الرئيسة \  مشاركات  \  بعد 60 عاما من الاضطهاد.. هل يفرط إخوان مصر بالشرعية التي حصلوا عليها!

بعد 60 عاما من الاضطهاد.. هل يفرط إخوان مصر بالشرعية التي حصلوا عليها!

14.08.2013
الطاهر إبراهيم



اغتيل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام "حسن البنا" عام 1949، بتواطؤ من القصر الملكي. كان يُعتقد أن قتله سينهي وجود الجماعة أو يضعفها كثيرا. لكن الإخوان أعادوا تنظيم  صفوفهم وضاعفوا قوتهم. وعندما قامت حركة الضباط الأحرار بقيادة "جمال عبد الناصر"، عام 1952 اضطر للتنسيق مع الإخوان بعد أن رأى أنهم يملكون الشارع المصري. يتظاهر 100ألف في شوارع القاهرة، ويعجز البوليس المصري عن تفريقهم، فلا يجد عبد الناصر بدا  من الاتصال بالإخوان لتهدئة الجمهور الغاضب، فيطلب هؤلاء من قائد المظاهرة "عبد القادر عودة"، فيعطى هذا إشارة التفرق الجماهير، فتصبح الشوارع خالية خلال دقائق.  
وحسب رواية الإخوان، دبر أعوان عبد الناصر مؤامرة إطلاق الرصاص عليه وهو يخطب في ميدان "المنشية" عام 1954، فيُتهم الإخوان، ويعدم منهم ستة، كان منهم الفقيه الدستوري عبد القادر عودة. كما أُدخِل عشرات الآلاف إلى المعتقلات كان منهم المرشد الثاني المستشار "حسن الهضيبي". وقبل أن تنتهي مدد الأحكام وُجّهت تهمة التآمر عام 1965 للمفكر "سيد قطب" وأعدِم مع ثلاثة آخرين، وأدخل الآلاف من الجيل الثاني الإخواني إلى المعتقلات.
بقي الآلاف من الإخوان في السجون ما يقرب من 20 عاما، حتى أطلقهم السادات بعد سنتين من موت عبد الناصر. قيل في حينها أن السادات فعل ذلك ليضعف "مراكز القوى" وهم بقايا رجال عبد الناصر. لكن السادات ما لبث أن اختلف مع الإخوان ومعظم قادة الرأي في مصر، فاعتقل الكثيرين منهم، ليطلقوا بعد اغتياله بحادثة المنصة عام 1981.  
 مع بداية هذا القرن، ومع الإشاعات التي كانت تغزو الساحة المصرية حول توريث "حسني مبارك" الحكمَ لابنه جمال، كانت الإشاعات تتحدث عن صفقات تعقد، وأن الإخوان المسلمين، وهم أكبر قوة منظمة في مصر، لا يمانعون في توريث جمال مبارك مقابل مكتسبات هامشية.
عندما تمت تنحية الرئيس حسني مبارك عن السلطة في11 شباط عام 2011، واستلم المجلس العسكري الأعلى إدارة شئون مصر، بدأ خصوم الإخوان يبثون الشائعات عن اتفاقات متبادلة من تحت الطاولة بين المجلس العسكري الأعلى وبين الإخوان المسلمين.
مع أن "محمد البرادعي" كان من أشد خصوم الإخوان عليهم، سمعنا بعض الإعلاميين الذين قيل إنهم يلوذون بالفريق السيسي، يشنون هجوما لاذعا على "البرادعي"، لأنه رفض استعمال القوة المتوحشة في فض الاعتصامات. أحد هؤلاء المغردين في كل بستان زعم أن البرادعي ينسق مع الإخوان، مع أن البرادعي أكد في مؤتمر جمعه مع "كاترين اشتون" ممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، أن  مرسي لن يكون جزءا من خارطة الطريق.
هذا الاستعراض السريع للمناخ الذي عاشه الإخوان المسلمون منذ اغتيال مرشدهم حسن البنا عام 1949،وعلى مدى ستة عقود كانوا يُتهمون بشتى الاتهامات: بأنهم إرهابيون وأنهم أعداء للديمقراطية وأنهم يستحلون دماء الأقباط و..و.. وكل ذلك كان تمهيدا لحرمانهم من الحكم فيما لو وصلوا إليه، ولو كان ذلك بشكل ديمقراطي، عن طريق صناديق الاقتراع.
وهذا ما حصل بالضبط عقب ثورة 25 "يناير" 2011، حيث استطاع الإخوان، من خلال الآليات الديمقراطية، أن يحصلوا على الأكثرية في مجلسي النواب والشورى، ونجح مرشحهم "محمد مرسي" في السباق إلى الرئاسة أمام أحمد شفيق، ليفاجأ الإخوان بأن الحرس القديم من الليبراليين والقوميين واليساريين يرفضون نتائج صناديق الاقتراع. كان أكثر هؤلاء في خندق واحد مع الإخوان المسلمين يطالبون نظام مبارك بالديمقراطية والحرية والاحتكام لصناديق الاقتراع الشفافة في حكم مصر. لكن هؤلاء بدؤوا بالكيد للإخوان منذ اليوم الأول الذي أعلنت فيه نتائج الانتخابات في كل من مجلسي الشعب والشورى، وباقي القصة معروفة.
