الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بوتين و"الشرعية" السورية..لماذا لا يستحي؟

بوتين و"الشرعية" السورية..لماذا لا يستحي؟

24.06.2013
خيرالله خيرالله

المستقبل
الاثنين 24/6/2013
في سياق دفاعه عن النظام السوري وتبريره تزويده اسلحة متطورة يقاتل بها شعبه، لم يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يقوله سوى أنه يتعاطى مع "حكومة" شرعية. كيف يمكن أن تكون الحكومة السورية المنبثقة عن نظام غير شرعي، قائم على العائلة والطائفة، على علاقة بالشرعية من قريب أو بعيد؟ انه السؤال الذي لا يمكن أن يجيب عنه الرئيس الروسي، اللهم الاّ اذا كان ما زال يعتبر نفسه رئيسا للاتحاد السوفياتي ووريثا للينين وستالين وخروشوف وبريجنيف...الذي توقّف عنده التاريخ السوفياتي تمهيدا لبدء انهيار الامبراطورية التي حاولت التمدد في كلّ الاتجاهات استنادا الى ايديولوجية قائمة على القمع ولا شيء آخر غير ذلك.
يمكن اعتبار بريجنيف آخر زعماء الاتحاد السوفياتي. كان الجمود الذي شكّل سمة فترة حكمه الطويلة التي بدأت في 1964 وانتهت بوفاته في العام 1982 من بين الاسباب الاساسية لزوال القوة العظمى الثانية في العالم وتفكّكها. خلفه يوري اندروبوف ثم قسطنطين تشيرنينكو قبل أن ينتهي كلّ شيء عند ميخائيل غورباتشوف الذي أدرك أن لا أمل في انقاذ النظام القائم على القوّة العسكرية والاجهزة الامنية تحت غطاء الحزب الواحد الحاكم باسم البروليتاريا. من يتذكّر البروليتاريا والاهداف التي وظّفت من أجلها؟
من الواضح أن بوتين لم يتعلّم من تجربة الاتحاد السوفياتي. جاء الى بلفاست حيث انعقدت قمة الدول الثماني الكبار يردد الكلام نفسه الذي كان يردده أي مسؤول سوفياتي. حلّت سوريا والنظام فيها مكان إحدى الجمهوريات السوفياتية أو أحد بلدان اوروبا الشرقية، علما أن العالم تغيّر وأنّ الشعب السوري، مثله مثل أي شعب حيّ في العالم يرفض العيش في ظلّ نظام لا همّ له سوى إذلاله واستعباده وسلب خيراته في ظلّ شعارات عفى عنها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب، شعارات من نوع "المقاومة" و"الممانعة".
لو كانت هناك مقاومة أو ممانعة، هل كان الرئيس الروسي عرض ارسال قوات الى الجولان للحلول مكان الوحدة النمسوية العاملة مع الامم المتحدة في المنطقة. هل من هدف آخر من العرض الروسي سوى تقديم ضمانات لاسرائيل بأنّ لا خطر من النظام السوري عليها وأن في استطاعتها البقاء في الهضبة المحتلة منذ العام 1967 الى أبد الآبدين... آمين.
ليس في الغرب، أي في اميركا واوروبا من هو على عجلة من أمره في الموضوع السوري. ما الفارق بالنسبة الى الرئيس باراك اوباما اذا انتهى النظام السوري، وهو انتهى فعلا، ورحل عن دمشق بعد قتل مئة ألف سوري أو مئتي ألف سوري؟ من الواضح أن مئة ألف قتيل سوري زيادة لا تعني له شيئا ما دام لا تهديد لأمن اسرائيل!
كان مفترضا في الشعب السوري أن يجد في روسيا الاتحادية داعما له ولثورته، فاذا به في مواجهة حلف روسي- ايراني لا همّ له سوى تدمير سوريا وتفتيتها في حال لا يستطيع وضع يده عليها كلّها.
المؤسف أن روسيا التي تخلّصت من ديكتاتورية الحزب الواحد واجهزته الامنية لم تشفَ بعد من عقدة الاتحاد السوفياتي الذي لم يمتلك فيه نظام الحزب الواحد الحاكم أي نوع من الشرعية في أي يوم كان...الاّ اذا كان القتل والسجن والمعتقلات والمستشفيات العقلية التي أقيمت في سيبيريا وغيرها تصنع شرعية من نوع خاص جدّا.
كان الامل كبيرا في أن يطرأ تغيير على تصرف فلاديمير بوتين، خصوصا أنه يعتبر نفسه صاحب شرعية حصل عليها من الشعب الروسي الذي انتخبه رئيسا. لا يستطيع المراقب المحايد الشكّ في شرعية الرئيس الروسي على الرغم من أن قسما لا بأس به من الشعب الروسي يمتلك اسبابا وجيهة تسمح له بالاعتراض على الطريقة التي وصل بها بوتين الى الرئاسة مرّة تلو الاخرى.
ظاهرا، يمتلك بوتين شرعية ما ولكن ماذا عن شرعية النظام السوري القائم والحكومة المنبثقة عنه التي تصرّ روسيا على بيعها اسلحة؟
في الواقع، لا وجود لأيّ شرعية لدى النظام السوري الذي هو نتاج انقلاب عسكري قامت به مجموعة من الضباط في الثامن من آذار- مارس 1963. غطى الضباط انفسهم بحزب البعث ومدنييه في البداية وما لبثوا أن انقلبوا عليه. أما ما جرى بعد ذلك، فهو معروف جيدا مع صعود الثلاثي العلوي( صلاح جديد ومحمّد عمران وحافظ الاسد) الى الواجهة ثم إبعاد عمران وسجن جديد وصولا الى استحواذ حافظ الاسد على السلطة كلّها في العام 1970.
ومعروف جيّدا أيضا كيف خلف بشّار الاسد والده وكيف جرى تعديل الدستور ليلائم عمر الرئيس الجديد...وكيف صار الحكم في يد العائلة بعدما كان في يد الطائفة وبعض الضباط من سنّة الارياف الذين ارتضوا لعب ادوار معيّنة من أمثال حكمت الشهابي أو مصطفى طلاس...
وما هو معروف أكثر من ذلك كلّه أن الشرعية الوحيدة التي يمتلكها النظام السوري هي تلك التي يستمدها من سفكه لدماء السوريين واللبنانيين والفلسطينيين وعددهم بعشرات الآلاف. هؤلاء قضوا على يد نظام لم يتردد يوما في استخدام المدافع وراجمات الصواريخ السوفياتية او الروسية، لا فارق، لقصف مدن وقرى سورية ولبنانية ومخيّمات فلسطينية.
ما ليس معروفا، كيف لا يستحي رئيس روسيا عندما يتكلّم عن "شرعية" في سوريا؟ كيف يمكن أن يسمح لنفسه بتجاهل ما يدور على الارض السورية منذ سنتين واربعة أشهر. لم يعد السؤال: هل تعلّم بوتين شيئا من تجربة الاتحاد السوفياتي؟ السؤال كم عدد القتلى الذي يحتاجه ليقتنع بأن ليس في استطاعة نظام انتصار على شعبه مهما امتلك من السلاح المتطور ومهما استعان بالغرائز المذهبية؟