الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بل جريمة بشعة.. وإثم كبير!

بل جريمة بشعة.. وإثم كبير!

28.11.2013
محمد أبو رمان


الغد الاردنية
الاربعاء 27-11-2013
ليست هنالك أعداد موثّقة مؤكّدة لعدد اللاجئات السوريات في الأردن المتزوجات من أردنيين وعرب؛ فكثير من العقود تتم خارج سلطة دائرة قاضي القضاة، وبصورة غير شرعية ولا قانونية، سواء كان ذلك داخل مخيم الزعتري، أو حتى خارجه!
الظاهرة لا تمس فقط كرامة الشقيقات السوريات وإنسانيتهن، بل هي تضرب في الصميم، بدرجة رئيسة، صورة المجتمع الأردني والدولة ومؤسساتها على السواء. إذ إنّ انتشار مثل هذه الظاهرة، وما ينقل من قصص مخجلة ومروّعة مرتبطة بها، أصبح مادةً دسمة للمحطات الفضائية العالمية والمجلاّت الغربية، حتى وصل الأمر للتلفزيون الإسرائيلي الذي قدّم برنامجاً خاصاً عن هذه الظاهرة، بينما الإعلام المحلي ومؤسسات المجتمع المدني لدينا والأطراف المعنية في الحكومة، في غيبوبة تامّة، أو في حالة إنكار، كالعادة!
التقليل من شأن الظاهرة وخطورتها ليس حلاً، إذ أصبح الأمر متداولا إعلامياً على مستوى العالم، وفي تقارير دولية وحقوقية. كما أنّ قصص "زواج القاصرات" السوريات من أثرياء عرب كبار في العمر، وحتى من أردنيين، بدعوى "السترة" أو بسبب الظروف المالية والاقتصادية القاهرة، أصبحت متداولة في الشارع الأردني، ومعروفة لكثير من الناس.
ما نقرأه ونسمعه من قصص تزويج القاصرات السوريات، سواء عبر أشخاص غير مؤهلين في مخيم الزعتري، أو خارج المخيّم، عبر أساليب ملتوية، مثل الزواج العرفي والعقود الشكلية، لا يخرج في جوهره عن "زواج المتعة"، أو بعبارةٍ قانونية "الاتجار بالبشر"، واستغلال بشع للظروف القاهرة والطارئة للأشقاء اللاجئين، والاعتماد على فتاوى دينية شاذة، صدرت من معوقين فكرياً ونفسياً، لا يعيشون في الواقع الحالي ولا يمتّون له بصلة، ولا إلى مقاصد الشريعة الإسلامية!
من يقول بأنّ تزويج القاصرات السوريات (بعض الأعمار تصل إلى 13و14 عاماً) من رجال كبار في السن، متزوجين أو حتى غير متزوجين، هو جائز شرعاً، بل واجب من أجل الستر عليهن، فليجرؤ على إعلان موقفه أمام الرأي العام الأردني، ولنحكّم موقف العلماء والفقهاء المعروفين الموثوقين بهذه الآراء الغريبة التي تفوح منها رائحة العفونة الأخلاقية، وفقدان الحسّ الإنساني.
والأسوأ من ذلك أنّ مثل هذه الفتاوى والمواقف بمثابة تلاعب بالدين، وتوظيف له لخدمة هذه الأغراض المنحرفة، وذلك إثم كبير ومركّب، واعتداء على الإسلام نفسه. فإذا كان الهدف نبيلاً، والنيّة سليمة لدى مثل هؤلاء، فليدفعوا الأموال لمساعدة الفتيات وأسرهن، وهن عزيزات مكرّمات في بيوتهن!
ما تقوم به الدولة إلى الآن لا يكفي، بل أتجاوز ذلك إلى الادعاء بأنّ الصمت على هذه الظاهرة الخطيرة هو بمثابة تواطؤ وقبول وتسويغ واقعي لها، حتى وإن جرت خارج القوانين الأردنية. والمطلوب أن يتم تحديد إطار قانوني وأمني وإعلامي صارم في التعامل معها، بوصفها جريمة تستحق العقوبة، وبوضعها تحت الاهتمام الأمني والمراقبة الدائمة، وتدشين خطوط ساخنة للتبليغ عن مثل هذه الحالات من قبل المواطنين.
أتمنى على قاضي القضاة د. أحمد هليل، القيام بدور أكبر، بالتأكيد على عدم شرعية تلك العقود وبطلانها، ورفض الفتاوى التي تؤيدها، والتشديد على المحاكم الشرعية بضرورة عدم التساهل في العقود، والترتيب مع الجهات المختصة لتحديد الإطار القانوني والأمني والآليات لمواجهة هذه الظاهرة والتخلص منها.