّا لتحالف عصابات محليّة إقليميّة

بعد صفقة الكيماوي ...سيادة سوريّا لتحالف عصابات محليّة إقليميّة

23.09.2013
علي جازو


المستقبل
الاحد 23 /9/2013
باتت سوريا، بثورتها المغدورة، بعد صفقة الكيماوي الروسية، الأميركية، التي تحدّ من همجية النظام السوري دون أن تلجمها، وتظهر في الوقت نفسه المعارضة السورية ضعيفة وراضخة كالنظام، بلا فاعلية حاسمة لا عسكرياً ولا سياسياً، باتت تحت رحمة ميليشيات متحاربة، تشكل كتائب الأسد وعصاباته إحدى قواها الأساسية. هذا الأمر بالغ السوء، وسيقود الوضع السوري المتهالك أساساً إلى مزيد من الدمار الذاتي والتفكك المجتمعي والانحلال الوطني البطيء. وليس غريباً أن يمتد عمر النظام بعد إضعافه لسنوات طويلة، حاله كحال نظام صدام حسين بعد إخراجه من الكويت، مادام في حوزته وتحت تصرفه أشباهاً ومناصرين وقتلة وعصابات تقوم بما يقوم به، وإنْ على درجات أخف، وفي مناطق محددة.
ربما تصلح المناطق الكوردية السورية، وجولات معاركها الأخيرة وما رافقها مؤخراً من نزوح كثيف لعشرات آلاف الكورد السوريين إلى كردستان العراق، كمختبر أسود لهذه الحالة المعقدة، وفي الوقت نفسه، كجزء طرفيّ شديد الحساسية الإقليمية والاقتصادية (حقول النفط والغاز) ينحدر نحو مزيد من التفكك والعنف الأعمى. هي إذن حالة حرب مستمرة ومن مصلحة جميع المشتركين في إشعالها بقاؤها مشتعلة ومديدة لتحصد مزيداً من القتلى والفوضى، وتحقق في المحصّلة ما توعّد به الأسد السوريين: "الأسد أو نحرق البلد".
هناك، على طول الحدود التركية السورية حيث أغلبية السكان من الكورد، تشترك قوات حماية الشعب الكردي السوري التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (Pyd) وكتائب النصرة الجهادية وداعش الجاهلية وأحرار الشام الإسلاموية المتطرفة، وعصابات الأسد "الأبديّ" قاهر الإمبريالية العالمية وخادم أعدائها الخمينيين وأتباعه، في سلوك واحد، لكنْ بأقنعة "دفاعية نضالية" مختلفة.
ففي الوقت الذي يدافع "الأوجلانيون" نسبة الى عبد الله أوجلان عن زعيمهم قبل دفاعهم عن الكرد السوريين، مهددينهم إنْ مسّوا شرف الكورد بسوء، والشرف هذا يختصر بالقائد "آبو"، وتدافع النصرة وسواها عن راية الله؛ تلك التي لا تعرف حدوداً للزمان والمكان وتستبيح كل فعل، ويستبسل الأسد خير استبسال في دفاعه عن حكم العائلة التي هي وسوريا، كلّ سوريا، سواءٌ بسواء، يلتقي المدافعون الطغاة، كباراً وصغاراً، جهاراً نهاراً، في الحيّز الطاحن لجريمة واحدة مستمرة. كل هؤلاء قتلوا ويقتلون دعاة سلمية الثورة ومدنية الدولة، التي كانت شعار الثورة الأساسي. كلهم خطفوا الإعلاميين واعتقلوا المناوئين والأطباء والمسعفين وقاموا بتعذيبهم أو طلب الفدية للإفراج عنهم، هذا إن لم يموتوا تحت التعذيب. كلهم منعوا وصول الإغاثة والمساعدات إلى النازحين والمحتاجين. إن ما يقوم به أنصار أوجلان ضد الكورد السوريين يماثل ما تقوم به جماعات داعش والنصرة ضد العرب (المسلمين)، ويكفي ما يحدث في الرقة دليلاً على سلوكهم الاستبدادي. كلا النصيرين الطارئين، داعش والنصرة من جهة، وأنصار أوجلان من جهة أخرى، على دعاواهم التي تتجاوز حدود سوريا، حالهم كحال البعثَين العظيمين (بعث صدام حسين وحافظ الاسد)، يخدمان حملة النظام وترويجه الأكاذيب حول وقوفه في وجه إرهابيين وحؤوله دون تقسيم سوريا وخسارتها سيادتها "الأسدية". وما ظاهر حروبهم، المتنقلة والمستأنفة بين الحين والآخر، ضد بعضهم البعض سوى طريقة تعزز من ادعائهم الكاذب وقوف كل طرف مع شعبـ (ه) والدفاع عن حقه في الحياة والعيش بحرية وكرامة تليق بالكائن الإنساني. فالحقيقة التي تضرب العين، والتي يغافل