الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين الائتلاف السوري والحزب الشيوعي العراقي

بين الائتلاف السوري والحزب الشيوعي العراقي

09.07.2014
رستم محمود



الحياة
الثلاثاء 8/7/2014
لأمرين جوهريين، يبدو الإئتلاف السوري المعارض مطمئناً في استراتجيته السياسية البعيدة. فالغالبية المطلقة من الشعب السوري مناهضة لنظام الأسد، ولا يمكنها القبول بحكمه مجدداً تحت أي ظرف. الأمر الآخر يتعلق بالمجتمع الدولي، الذي بدوره لا يستطيع أن يعيد شرعنة حُكم الأسد بعد سيل الإتهامات له بالإجرام وممارسة الفظائع بحق شعبه منذ أكثر من ثلاث سنوات.
يعترف الائتلاف بأن راهنه السياسي والتنظيمي والميداني وحتى المالي سيء للغاية، وأن النظام يحقق اختراقات عسكرية وتكتيكات سياسية مهمة. لكنه يشير دوماً الى أن ذلك لا يعني شيئاً في المحصلة، ولهذين السببين المذكورين، يتيقن القائمون على الائتلاف من "إنتصارهم" في المحصلة.
قبل أكثر من ثلاثة أرباع قرن، كانت نزعة "تاريخانية" كتلك تنتاب الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان في أعوامه التأسيسية الأولى، وكان يحقق توسعاً جغرافياً وسكانياً في عموم مناطق العراق وقتها. الحزب الشيوعي كان يقرأ نفسه كجزء من الحركة "الثورية" اليسارية العالمية، ويرى في الملكية العراقية جزء من "الماضي" الذي لا بد من أن يهترئ بالتقادم القريب. كان الحزب مطمئن البال لكثافة انتشاره في القصبات الريفية العراقية، من أحياء مدينة الناصرية وحتى أرياف جبال أربيل، من كلدان الموصل مرورا بعشائر الفرات وليس انتهاء بشيعة الأهوار.
كان يرى في تحالفه الرصين مع المجتمعين العمالي والفلاحي المناهض لطبقة الأعيان "الجشعة" المستولية على واردات البلاد، وكذلك في طيب علاقته العضوية بالقوى الشيوعية العالمية، دافعاً لا يُرد في درب "دحر" الملكية العراقية.
حظرت السلطات الملكية تنظيم الحزب الشيوعي وقمعت كوادره، ثم في بداية الأربعينات أعدمت أمينه العام فهد، ولم تتحرك الطبقات الاجتماعية الموالية للحزب لكل ذلك، ولم تنطق الحركة الشيوعية العالمية الحليفة للحزب بحرف.
رأى الشيوعيون العراقيون في انقلاب عبد الكريم قاسم على الملكية عام 58 تحقيقاً لرؤيتهم، لكن قاسم ما لبث أن أغرته مخيلة "الزعيم الأوحد" وبدأ بكبح تطلعات الحزب حينما استشعر خطره. لم تصمد قواعد الحزب الشعبية مقابل هروات عسكر قاسم، ولم يتدخل الاتحاد السوفياتي لإنقاذهم من جبروته. حدث الأمر نفسه بعد أقل من خمس سنوات، حينما خرج الشيوعيون رفضاً للانقلاب البعثي في شباط (فبراير) 1963، لكن البعثين نفذوا أولى مجازرهم بهم، وأذابوا جثة أمينهم العام سلام عادل في الأسيد، من دون أن يحرك "حلفاؤهم" السوفيات ساكنا. بل عاد السوفيات للتحالف "الاستراتجي" مع البعثيين العراقيين بُعيد ذلك الحين بسنوات قليلة.
في السبعينات، عاد الشيوعيون بسذاجة الى التحالف مع البعثيين، وما إن كشف البعثيون جسدهم التنظيمي، حتى بطشوا بهم وهشموهم. وامتلأت زنازين العراق بالشيوعيين لسنوات طويلة، وقد حمل بعضهم القليل الأسلحة الفردية لمواجهة الجبروت الصدّامي، وتشتت كثيرهم في بقاع الأرض.
ولكوميديا حركة التاريخ، فإن منافيهم المفضلة لم تكن مدن وبلاد حلفائهم "الشيوعيين" الذين كانوا حكاماً، بل البلدان التي كان الشيوعيون العراقيون يريدون مدّ ثورتهم إليها بُعيد انتصارهم في عراقـ"ـهم".
ثم قبل الشيوعيون بالاحتلال الأميركي لبلادهم، لكنهم في تجارب الديموقراطية العراقية الجديدة، لم يحظوا سوى ببعض مئات من أصوات الناخبين، وهم الذين كانت جريدتهم المركزية توزع أكثر من نصف مليون نسخة في أوائل الستينات.
معضلة الحزب الشيوعي العراقي أنه كان يحيا في الأدبيات والتحليلات وأعماق الكتب، أكثر مما يعيش تفاصيل وتقاطعات منطقة بالغة التعقيدات دينياً وإثنياً ومذهبياً وجهوياً، منطقةٍ فيها كيانات مرتبطة بخطوط التصارعات الدولية ومنابع الطاقة ومهد الأديان وتعقيدات المقدس.
وعلى نحو مشابه، يبدو كأن ما يبني "أحلام" ويقينيات الائتلاف الوطني السوري المعارض مجرد وعود رجالات وزارات الخارجية في الغرف المغلقة، وليس استقراءهم الاحترافي لتعقيدات "المسألة السورية"، وآلام السوريين، التي لا تعني ولا توجع أحداً.
* كاتب سوري