الرئيسة \  مشاركات  \  بيان إخوان الأردن وموقف مجلس العموم البريطاني يخرجان من مشكاة واحدة!

بيان إخوان الأردن وموقف مجلس العموم البريطاني يخرجان من مشكاة واحدة!

04.09.2013
الطاهر إبراهيم



خرجت علينا جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ببيان صدر في عمان يوم السبت 31 آب المنصرم، (ترفض فيه التدخل الأجنبي، بخاصة العسكري الذي تحضّر له أمريكا والغرب علي سوريا). وقد لفت المحللين السياسيين تطابقُ هذا البيان مع بيان صدر في ليلة  الخميس 29 منه، عندما رفض مجلس العموم البريطاني الموافقة على توجيه ضربة لنظام بشار أسد قاتل الأطفال، لأنهم لا يريدون –حسب زعمهم- أن يكرروا مأساة الحرب على العراق عام 2003، عندما كذب عليهم "توني بلير" وزعم أن العراق يخبئ أسلحة دمار شامل.
قد لا نستغرب رفض مجلس العموم البريطاني، فهو ينسجم مع سياسة إزهاق الأرواح المسلمة ، كما عودتنا بريطانيا منذ أصدر وزير خارجيتها اللورد "جيمس بلفور" في 2 تشرين الثاني عام 1917 وعده الشهير الذي سمح بموجبه لليهود باستيطان فلسطين. لكننا نستغرب صدور مثل هذا البيان عن جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لجماعة الإخوان، وهي تدرك أكثر من غيرها كم عانى الشعب السوري الشقيق وجار الأردن الأقرب من جرائم نظام بشار. ولكم ينطبق موقفها مع القول: (أوردها سعد وسعد مشتمل    ما هكذا يا سعد تورد الإبل).  
ولا تقولنّ جبهة العمل الإسلامي أنها إنما ترفض تأييد واشنطن في قتل الشعب السوري حين لا توافق على قصفه بصواريخ أمريكية عمياء لا تفرق بين بيوت الآمنين السوريين وبين منشآت السلاح الكيماوي. ولنفس السبب كان عليها ألا ترفض القصف الأمريكي الذي قد يصيب بيوت المواطنين، لكنه في نفس الوقت يدمر دشم المدفعية التي أذاقت الشعب السوري الويل والثبور وعظائم الأمور. فمهما يكن حجم القتل في الشعب السوري الناجم عن هجوم أمريكي محتمل، فلن يكون أكبر من القتل الذي مارسه بشار أسد وشبيحته.
لنترك جانبا الوطنيات التي تعللت بها أنظمة عربية قمعية تحفظت على قرار الجامعة الأخير، مثل الجزائر والعراق، ولبنان الذي يحكمه حسن نصر الله، ولا تملك حكومته من الأمر شيئا. لنخاطب جبهة العمل الإسلامي باللغة التي تفهمها من خلال مبادئ إسلامية معروفة. فالمذاهب الإسلامية الأربعة تقرر بأنه يرتكب أخف الضررين إذا لم يكن هناك خيار ثالث، والمبدأ الذي يقول "وفي الشر خيار". وهناك المعاملة بالمثل يوم أرسل حافظ أسد الجيش السوري إلى حفر الباطن كي يقاتل العراق تحت راية الجيش الأمريكي في عام 1991.
"حماس" التي يعتبرها كثيرون أنها فرع من الإخوان الأردنيين كانت أبعد نظرا وأكثر إدراكا من إخوان الأردن الأم عندما نأت بنفسها عن اتخاذ موقف من هذه القضية الشائكة. فهي لم تؤذ الإخوان السوريين كما فعل بيان إخوان الأردن، فتركت موقفها مواربا، مع أن علاقتها بنظام بشار كان حسنا حتى عهد  قريب حين غادرت قيادتها سورية قبل أكثر من سنة.
لقد شدد حزب جبهة العمل الإسلامي في بيانه: (على أن التحالف العسكري الذي يعد لتوجيه ضربات عسكريه ضد سوريا لن يكون تدخله في مصلحة الشعب السوري، وإنما يستهدف بالدرجة الأولي تحقيق المصالح الصهيونية الأمريكية). ونحن نقول في أمريكا أكثر من ذلك. فهي أمدت إسرائيل بعناصر البقاء على مدى أكثر من نصف قرن، بل هي التي وطأت لحافظ أسد بانقلابه عام 1970، لكن ما حيلتنا بعد أن تخلى العالم كله عنا، فأصبحنا كما قال الشاعر:
(إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا     فما حيلة المضطر إلا ركوبها).
  فقد بقيت إسرائيل مستفيدة من القتل والتدمير الذي يمارسه نظام بشار القمعي ومازالت. لكنها أدركت بعد القصف بالسلاح الكيماوي الذي راح ضحيته أكثر من1400 شهيد في الغوطة، أن الخطر يتهددها، وأنه يجب تدمير المخزون السوري الكيماوي، حتى لا يقع في أيدي الفصائل الإسلامية السورية التي تحارب نظام بشار فحرضت واشنطن على قصفه.
ما قدمناه يعرفه السوريون ويعرفون أن واشنطن ليس في نيتها إسقاط نظام بشار. فهل ما يمنع ، مع استفادة إسرائيل، أن يستفيد السوريون من تدمير أسلحة بشار عند قصف واشنطن أسلحة الدمار الكيماوي التي خبئت مؤخرا في بيئة حاضنة في أحياء تؤيد بشار وتساهم،لشديد الأسف بجرائم بشار. قصف واشنطن للأسلحة الكيماوية تستفيد منه إسرائيل، لكن السوريين يستفيدون أيضا بإضعاف قدرة النظام أيضا عن متابعة القتل.
كان على جبهة العمل الإسلامي في الأردن أن تستشير الإخوان السوريين قبل أن تصدر بيانها آنفا. أهل مكة أدرى بشعابها وإخوان سورية أدرى بما يصلح لهم في سورية. لعل الإخوان في   الأردن يتذكرون يوم كانوا ينسقون مع حزب البعث في العشر الأول من هذا القرن كي لا ينال حماس الأذى من البعثيين،"فلم ينالوا  بلح الشام ولا عنب اليمن". وبالكاد خرجت قيادة حماس من دمشق، وذهبت زيارات قادة جبهة العمل الإسلامي أدراج الرياح.
*كاتب سوري