الرئيسة \  مشاركات  \  بمناسبة انتخابات رئيس الائتلاف الوطني: المعارضة السورية .. نقد مستحق

بمناسبة انتخابات رئيس الائتلاف الوطني: المعارضة السورية .. نقد مستحق

30.06.2014
فراس قصاص



لا يدفع السوريون اليوم ثمن إجرام نظام الأسدية فحسب وإنما أيضا ثمن تهافت بنية المعارضة السورية الفكرية والسياسية  التي تصدت لإدارة الملف السياسي للثورة السورية ، هذه المعارضة ،المنغلقة أيديولوجيا إلى درجة الانقطاع التام عن الواقع ، الحزبوية والعصبوية والشللية إلى درجة مسفة ومريعة ، لم تتعرف يوما على السياسة بوصفها فنا في إدارة الواقع الذي تعتوره حيثيات محددة و معطيات معينة ، فنا يستهدف تحقيق أعلى سقف ممكن من الأهداف والنتائج المرجوة في ظل الشروط المتوفرة،وأن السياسة وفقا لهذا المعنى تتأسس على البعد البراغماتي لا الأيديولوجي ،وأن قيمة الفكرة السياسية تتحدد بمدى نجاعتها في الواقع وليس في مثاليتها أو متانتها النظرية ،والسياسة على ذلك لا قيمة لها إن لم تصف آليات  تحقق القدرة على  الانتقال من النظري إلى العملي ومن مستوى الخطاب السياسي في هيئته النظرية إلى منطق الواقع  الذي يستدعي بدوره توفير مسارات عملية  مؤثرة وفاعلة  فيه.
المثير أن غالبية المعارضة السورية في شقيها التقليدي أو المستحدث لغرض الصراع على السيطرة ، لم تتوقع الثورة ولم يكن لديها يد في إشعالها،بسبب انقطاعها عن حرارة الواقع ونتيجة لفقرها الاجتماعي وضحالة حضورها السوسيولوجي ، إلا أنها مع ذلك ما لبثت أن تدافعت على تسيد وجه الثورة السياسي ، وكأن لحظة التعويض عن الفشل في اقتناص السلطة أو حجز مكان فيها  قد حانت ، لم يلجمها عن ذلك أنها لم تمتلك أية رؤية لكيفية إدارة ملف الثورة ، بل لم تلحظ  أهمية امتلاكها مثل هذه الرؤية ،فعماها السياسي دفعها إلى الاعتقاد بأن الثورة منتصرة وحسب ، دون  مشروع عملي لقيادتها وإدارتها . موضوعيا ، تذكرت المعارضة السورية السائدة كل شيء إلا الثورة ومعاناة الشعب السوري ، نست أهلها في دهاليز الاوتيلات وعلى الموائد المفتوحة ، أعمتها فلاشات الكاميرات  ومكاسب الشهرة التي هبطت عليها دون سابق إنذار ، صمت آذانها  عن كل الرؤى والمشاريع  العملية التي قدمت لها من منافس أو صديق ،  خنقت  كل إمكانية أمام المبادرات المفيدة ، وها هي تنتقل من فشل إلى فشل و من عجز إلى عجز بتلقائية مذهلة .
عندما تأسس المجلس الوطني السوري ،طالب كاتب هذه السطور، المكتب التنفيذي للمجلس ،باتباع سياسة مفرطة في البراغماتية ،وقدم حينها رؤية علمية عن إدارة العلاقة مع الموقف الروسي والصيني ، ثم لاحقا للمجلس وللائتلاف الوطني مشروعا يصف ويحدد تقنية لوبيات الطوارئ الإسعافية السورية ،كأداة يجب العمل وفقها للتأثير بالموقف الدولي لاسيما دول أصدقاء سورية ، لكن دون فائدة ، فأساطين المعارضة  السورية التقليديون، الذين لا يتعاطون مع السياسة الدولية ويقرؤون أحداثها وخطوطها ،إلا من منظور ساكن ،تتحدد هيئته على الأغلب،بالارتكاز إلى نظرية المؤامرة واعتبارها تفسر وتحلل وتمنح كل الخلاصات والنتائج ، كانوا يعملون على ما هو أهم ،  يدشنون مداخل جديدة ومعارك  حامية الوطيس على الهيمنة والمكاسب فيما بينهم  ، فغرقوا في اقتتال بيني على جلد الدب قبل اصطياده ، ولم يوفروا  وسيلة إلا واستخدموها في معاركهم تلك ،  صنعوا تحالفات وهدموا أخرى، قفزوا من إطار إلى إطار وانتقلوا من ضفة سياسية إلى أخرى مناقضة ،ولم يلحظ احد أثرا لوعيهم الديمقراطي ،إلا من خلال  الصراع على مواقع رئيس المجلس أو رئيس الائتلاف والتناوب عليها، وعلى دوائر تنظيمية متقدمة  فيهما …!