الرئيسة \  تقارير  \  بلومبرغ  : لماذا يعجز بايدن عن إدراك سبب مشكلات أميركا؟!

بلومبرغ  : لماذا يعجز بايدن عن إدراك سبب مشكلات أميركا؟!

14.09.2022
كليف كروك


كليف كروك
الشرق الاوسط
الثلاثاء 13/9/2022
كان الرئيس جو بايدن محقاً في قوله إن الديمقراطية الأميركية مهددة. إلا أنه للأسف، لا يدرك على ما يبدو سبب هذا التهديد، أو ما ينبغي فعله حياله.
في الحقيقة، جاء خطاب الرئيس الذي ألقاه في وقت الذروة، مؤخراً، حاملاً للسمات النمطية التي باتت تميز أداء بايدن، التكرار، وشدة الأداء على نحو مسرحي، في ظل عدم وجود محتوى تقريباً، لكن على الأقل تبقى من محاسن هذا الخطاب أنه كان قصيراً.
ولكي نكون منصفين، علينا الإقرار بأن بايدن عدل خط هجومه الأخير على خصومه، ورفض وصفهم بـ”شبه الفاشيين”، وأشار بلطف إلى أنه ليس كل الجمهوريين (“ولا حتى غالبية الجمهوريين”) يناصبون الديمقراطية العداء. وذكر بايدن أن التهديد الذي يواجه البلاد يتحمل مسؤوليته الجمهوريون من حركة “اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، وهي مجموعة صغيرة، لكنها ليست تلك التي وصفها. وإذا كان بايدن يعني بحديثه أولئك الذين يقولون إنهم سيختارون دونالد ترمب بديلاً لبايدن عام 2024، فإن هؤلاء يشكلون تقريباً نصف البلاد.
في الواقع، يتفق معظم أبناء البلاد، من الديمقراطيين والجمهوريين على حدٍ سواء، مع بايدن على أن المشروع الأميركي ينحرف عن مساره. بيد أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن أحداً على الصعيد السياسي ـ لا بايدن ولا ترمب ولا حلفاؤهم أو مؤيدوهم ولا حتى منافسوهم المرئيون ـ يأبه كثيراً لفكرة استعادة حكومة ديمقراطية توافقية بقدر ما يهتم بسحق الجانب الآخر.
واللافت هنا أن أهم الأصول الانتخابية لدى الديمقراطيين ليس بايدن، وإنما ترمب، تماماً مثلما أن أهم أصول الجمهوريين الانتخابية ليس ترمب، وإنما بايدن. وعليه نجد أن كل الطاقة المستعرة داخل الحقل السياسي الأميركي الآن لا تنبع من التنافس بين الأهداف والطموحات، وإنما من مشاعر الاشمئزاز والكراهية تجاه الطرف الآخر.
وعليه، فإن الضوابط والتوازنات التي تهدف إلى التوصل إلى حلول وسط تتعرض هي الأخرى للهجوم. والواضح أن المسار الحالي لا يشبه المسارات السياسية المعتادة، وسيؤدي حتماً بنا إلى كارثة.
من جهته، وصل الغرور بترمب درجة جعلته لا يرى أدنى معضلة في هذا الوضع. بدلاً من ذلك، يسعى لوضع كل شيء في خدمة غروره. ولولا تدخلاته، لكان الجمهوريون يسيطرون حالياً على مجلس الشيوخ. ويعمد ترمب إلى دعم المرشحين الضعفاء في انتخابات التجديد النصفي، سعياً منه لإرضاء شعوره بأهميته. ولا يجد غضاضة في أن يوجه حزبه نحو الهزيمة، والبلاد بأكملها نحو حالة انهيار سياسي، إذا كان مقتنعاً أن ذلك سيثير غضب أعدائه وتملق أنصاره.
عام 2020، قدم بايدن علاجاً، ورغم نقاط ضعفه بدا قادراً على توفيره، ذلك أنه كان في وضع جيد يمكنه من إعادة المنشقين من ذوي الياقات الزرقاء وغيرهم من الناخبين المتأرجحين من جديد إلى داخل معسكر الديمقراطيين، وهي مهمة كان مفترضاً أن تبدأ بمحاولة مظالمهم واحترام قيمهم.
إلا أنه على أرض الواقع وبدلاً من ذلك، جعل البيت الأبيض بمثابة فرع مملوك بالكامل لليسار التقدمي. ومن غير الواضح ما إذا كان بايدن يؤمن حقاً بالمواقف التي روّج لها ورضخ لها، أم أنه دفع نحو ذلك على أيدي مستشارين نشطاء، أم أنه ببساطة لا يعي ما يجري. إلا أن المؤكد أنه لم يُعد الديمقراطيين إلى الوسط المعتدل.
من جانبي، عكفت على دراسة خطاب بايدن الأخير بحثاً عن أي علامة على فهم سبب استمرار وجود ترمب في استطلاعات الرأي على قدم المساواة تقريباً مع الرئيس، إلا أنني لم أجد شيئاً.
خلال الخطاب، تحدث الرئيس عن روح الأمة وتهديد الديمقراطية، في الوقت الذي أخبر فيه جمهوره أن الاقتصاد قوي، وأن العمل الذي طال انتظاره لبناء العدالة الاجتماعية قد بدأ، وأن معايير الحكم الرشيد في مأمن بين يديه. إنه لأمر غريب حقاً أن تحتضر الديمقراطية في وقت يبدو فيه كل شيء رائعاً للغاية.
ربما لاحظ بايدن بالفعل أن قطاعاً كبيراً من البلاد يعاني من التضخم والقلق بشأن معدلات الجريمة، ويعاين تراجع آفاق أطفالهم لأسباب عدة منها البيروقراطيات المتعنتة ونقابات القطاع العام المشاكسة، ولا يتفق مع هوس حزبه بسياسات الهوية. ويخالج هذا القطاع الشك إزاء نزاهة آلية الانتخابات الغامضة في البلاد واستقلال وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ويشعر بالقلق من أن إدارته تقسم صفوف الأمة وتهاجم الأعراف (في الآونة الأخيرة، مع 500 مليار دولار أو أكثر لتخفيف ديون الطلاب بأمر تنفيذي).. إذا كان على علم بأي من هذا، فإن الخطاب الذي ألقاه لم يعكس هذا العلم على الإطلاق.
بالطبع كان الرئيس محقاً في استنكاره للعنف السياسي دون استثناء، وكذلك استنكاره للجهود المبذولة لتنحية الانتخابات القانونية جانباً. ومع ذلك، هل يتوقع بايدن أن يصدق أي شخص فكرة أنه إذا فاز ترمب بطريقة ما عام 2024، فإن هذا لن يعقبه أعمال عنف سياسي واتهامات بارتكاب مخالفات انتخابية (سواء كان لهذه الاتهامات أساس من الصحة أو غير ذلك) ـ مع تولي الديمقراطيين من جديد قيادة المقاومة مرة أخرى؟
يمكن للمرء أن يأمل في أن تؤدي نقائص ترمب في النهاية إلى إسقاطه، لكن شعبيته ربما لا تكون نتيجة للمشكلات التي تعانيها البلاد بقدر ما هي دليل على السخط العميق وواسع النطاق. وإذا أصر الديمقراطيون على رفض رؤية هذا الإحباط ولم يبذلوا أي جهد لمعالجته، فإن بايدن لم يبالغ في حديثه الخطر: التوقعات المستقبلية لهذا البلد تبدو مروعة حقاً.
* بالاتفاق مع “بلومبرغ”