الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "بلا جدوى"!

"بلا جدوى"!

30.05.2013
محمد أبو رمان

الغد الاردنية
الخميس 30/5/2013
أصبح المشهد السوري بحدّ ذاته عبئاً كبيراً على المطالبين بالإصلاح، ويدفع المواطنين المرعوبين من الفوضى والدماء والقتل المجّاني والتشريد وفقدان الأمن، إلى الحدّ من سقف طموحاتهم وتوقعاتهم، والقبول بالوضع الراهن، تجنّباً لأي سيناريو شبيه بما يحدث في الشمال.
تعزّز ذلك حالة التخبط والاستقطاب السياسي الحادّ، وتراجع المؤشّرات الاقتصادية في بعض دول الربيع الديمقراطي العربي تحت حكم الإسلاميين، والفوضى الأمنية في دول أخرى، وشبح التقسيم والتشظّي الطائفي الذي بدأ يلوح في المنطقة على وقع صعود الصراع السني-الشيعي، من لبنان إلى سورية إلى العراق، والحديث عن مناطق علوية وكردية وسنيّة. أمّا على الصعيد الداخلي، فثمة تراجع ملحوظ في سقف الحراك، جرّاء انعكاس التحولات الإقليمية عليه، وما أحدثته الوقائع السورية من انقسام حاد في الأوساط السياسية، المعارضة تحديداً، وتباين شعارات وأولويات الحراك نفسه، وفوق هذا وذاك ضعف الحراك ومحدوديته، مقارنةً بالحالة الشعبية في دول عربية أخرى.
يضاف إلى هذا وذاك تراجع الضغوط والمطالب الأميركية والغربية الموجهة إلى "مطبخ القرار" بإصلاحات جديّة أكبر، تحت وطأة انشغال الغرب بالأزمة السورية من جهة، وعدم الارتياح لتجربة الإسلاميين في الحكم إلى الآن، من جهة أخرى.
تفاعلت هذه المتغيرات معاً لتعزّز من قناعة في أوساط القرار الرسمي (في عمان) بأنّ قضية الإصلاح السياسي لم تعد تتصدر الأولوية والأجندة الداخلية، ولا الدولية نحو الأردن، وأنّ ما تمّ إلى الآن من تعديلات دستورية وإصلاحات سياسية محدودة يكفي. بل يذهب هذا الرأي إلى اختزال الأزمة الداخلية في بعدها الاقتصادي فقط، بوصفها مشكلة بطالة وفقر وحرمان اجتماعي، وأزمة مالية خانقة، وعدم قدرة شريحة اجتماعية عريضة على التكيّف مع مشروع الخصخصة من جهة، والإصلاحات الهيكلية من جهة أخرى!
في النتيجة، يذهب هذا "القول الرسمي" إلى التقليل من أهمية الإصلاح السياسي وضرورته، وعدم جدواه، والتركيز على محاولة حل المشكلة المالية والاقتصادية فقط.
خطورة مثل هذه القناعات الخاطئة أنّها تنبني على أجزاء هشّة من الحقائق، أو على قراءة مجتزأة ومجحفة للواقع الداخلي والإقليمي، وتتجاهل ثلاث حقائق رئيسة:
الأولى، أنّ مثل هذه التطوّرات الإقليمية في المنطقة، ومخاطر الفوضى والحرب الأهلية والتقسيم والتشظّي، تتطلب في مواجهتها "جبهة داخلية" صلبة متماسكة، تستند إلى عملية سياسية تتوافر على قدر كبير من الشرعية الدستورية والقانونية، والتوافقات الوطنية. بغير ذلك، فإنّ "الداخل" سيبقى هشّاً أمام تحديات هذه المرحلة.
الثانية، أنّ مواجهة الأزمة الاقتصادية غير ممكنة بدون إصلاح سياسي جوهري، يسمح بتمثيل شرائح المجتمع المختلفة، ويضع المعارضة، بألوانها وأحجامها المختلفة، تحت قبة البرلمان، ويمنح القرارات السياسية والاقتصادية شرعية حقيقية، بعيداً عن لعبة التخمين والتوقعات والقلق الكبير الذي يصيب الدولة والمؤسسات عند التفكير في اتخاذ أي قرار اقتصادي، خشية من ردود الفعل الشعبية، كما يحدث حالياً.
الثالثة، وهي الأكثر أهمية وتكفي وحدها لتبرير الإصلاح السياسي ومنحه الأولوية، فتتمثّل في اهتراء الأدوات التقليدية والصيغة الحالية في إدارة الدولة. وهو ما برز بوضوح في انتشار العنف الجامعي والمجتمعي، وانهيار منظومة القيم الوطنية والسلطة الأخلاقية للدولة، والفجوة الكبيرة بين المؤسسات الرسمية والشارع. فكل ذلك يدعو إلى ضرورة تجديد العقد الاجتماعي وتطوير العملية السياسية بصورة كبيرة، والتوافق على أجندة المرحلة الجديدة، في تعريف التحديات واستراتيجيات مواجهتها.
يختزل أحد السياسيين المخضرمين جوهر التحولات في الاجتماع السياسي الأردني بالقول: "الولاء سابقاً كان بالطاعة، أمّا اليوم فأصبح بالقناعة"؛ فلم تعد الطريقة القديمة آمنة للعبور إلى المستقبل!
المطلوب اليوم مبادرة جديدة لاستعادة التوافق الوطني، تقوم على فتح الباب لتغيير قانون الانتخاب الحالي (أساس البلاء)، واستكمال التعديلات الدستورية، وصولاً إلى عملية سياسية يشارك فيها الجميع، تقوم على الآليات الديمقراطية والتعددية الحقيقية.