الجميع، ربما، عن ذكرها أن استمرار العنف وحلّ الجريمة بجريمة محّلها، ومحو المجزرة بمجزرة ما هو سوى أسلوب يتيح للفرقاء الثلاثة بقاءهم على قلب الشعب وخنقهم إيّاه. يذكر شهود من محافظة الحسكة كيف نقل الجهاديون، أعداء نظام الأسد، عناصر من الأمن العسكري التابع للنظام السوري إلى مركز المحافظة بُعيد دخولهم المظفّر حقل الشدّادة النفطي جنوب المدينة ونهبهم محتوياته، ناهيك عن صفقات بيع النفط والغاز المشتركة. إلى ذلك، فإن كثيراً من المواقع العسكرية قد تم تسليمها إلى الكتائب الجهادية من قبل النظام من دون نقطة دم واحدة، وهكذا كانت حال السماح لأنصار أوجلان بإحكام قبضتهم على المناطق الكوردية السورية، وفصلهم حركتها الثورية السلمية عن عموم الثورة السورية.
حوداث كهذه، وأشباهها كثيرة، لا تترك مجالاً للشك في تحالف عصاباتي يجمع أعداء الظاهر إلى صداقات الباطن العميقة والسريّة. وإذ تدور معارك عنيفة بين عناصر حماية الشعب الكوردي والجهاديين في مدينة رأس العين ومحيطها أكثر من مرة، وتتسع لتشمل عموم الريف الكردي السوري، المحاصَر والمخنوق بسبب سلوك الحزب الإرهابي الحامي والمكلف نفسه توحيد وتأسيس كردستان الكبرى تحت زعامة الأب القائد عبد الله أوجلان، ويفر عشرات الآلاف من الكرد المدنيين إلى كردستان العراق وكردستان تركيا، ويزفّ شبيحة الحزب الأوجلاني الستاليني شهداء الشعب المحاصر بسياساته إلى الشعب الهارب من جحيم حكمه الطغياني، لا يخطر ببال أحد أن هؤلاء إنما يتقاتلون على مسافات غير بعيدة عن مراكز أمنية وعسكرية للنظام في مدينتي قامشلي والحسكة. وإذا كان تخويف الكورد من العرب والعرب من الكورد مدار سياسة الأسد الأب وابنه من بعده، فإن سلوك المتطرفين الإسلاميين دخلوا من تحت أنف أردوغان صديق الشعب السوري غير بعيدين عن محطات باتريوت الشمال أطلسية- والكرد المناضلين على النهج الأوجلاني الحديدي، كأعداء ظرفيّين ومؤقتين، ومراقبة الأسد الحليمة السعيدة لأدائهم المتعاون الرائع، إنما بلغ ذروة عبقريات النظام وفنونه التكتيكية في ضرب الجميع بالجميع. وفي تاريخ الحروب اللبنانية اللبنانية والسورية اللبنانية، أيام الحقبة الأسدية وأحزابها وجماعاتها وأمراء حروبها، ما يشهد على أرشيف غني من هذا النمط الطليعي الناجح. وإذا كانت كل منطقة من مناطق سوريا، التي باتت بحكم المنفصلة، تشهد انقسامها العرقي والطائفي الخاص، على نحو عنيف، بات جمع المناطق هذه وإعادة ربطها بحكم مركزي، ولحمها بالرابط الوطني أمراً شبه مستحيل. لكن غير المعلن من هذه الحال يتمحور حول ما إذا كان السوريون بحق يحلمون بوطن واحد؟ ذلك أن ما جمعهم بداية الحلم لم يصمد في نهاية الكابوس، وذلك إنما نتيجة أن الجمع المبدئي إنما بني على ضعف أصلي وتصور آلي، وإن النهاية الخائبة هي إظهار آخر لأصل فاعل وحيوي. وليس التشاؤم دافع الوصول إلى هكذا نتائج، إنما الواقع الفعلي لما سارت وتسير عليه مأساة السوريين المتفاقمة.
لا يجدر القول فقط إن الغرب "عديم الأخلاق" قد تخلى عنا نحن السوريين، في الوقت الذي تخلت فيه أحزابنا عن مبادئ الثورة الشعبية وتبادلت الخصومات، حتى باتت رهينة سياسات دول تحالفات آخر همّها الشعب السوريّ، مما لو حصل حقيقةً واهتم "أصدقاء الشعب السوري" بمصلحة السوريين كشعب خرج غالبيته، على نحو سلميّ ضد النظام، وليس كأقليات وطوائف على ما يصف العقل الغربي الشعوب "الأدنى إنسانية" ويصنفها، وعلى ما يتبجح به الروس عن حمايتهم للاقليات وخوفهم على مصيرهم، لوضعوا حداً لمأساة تجاوزت أثارُها كلّ الحدود والموانع، وحالت الأقليات والأغلبيات سجوناً لسياسة عنف عدمية، يبقى مسؤولها الأول وسببها الرئيس النظام السوري.