الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بوتين التركي

بوتين التركي

03.12.2014
علي نون



المستقبل
الثلاثاء 2-12-2014
جيد مبدئياً، أن يصل الزعيم الروسي فلاديمير بوتين الى أنقرة بعد أيام من زيارة نائب الرئيس الأميركي جون بايدن إليها وانكشاف حجم الهوّة الفاصلة بين موقف بلاده حيال الوضع السوري، وموقف تركيا الذي يمكن لكثيرين أن يقولوا ما يشاؤون عنه، لكنهم بالتأكيد لا يمكنهم لحظة أن يضعوه في سياق لا أخلاقي أو تجاري أو مصلحي أو انتهازي.
قد لا يُعجب كثيرين واقع أن تركيا "حكت" عن الوضع السوري أكثر مما "فعلت". وقد لا يعجب كثراً أيضاً أن الأداء التركي إزاء بعض القضايا الإقليمية (العربية) كان مشوباً بالانفعال أكثر من الدراية والحصافة، لكن لا يمكن أحد أن ينكر أن الحكم التركي مثلاً لم يغيّر رأيه في الأسد وسلطته. ولم يتنازل عن ذلك الرأي لا أمام الأميركيين ولا أمام غيرهم.. لا أمام الأخصام ولا أمام الأصدقاء والحلفاء.
.. وهو بالتأكيد لن يغيّر في ذلك الرأي أمام بوتين، الضيف "التاريخي" المميز والباحث في تلابيب الجغرافيا السياسية عن أجوبة عن أسئلته الصعبة الخاصة بإعادة إحياء أمجاد ماضي الامبراطورية الروسية السوفياتية التي أفلت. بل الافتراض الأصح هو أن أحفاد الامبراطورية العثمانية (الآفلة قبلاً وبعقود طويلة) يمكنهم أن يعينوا ضيفهم على مقاربة مختلفة تؤلف بين الإرث المجيد (عند أصحابه!) ومتطلبات الزمن والحداثة. وتبني على التاريخ ولا تسكن فيه! بل تستند إليه لتصنع بنياناً في الحاضر! وأول مداميك ذلك البناء هو أن يبقى ذلك التاريخ في مكانه! لأن قدرة البشر لم تصل بعد الى حدود إحياء العظام الرميم. ولا الى إعادة الحياة لمن فقدها.
تخفيف الغلواء الروسية قد يكون واحداً من أبرز نتائج زيارة بوتين لأنقرة! حيث المقارنة تذهب لصالح مضيفيه: وصلوا في البناء السياسي والاقتصادي والتنموي والعسكري والتصنيعي (المتوسط والخفيف) الى مصاف الدول الكبرى من دون أن يركبهم همّ إحياء أمجادهم التليدة، خارج نطاق المسلسلات التلفزيونية! ومن دون ارتكاب مثلبة واحدة إرهابية أو "تثويرية" أو "تنويرية"، ومن دون التورط في هدر الثروات الوطنية على دعم أنظمة طاغية وساقطة وفاشلة.. وذلك كله مع مساحة في استقلالية القرار لا غبار على وسعها وكبرها وحقيقتها.
تركيا الحديثة تقدم درساً قيّماً في ذلك، يمكن الضيف الروسي أن يترجمه ويحفظه ويبدأ في اعتماده انطلاقاً من سوريا تحديداً! خصوصاً وأن اقتصاد بلاده ورخاء مجتمعها وسلامة مسارها التنموي، يُفترض أن تكون في مجملها أهم من تقديم دعم لسلطة غاشمة، صارت في التشخيص الموضوعي جثة سياسية لا أكثر.