وبجردة سريعة للمآخذ التي أخذها هؤلاء على ما تم في عهد مرسي في سنة واحدة، ماذا نجد؟ قالوا إن الرئيس محمد مرسي لجأ إلى "أخونة" السلطة.
أين هي الأخونة إذن؟ وأهم وزارتين في عهد مرسي وهما وزارتا الدفاع والداخلية، كانتا في عهدة قائد الانقلاب "السيسي" ووزير الداخلية "محمد إبراهيم" وهما أشد خصوم الإخوان؟
فإن قيل إن الفريق السيسي عزل الرئيس مرسي وحل مجلس الشورى وعطل الدستور، فعل ذلك استجابة لمظاهرات شعبية قامت يوم 30 حزيران، حيث احتشد أكثر من 30 مليونا من المصريين، وكلهم يعترضون على بقاء محمد مرسي رئيسا! قلنا إن هذا لعمر الله ادعاء باطل. فقد قام خبراء في علم المساحة بحصر مساحة ميادين القاهرة وامتداداتها التي تظاهر بها المحتجون، استعانوا ب"جوجل"، وتوصلوا إلى أن أقصى مساحة لهذه الميادين هي200 ألف متر مربع في القاهرة لوحدها. وعلى فرض أن المتر المربع الواحد يقف عليه أربع متظاهرين ، يكون أقصى عدد للمتظاهرين في القاهرة هو 800 ألف متظاهر. ولأن سكان القاهرة خُمْس سكان مصر، فإن أقصى حمولة مفترضة هي4 ملايين متظاهر في مصر كلها. وعلى "تمرد" و"الإنقاذ" أن يخبرونا على أي أرض تظاهر ال 26 مليونا الباقون؟
لن أسترسل أكثر في إيراد حجج كل طرف والردود عليها، لأني أعتقد أن الاتهامات إنما جاء بها خصوم الإخوان للتعمية على السبب الرئيس وهو شطب الديمقراطية والدستور،أي دستور كان. فخصوم مرسي اعتبروا الدستور المستفتى عليه معيبا. يبقى أن هذه ليست القضية. فأي دستور إذا طبق بشكل صحيح سوف يجعل اختيار النواب والرئيس يتم عبر صناديق الاقتراع، والإسلاميون هم الأكثر شعبية بين كل التيارات في الشارع المصري، وسينجح الإسلاميون.
لكن ما هو موقف الإخوان مما حصل في مصر؟
يعتقد الإخوان أن الثقافة التي تعايش معها العسكر بعيدة كل البعد عن الدستور والديمقراطية. وأن العودة إلى الحكم المدني انطلاقا مما حصل، وبأي دستور كان، لن تعمر طويلا.
بسؤال من الكاتب "محمد العربي زيتون"، أعاد "خالد بن عبد القادر عودة"، للأذهان ما وقع فيه الإخوان من خطأ عام 1954، عندما رضي والده "عبد القادر عودة" بصرف المتظاهرين من الشارع. فلم تمض إلا أيام قلائل حتى ساقهم عبد الناصر إلى أعواد المشانق وغياهب السجون. وبناء عليه فإن العارفين ببواطن الأمور من قادة الإخوان الآن، يؤكدون أنه في اليوم التالي لانفضاض المتظاهرين من ميداني النهضة ورابعة العدوية، فإن السجون ستمتلئ بهم.
وإذا كان القول بأن الإخوان خسروا المعركة بعزل محمد مرسي، فإن الاعتصام ورفض حكم العسكر لن يزيدهم خسارة.
هذا لا يعني أن الإخوان سوف يحتكمون إلى السلاح. فقد عاشوا 60 عاما كانوا يخرجون من معتقل ليدخلوا آخر، ولم يرفعوا سلاحا. ما جعل جماعتا الجهاد والجماعة الإسلامية تنفضان عنهم بسبب رفض الإخوان رفع السلاح في وجه الحكومات الاستبدادية المتعاقبة من عهد عبد الناصر إلى آخر عهد حسني مبارك. الإخوان يراهنون على أن اليوم هو غير الأمس. فقد ذاق الشعب المصري طعم الحرية. وهو مستعد للتضحية، وغير مستعد للعودة للوراء.
أخيرا إن منتقدي السياسة الأمريكية، وبصورة أقل السياسة الأوروبية، لا يجدون صعوبة في العثور على مواقف منحازة في تلك السياسات تجاه ما يحصل في مصر. لأن تلك السياسات سكتت عن تسمية ما حدث في3 تموز 2013 باسمه الصحيح وهو أنه انقلاب. عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي "جون مكين"و"ليندسي غراهام" قالاها بصريح العبارة: "الذين تم انتخابهم عبر الصناديق هم الآن في السجون، والحكام هم غير منتخبين، وأن ما حصل هو انقلاب مكتمل الأركان"، وقد تركا إدارة "أوباما" وتقول غير ذلك. فإذا اضطرت هذه الإدارة للتنديد بجرائم القتل التي حصلت أمام الحرس الجمهوري وفي المظاهرة النسائية أو بحادثة المنصة، فإن هذه الإدارة كانت توجه الاتهام للقاتل والضحية على حد سواء. رئيس البرلمان الأوروبي "مارتن شولتز" وصف ما حدث في مصر بأنه انقلاب عسكري، معترفًا بخذلان أوروبا لثورة الربيع العربي، وقطعها المساعدات عن مرسي.
*كاتب سوري