الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بعد مجزرة الغوطة: هل يصحو الضمير العالمي؟

بعد مجزرة الغوطة: هل يصحو الضمير العالمي؟

24.08.2013
فايز سارة

المستقبل
السبت 24/8/2013
ليست المرة الاولى التي ينفذ فيها نظام القتل والتدمير مجزرة ضد السوريين وبصورة خاصة في منطقة الغوطة، وهي لن تكون الاخيرة في مسيرة نظام اختار طريق القتل والدمار من اجل بقاء سيطرته على سوريا والسوريين، بل ان المجازر سوف تتكرر، طالما بقي النظام، وقد اختار طريق العنف والدم والدمار طريقاً له منذ انطلاق ثورة السوريين في ربيع العام 2011.
الشيء الخاص في مجزرة الغوطة، انها كانت اكبر هجمة بالسلاح الكيماوي ينفذها، وقد تكررت هجماته عشرات المرات في ريف دمشق وحمص وحلب ومناطق اخرى لاسباب تتعلق بانهيار قواته امام قوات المعارضة المسلحة او لاسباب انتقامية، وكلاهما حاضر في اسباب الهجمة الكيماوية الاخيرة على الغوطة، التي مازالت تقاوم سياسياً وعسكرياً في خاصرة النظام قرب دمشق، فكانت هجمته الدموية التي اوقعت آلاف الضحايا العزل بين شهيد ومصاب اغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ.
والامر الآخر في خصوصية مجزرة الغوطة، انها ترافقت مع زيارة لجنة التحقيق الدولية للتحقيق في استخدام الاسلحة الكيماوية لسوريا، حيث يحاول النظام الاستفادة من الالتباسات التي تحيط بتشكيلها، ومهمتها وبرنامجها العملي الذي بدأ من خان العسل بدل دمشق، وهي حيثيات حولت الملف الكيماوي للنظام الى مهزلة دولية، بدل ان تكون بوابة لمحاسبة النظام. اذا هي تتبنى خريطة مشوهة للاستخدام الكيماوي، وتحمل في اساس تشكيلها احتمال ان النظام ليس وحيداً في استخدام الاسلحة الكيماوية، بل ان اوساطاً داخلها تعتقد ان النظام، لم يستخدم السلاح الكيماوي، واللجنة تتجاوز في تقديراتها، كل التأكيدات الدولية باستخدام النظام الكيماوي مرات باعترافات بريطانية وفرنسية واميركية على الاقل.
ان نظرة النظام لمحتويات جريمته في الغوطة، لاتختلف عما قام به من جرائم مماثلة، وانه لن يكون لها نتائج سلبية على الصعيد الدولي. وهذه النظرة يمكن ان تصير حقيقة واقعة، ان لم يحدث تحول في الموقف الدولي ورأيه العام من سياسة وممارسات النظام الدموية واستخدام الكيماوي لقتل السوريين، وهو تبدل ينبغي ان يكون جاداً وقوياً في الوقت نفسه، بحيث لايمنع النظام من استخدام الاسلحة الكيماوية فقط، بل يوقف حربه بالاسلحة التقليدية ايضاً ويوفر حماية أمنة، وطرق عبور لمساعدات انسانية حرة الى سوريا والى المناطق المحاصرة والمعزولة بشكل خاص.
ورغم ان ردود الفعل الاولى التي اظهرها المجتمع الدولي، تعكس اهتماماً ملموساً بما جرى من حيث ادانة المجزرة، والمطالبة بالتحقيق فيها، وتوعد الجناة بالمحاسبة والعقاب وبدعوة مجلس الامن الدولي للانعقاد، والطلب الى لجنة التحقيق الدولية حول السلاح بالتوجه الى الغوطة لممارسة عملها هناك والطلب للنظام في سوريا التعاون مع اللجنة، فان ماسبق لايكفي، وقد لايتمخض عن نتائج عملية وجدية تفيد السوريين وتمنع نظامهم من متابعة القتل والتدمير بمافيه القتل بالاسلحة الكيماوية، مما يتطلب تحركاً جدياً وفاعلاً من جانب السوريين على تعددهم وتنوعهم ومن جانب اصدقائهم وحلفائهم في المعركة ضد النظام.
ان الاساس في التحرك المطلوب ينبغي، ان يركز على ثلاثة نقاط محورية، اول هذه النقاط، ابراز الجانب الاجرامي في سلوك النظام وممارساته منذ بدء الثورة، والتي كان من نتائجها حدوث كارثة انسانية، لم يحدث مثلها بعد الحرب العالمية الثانية، كارثة مازالت نتائجها الى تزايد وفيها نحو مليون قتيل وجريح ومفقود، ونحو عشرة ملايين هجروا بيوتهم بينهم نحو خمسة ملايين غادروا البلاد، واغلبهم صاروا لاجئين في دول الجوار السوري، اضافة الى تدمير واسع للممتلكات العامة والخاصة وموارد عيش السوريين.
والنقطة الثانية، التركيز على ان سياسات وممارسات نظام القتل والتدمير، لم تكن تستمر وتتصاعد لولا دعم ومساندة سياسية واقتصادية وعسكرية، يحصل عليها من دول بينها روسيا وايران، وقد ذهبت الاخيرة الى الابعد في دعمها النظام، بان ارسلت جنوداً وخبرات عليا لدعم النظام ودفعت بادواتها المليشوية في لبنان والعراق وغيرهما للقتال الى جانب قوات النظام على نحو ما يقوم به حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية ومرتزقة متعددي الهويات في سوريا.
ولاشك ان من المهم، قول ان سياسات وممارسات النظام ما كان لها ان تستمر، لولا تساهل تبديه دول اخرى (وبينها دول تصنف نفسها في عداد اصدقاء الشعب السوري) حيال سياسته انطلاقاً من مصالحها، او تجنباً لتحمل مسؤولياتها حيال جرائم النظام.
والنقطة المحورية الثالثة، هي الدفع نحو خطوات واجراءات عملية لتفعيل المجتمع الدولي وهيئاته باتجاه القيام دعوة مجلس الامن الدولي للانعقاد واتخاذ قرار بوقف العلميات العسكرية للنظام بمافيها استخدام الاسلحة الكيماوية ضد السوريين تحت البند السابع، وتامين حماية دولية للسوريين وفرض منطقة حظر جوي، وتوفير دعم ومساعدة مادية جدية لاغاثة السوريين ومساعدتهم على تجاوز الكارثة الانسانية التي اوصلهم اليها النظام، وفتح ممرات آمنة لوصول الاغائة والمساعدات الانسانية الى المناطق المحاصرة وبخاصة في ريف دمشق والغوطة وحمص، والضغط الجدي على الدول التي تقدم مساعدات عسكرية واستخبارية واقتصادية وبشرية للنظام وممارساته في القتل والتدمير وبخاصة روسيا وايران والعراق، اضافة الى ادانة الوجود العسكري الايراني وقوات حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية وقوات المرتزقة التي تقاتل مع النظام، واجبارها على الخروج من سوريا.
ان ثمة مسؤولية سياسية واخلاقية للمجتمع الدولي بهيئاته ومنظماته ورأيه العام ودوله كلها في مواجهة مايقوم به النظام ضد السوريين، والعمل على وقف سياسته وممارساته، ومايقوم به حلفاؤه وانصاره من دور، وهذا مايمكن بالفعل ان يمثل صحوة جدية للضمير الانساني من سباته العميق حيال الكارثة السورية.