، صراع دوري لا يلبث  أن يضع أوزاره حتى يشتعل من جديد ،ولم يكن ثمة تفسير لمثل هذا السلوك القاضي بتغيير رأس الثورة السياسي ،بما يقوض الاستقرار التنظيمي المطلوب لبناء سياسة ورؤية يتم بموجبها إدارة الوضع الثوري ، إلا بالاستناد إلى العري الفضائحي لصراع أطراف المعارضة تلك على الهيمنة وسعيها إلى اقتسام وتوزيع المنافع الحزبية و الشخصية الضيقة ، و ليس تذرعها بالديمقراطية إلا مما ينتمي إلى إرادة التبرير، إذ لم تترك مختلف مكوناتها النافذة مناسبة لإظهار الإقصاء والاستحواذ والعمل بالضد من القيم الديمقراطية إلا و فعلوا دون تردد .
 لم يخجل بعض كبار المعارضين السوريين الذين تدافعوا على دخول و احتلال مواقع رئيسية في اطر الثورة  من التصريح اثر نجاحهم في مساعيهم تلك ،بأن لا رؤية سياسية لهم ينوون العمل وفقها في أماكنهم الجديدة  ، كان باديا ،أو هكذا أخبرت به أحوالهم و سلوكهم اللاحق ، أنهم يدخلون منصة التأثير في الوضع السوري فقط من أجل عملية الدخول و ما يرافقها من مكاسب مادية و معنوية ، كان  من المستحيل التفكير فيه لديهم  ، على ما يبدو ، الوعي بوجود تقنيات سياسية يمكنها التأثير في المجتمع الدولي لمصلحة الثورة السورية ، وأخرى يتلافون أو يخففون بموجبها الألغام الطائفية والاثنية والعشائرية والمناطقية التي زرعها النظام طوال عقود حكمه ،و ثالثة تراهن على  حيازة العديد من أوراق القوة في الثورة والحرص على عدم فقدها كما حصل لاحقا للورقة الكردية بوصفها ورقة رافعة للثورة  في وجهها المدني و المعتدل و فاعلة في فصولها  ،على سبيل المثال لا الحصر .
الآن وبينما الوضع السوري يختزل غالبيته عنوانان ، احدهما سطوة نظام بشار الأسد الذي  يحقق تقدما ميدانيا تلو الآخر ، وثانيهما سيطرة القوى المتشددة التكفيرية على مساحات واسعة من المناطق المحررة ، حتى كاد يصبح مسمى الجيش الحر خاليا من مدلولاته الواقعية ذات الهيبة و الأثر الوازن ،وحيث تدخل الثورة السورية في أنفاق صعبة و مظلمة في  ظروف بالغة التعقيد ،وأثناء التفكير في سؤال ما العمل ؟ ،الضروري للخروج من عنق الزجاجة التاريخي الذي يمر به الوجود السوري ، يبدو أنه لا مفر من الإقرار بأن الذات السورية المعارضة الفاعلة في إدارة الوضع الثوري مسؤولة عما وصل إليه الحدث السوري من إنسدادات ، وبأنها تتحمل مسؤولية جزئية ، لكن مهمة، ليس في تعقيدات و كوارث الحال الداخلي للثورة ، و إنما ، أيضا ، في تفاعل الغرب السلبي مع القضية السورية بامتناعها عما يجب عمله في هذا السياق . وأن على السوريين اليوم ، العمل على بلورة البديل من تلك المعارضة ، لان الصراع مع النظام بات مفتوحا على المساحة الزمنية و على احتمالات صعبة عديدة في جهة النتائج  .
* رئيس حزب الحداثة و الديمقراطية