الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بوشهر ودمشق

بوشهر ودمشق

25.09.2013
د.باسم الطويسي



الغد الاردنية
الثلاثاء 24/9/2013
أمس الإثنين، دشنت إيران أول منشأة نووية في مدينة بوشهر؛ أي أنه بدأ التشغيل الفعلي لأول مفاعل نووي يوصف بـ"السلمي" في الشرق الأوسط، بعد أربعين عاما من التأسيس والعمل والبناء والمراوغة والحنكة السياسية. إذ بدأ العمل في هذا المفاعل النووي في عهد الشاه؛ حليف الغرب، وها هو يُشغّل في عهد ولاية الفقيه، في زمن الثورة الإسلامية التي ما تزال بعد نحو أربعة وثلاثين عاما لغزا غامضا إلا على من يفهم جيدا أن المقدس الوحيد في السياسة هو المصلحة العليا للأوطان.
يحدث ذلك في بوشهر، والرفاق في دمشق يستعدون لتسليم أسلحتهم الكيماوية للغرب من أجل تفكيكها وتدميرها، بعد أن جاءت الموافقة السورية على الخطة الروسية-الأميركية بمثابة ضربة غير متوقعة لأعصاب العالم؛ ليس بغازات الأعصاب الكيماوية، بل بقصر نظر السياسة والسياسيين. فبدل أن تبقى العدة الكيماوية السورية ورقة ضغط في التسويات المقبلة، ها هي توضع على الطاولة وقد تم التنازل عنها بكل سهولة في حرب داخلية غامضة، الكل أجرم فيها.
ما الفرق بين ما يجري لكل من الحليفين السوري والإيراني؟ ما الذي أوصل الإيرانيين إلى هدفهم الاستراتيجي بعد صبر سياسي امتد أربعة عقود؟ وما الذي جعل السوريين يخفقون وينجرون إلى لعبة الاقتتال الداخلي والفتك المتبادل، وخسارة كل شيء؛ بناء القدرة الذاتية والاقتصاد والناس، وحتى حلم الديمقراطية المنتظر؟
إنها السياسة؛ كيف يمكن أن تصل نخبة ما إلى خلق توافق أو شبه توافق على تعريف المصلحة العليا، ثم لك من الوسائل ما تشاء من أجل الوصول إلى هذه المصلحة. فإذا كان العالم المعاصر قد توافق على الديمقراطية باعتبارها أنجع الوسائل من أجل تحقيق هذه المصلحة، فإن التاريخ السياسي الحديث والمعاصر لا يبلغنا أبدا أن الديمقراطية وحدها حققت الاستقرار والاستمرار، وارتقت بنوعية حياة البشر، بدون أساس متين من التوافق المجتمعي حول القيم الكبرى، في السياسية والاقتصاد والمجتمع والحياة.
اعتبارا من أمس، أصبح لدى إيران مفاعلها النووي الذي يُنتج الكهرباء بقدرة تصل إلى ألف ميغاواط، بدون أن تخسر الآلاف من مواطنيها، وتدمر مدنها. هكذا أنهت السياسة الإيرانية كراسة الواجبات كاملة، بالتمام والكمال، وتقدمها إلى العالم في عهد النخبة الإصلاحية القادرة على مخاطبة العالم؛ تلك النخبة القادرة على فهم لغة حقوق الإنسان وقضايا "الجندر"، وتعترف بالهولوكوست/ المحرقة،  فيما تغيب لغة التهديد والوعيد عن خطاب الخارجية الإيرانية. ثمة موجات متبادلة من النخب الإيرانية التي صعدت خلال العقود الماضية؛ تختلف في كل شيء، لكنها كانت تكمل بعضها بعضا في خدمة المصالح الإيرانية العليا.
حالة توازن دقيق بين جملة من المصالح، إلى جانب غموض، ربما مقصود، في الاستراتيجيات المتبادلة في العلاقة مع الولايات المتحدة؛ ذلك الغموض الذي يريح الطرفين معا، ولا يظهر منه إلى العلن إلا تاريخ صراع المصالح الطويل الذي تنبعث منه روائح النفط والمياه والكعكة النووية الصفراء، رغم ما يظهر على السطح من أنفاس الأيديولوجيا وصراع الهويات.
بعيدا عن جدل الصراع على الأدوار في الشرق الأوسط بين الإيرانيين والعرب، بقيت الثورة الإيرانية والدولة الجديدة التي بنيت على أكتافها، فكرة وممارسة، مثيرة للشجون والتساؤل، بدون إنكار الإعجاب بالعديد من إنجازاتها حتى لدى أكثر من ناصبها العداء. لكنْ ثمة إدراك متزايد أن المسار الذي أخذته دولة الثورة، وتحديدا في السنوات الأخيرة، يحمل بذور التهديد والزوال من الداخل، إذا لم يُسارع إلى التصحيح الذاتي. يبدو ذلك في سيطرة الخطاب الديني المغلق، وازدياد الشعور بالوثوقية العالية، على حساب بناء قيم إنسانية متقدمة، وممارستها على مستوى علاقة الدولة بمواطنيها. لكن مع كل ذلك، حققت طهران أمس هدفها الاستراتيجي، وبأدوات السياسة ذاتها. وحتما، فإن الأحوال في دمشق لن تقود إلى نفس النتيجة؛ فالحلفاء لم يمنحوا دمشق سر الخلطة الفارسية!
basim.tweissi@alghad.jo