الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بوتين والاسد… صراع البقاء

بوتين والاسد… صراع البقاء

05.03.2014
فيصل أحمد النويران


القدس العربي
الثلاثاء 4/3/2014
إن حالة العشق المشبوهة بين نظامي دمشق وموسكو، التي يعكسها واقع الانصهار في المواقف، وتوحيد الخطاب السياسي حول الأزمة، يفضحها الإصرار الروسي على بقاء الأسد في السلطة، وتبني ادعاءاته وأكاذيبه بطريقة مثيرة للجدل، ممثلة بتصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف، حيث ذهب البعض إلى تسميته وزير خارجية النظام السوري.
عبثية المشهد تثير العديد من علامات الاستفهام حول هذا الموقف الذي يتبناه الروس، وما هو الثمن المتوقع من الذهاب في الدفاع عن نظام الأسد إلى النهاية، على الرغم من تقديم العديد من وجهات النظر التي حاولت قراءة هذا الموقف المشبوه والحميمي بين النظامين على أساس أن الجغرافية السورية ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للروس، انطلاقا من قاعدة طرطوس المنفذ الوحيد لموسكو على المياه الدافئة، وصولا إلى تحقيق الوهم الروسي في إعادة تكريس نظام ثنائي القطبية وفرض أجندتها الخاصة على المجتمع الدولي.
كل تلك التأويلات لا تتعدى التخمين، فروسيا الاتحادية ليست الاتحاد السوفييتي ولا تقارن بها، حيث كانت الأخيرة ترسم سياساتها في مواجهة المعسكر الرأسمالي في إطار منطق توازن القوى، في حين أن موسكو الحالية تصيغ استراتيجياتها وتحدد أولوياتها بدافع البقاء لا أكثر ولا أقل، وما يحدث في أوكرانيا حاليا يوضح هشاشة إمبراطورية بوتين الوهمية أمام السطوة الأمريكية، كما أن الطريق طويل لنهج المواجهة.
يمكن أن نقرأ حقيقة الموقف الروسي ومخاوفه من خلال التسليم بسقوط نظام الأسد، واستلام المعارضة السورية إدارة البلاد وتحديد سياساتها، فالحقيقة الأولى التي لا تقبل الشك هي نهاية وجود أي مصالح أو استثمارات روسية على الأراضي السورية، على اعتبار أن المعارضة تتعامل مع نظام موسكو إلى جانب النظام في طهران على أنهما شريكان في قتل السوريين، مع اختلاف شكل المصالح وطبيعتها، ونتيجة لذلك يمكن قراءة المخاوف الروسية بوضوح وتحديد أبعادها.
أولى تلك المخاوف – وأقلها ضررا- تمثلت في احتمال استخدام الأراضي السورية بعد سقوط الأسد، لنقل الغاز من منطقة الخليج العربي إلى السوق الأوروبي، ومنافسة الغاز الروسي، حيث كشفت إحصاءات أن صادرات روسيا من الغاز إلى دول أوروبا الغربية وحدها ارتفعت في عام 2013 بنسبة 20، حيث بلغت 127.05 مليار متر مكعب. ولعموم أوروبا بلغت 161.48 مليار متر مكعب، وهذا التوجه بحد ذاته يشكل تهديداً حقيقيا لنظام موسكو واقتصادها، فالاهتمام بالأسد يهدف إلى ترسيخ وجودها في سوق الطاقة الناشئة. إلا أن هذه المخاوف تعاظمت بالنسبة للروس وبلغت ذروتها مع الإعلان عن اكتشاف كميات هائلة من الغاز أمام السواحل الشرقية للمتوسط، في سورية، ولبنان، وفلسطين، مما يزيد من مخاطر المنافسة، وبالتالي خسارة الأسواق الأوروبية تماما، كذلك قد تسفر احتياطات الطاقة هذه إلى مزيد من التوتّر، الأمر الذي يؤثّر في العوامل الجيوسياسية على المستوى الإقليمي، لتنظر موسكو إلى الأسد على أنه الضامن الوحيد لتخفيف حدتها وتأمين مصالحها النفطية.
ومع ظهور مؤشرات أولية تدل على أن نظام الأسد بدأ يفقد سيطرته في ميدان الصراع، سارع الروس إلى اتخاذ خطوة استباقية ممثلة بتوقيع اتفاق ضخم بين شركة روسية للتنقيب عن النفط والغاز ونظام دمشق في المياه الإقليمية، في عقد يشمل عمليات تنقيب في مساحة تبلغ2190 كلم مربع، كذلك – يمتد العقد، وهو الأول من نوعه للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية – على مدى 25 عاما، بتمويل من موسكو.
يضاف إلى ذلك أنه من المتوقع أن يضمن النظام السوري عن طريق حزب الله وحلفائه في لبنان، أن يدفعوا باتجاه استثمار الشركات الروسية في المياه الإقليمية اللبنانية، لمكافأة موسكو على دعمها، وبذلك تكون قادرة على مواجهة أسوأ كوابيسها وإنقاذ إمبراطورتيها المزعومة، ليس إلا.
وبالتالي فإن ارتباط بوتين بالأسد يتجاوز فكرة المصالح التقليدية إلى واقع الصراع من أجل البقاء، وليس إعادة إنتاج حلم الامبراطورية الروسية من خلال فرض وجود الأسد ونظامه على المجتمع الدولي، الأمر الذي وضع الروس في مواقف حرجة كثيرة على امتداد الثورة السورية أمام الرأي العام العالمي، كما تسبب لها في عزلة سياسية واضحة. لترى في الأسد حاميا لبقائها، وهذا ما يعول عليه النظام السوري في مواجهة الضغوط الدولية، ولو أن المعارضة السياسية قادرة على إدارة الداخل السوري ولو بنسبة ضئيلة، وفرض رؤيتها السياسية على الكتائب المسلحة المتعددة الولاءات، وبالتالي تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية، وفي مقدمتها حماية اتفاقية استثمار الغاز في مياه المتوسط، لضحت روسيا بالأسد منذ زمن وأعلنت الطلاق رسمياً، ولكن للأسف واقع المعارضة غير مشجع، ولا يلبي شروط البقاء الروسية.
 ‘ كاتب سوري