الرئيسة \  تقارير  \  “بوليتيكو”: صراع الأيديولوجيات.. لماذا تراجعت أوروبا أمام استبداد الصين؟

“بوليتيكو”: صراع الأيديولوجيات.. لماذا تراجعت أوروبا أمام استبداد الصين؟

30.12.2021
ساسة بوست


ساسة بوست
الاربعاء 29/12/2021
إن القيم التقدمية لا بد وأن تكون محورية فيما يخص سياسات أوروبا والاتحاد الأوروبي تجاه الصين، حسب ما يَخلُص إليه مقال للكاتب كاسبر ويتس، نشرته مجلة “بوليتيكو” الأمريكية.
في البداية، يلفت المحاضر في دراسات شرق آسيا بجامعة ليدن الهولندية إلى أن الاتحاد الأوروبي يتخلى عن حرب الأفكار لصالح حكومة الصين، وحتى في الوقت الذي تعمل فيه بكين على تعزيز معاييرها وقيمها على الساحة الدولية، فإن الساسة في أوروبا يفشلون في الدفاع عن قيم الاتحاد الأوروبي وتعزيزها، على الرغم من الالتزام بالقيام بتلك المنصوص عليها في معاهدة لشبونة.
أوروبا والصين.. الهروب من المعركة
وشدَّد الكاتب على ضرورة أن يضطلع الاتحاد الأوروبي بوضع سياسة تجاه الصين تعطي الأولوية للقيم التقدمية وحقوق الإنسان، بدلًا من التملص من المعركة الفكرية مع الصين، وهذه ليست مسألة مثالية بقدر ما هي طريقة أكثر واقعية للتعامل مع قوة عظمى ناشئة تتحدى أسس النظام الدولي ذاتها.
وقد قلَّلت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لسنوات من شأن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان فيما يتصل بالصين، وتسبب صَمْتها الإستراتيجي – بشأن قضايا مثل معاملة أقلية الإيجور في الصين أو حملة بكين على الديمقراطية في هونج كونج – في تحديد توجُّهات الاتحاد الأوروبي ككل.
وتمسَّكت حكومة أنجيلا ميركل حتى النهاية بفكرة مفادها أن (السعي وراء التشابك الاقتصادي) مع الصين سيؤدي إلى تغييرات ليبرالية وتقدمية هناك، لكن وبدلًا من ذلك، فقد ثبت أن العكس هو الصحيح: فقد جعل الاعتماد الاقتصادي المتزايد على الصين من الصعوبة بمكان على أوروبا أن تدافع عن قيمها الخاصة.
تنازل أوروبي عن المسؤولية                      
وأوضح الكاتب أن الرقابة الذاتية على المنشورات التي تمارسها دائرة العمل الخارجي الأوروبي وكذلك وفد الاتحاد الأوروبي في بكين لتجنب الإساءة إلى الصين ليسا سوى أمثلة أكثر وضوحًا على عدم التركيز الهيكلي على قيم الاتحاد الأوروبي في دبلوماسية الكتلة الأوروبية مع بكين.
ويرى الكاتب أن تنازل الساسة الأوروبيين عن المسؤولية له تداعيات تتجاوز كثيرًا حقوق الإنسان في الصين، وسيؤدي تنامي نفوذ بكين العالمي إلى تقويض القيم الإنسانية على الساحة الدولية، وإلى زيادة الضغط على المجتمعات الديمقراطية والحرة.
إن الافتراض القائل بإمكانية احتواء التوسُّع الاستبدادي الصيني بطريقة ما داخل المؤسسات الدولية التي صمَّمها الغرب ليس إلا غطرسة – بحسب وصف الكاتب- وذلك لأن الحكومة الصينية لديها رؤيتها الخاصة لما يجب أن يكون عليه النظام الدولي. فهي لا تلتزم بأسس النظام الدولي الليبرالي فحسب، بل ترى في قيم هذا النظام خطرًا وجوديًّا يجب تحييده.
تقويض القيم الدولية
وأضاف الكاتب أن من بين الطرق التي تتبعها الصين في هذا الصدد زيادة قوتها داخل المؤسسات الدولية، واستخدام نفوذها الاقتصادي داخل تلك المؤسسات لتنحية القيم الإنسانية للنظام الليبرالي.
فعلى سبيل المثال، استخدمت الصين إستراتيجية متطورة لتقويض المعايير الدولية لحقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي تعمل على زيادة السيطرة على عدة وكالات متخصصة تابعة للأمم المتحدة تعمل من خلالها على تعزيز مصالحها وقواعدها الخاصة.
ونوَّه الكاتب إلى أن كل هذه الإجراءات متأصلة في مجال نفوذ جديد يتمحور حول الجنوب العالمي: عادةً ما تكون الدول النامية، التي هي أيضًا أعضاء في مبادرة الحزام والطريق الرئيسة، هي محور رؤية الصين لنظام اقتصادي جديد. وبينما تحاول الصين تغيير نظام الحوكمة العالمية، فإن هذا هو المكان الذي يكمن فيه التركيز الأيديولوجي للصين.
تربة خصبة لتوسيع نفوذ الصين
ولذلك، وحسب ما يؤكد الكاتب، ينبغي لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين أن تستلزم أيضًا بإعادة التفكير في علاقة الاتحاد مع العالم النامي، ولفترة طويلة للغاية، روَّج الغرب لمُثُله الإنسانية بالأقوال وليس بالأفعال، وفشل في دراسة علاقته الاستغلالية المستمرة مع الجنوب العالمي. وقد أوجد نفاق الغرب – بحسب تعبير الكاتب- تُربة خصبة لتوسيع النفوذ الصيني ليس في الشرق الأوسط وأفريقيا فحسب، بل أيضًا في أوروبا نفسها.
ولن ننجح -بحسب ما يشير الكاتب- في مواجهة النفوذ الصيني في المؤسسات الدولية والبلدان النامية إلا من خلال العمل على أساس مبادئنا، وهذا يعني، من جملة أمور أخرى، مواجهة المصاعب الاقتصادية المتمثلة في معالجة العجز التجاري الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي مع الصين، والسعي إلى إقامة علاقة أكثر عدلًا مع العالم النامي.
وبهذه الطريقة، يمكننا أن نضع قيمنا -وفقا لما يراه الكاتب- على أرض صلبة، وينبغي أن نكون في وضع أفضل لمواجهة الصين، سواء فيما يتعلق بانتهاكاتِها لحقوق الإنسان أو إقامة علاقات أوثق مع تايوان الديمقراطية.
إن التطورات مثل مبادرة الاتحاد الأوروبي “البوابة العالمية” أو السياسة الخارجية “القائمة على القيم” التي تنتهجها الحكومة الألمانية الجديدة تبين أن هناك وعيًا متزايدًا بأن القيم لا بد وأن تكون جزءًا من سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين، ولكن ما زال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان هذا التغيير سوف يكون هيكليًّا؛ إذ يبدو أن المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتز، يُخفف من موقف حكومته من الصين على غرار المستشارة الألمانية السابقة.
ويختم الكاتب مقاله مشددًا على أن سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين التي تركز على الدفاع عن القيم التقدمية وسيادة القانون وحقوق الإنسان وتعزيزها، تشكِّل الاستجابة الصحيحة للتنافس الأيديولوجي الذي سوف تُشكِّل فيه القيمُ النظامَ الدولي في المستقبل، وكذلك تتماشى تلك السياسة مباشرة مع مصالحنا الخاصة – بحسب رؤية الكاتب- المتأصلة، رغم كل شيء، في نظام قائم على مبادئ التنوير.