الرئيسة \  مشاركات  \  بين الخلاف والاختلاف شعرة معاوية

بين الخلاف والاختلاف شعرة معاوية

15.12.2014
د. محمد أحمد الزعبي





المفهومان أعلاه ، وكما يبدوان لنا ، يتشابهان مبنىً ، ولكن، هل هما مختلفان من حيث المعنى؟ 
هذا ماسأحاول توضيحه في هذه المقالة التي دفعني إلى كتابتها مشادة كلامية حصلت بيني وبين أحد أصدقائي حول مضمون فقرة وردت في مقالة منشورة لي أشرت فيها الى أن العروبةوالإسلام إنما يمثلان وجه الميدالية وظهرها ، وهي ( أي الميدالية ) تفقد قيمتها المادية والمعنوية عند محاولة تجاوز أحد هذين الوجهين أو كليهما . الصديق ماركسي شيوعي ، وأنا محسوب على الجناح اليساري القريب من الماركسية في حزب البعث. أمّا السبب المباشر لهذه المشادّة الأخوية ، فهو طلب هذا الصديق مني ، أن أبتعد عن مثل هذه الأفكار (الإسلامية) التي تسيء إلى تاريخي العلماني التقدمي ( على حد تعبيره )، فالإسلام أصبح من الماضي ، وبالتالي فإنه لم يعد له علاقة بالحاضر. ( على حد تعبيره أيضاً ) . 
أنا هنا لاأريد أن أدافع عن الإسلام الذي أعتز بانتمائي إليه ، ولا عن التيار العلماني الذي أعتبر نفسي جزءاً منه ، وإنما أريد فقط أن أتوقف قليلا عند الفارق المفهومي بين الخلاف والاختلاف، لأتبين هل تدخل تلك المشادة الهاتفية بيني وبين صديقي الذي أقدره وأحترمه في إطار مفهوم الخلاف أم مفهوم الاختلاف ؟. 
لم أجد من الناحية المعجميةكبيرفارق بين هذين المفهومين ، ولكني وقعت على هذا الفارق في إطار الإستخدام الدارجلهذين المفهومين . فالرأي المختلف لايصل بالمختلفينعادة حد الضديّة، ومن هنا يقال " الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية "، ولعل مثل هذه الحالة من الاختلاف تدخل في إطار قول الإمام الشافعي لمختلف معه في الرأي " إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ، وإنرأيك خطأ يحتمل الصواب " أما قولك لصاحب رأي مخالف لرأيك " أنا أخالفك الرأي " ( أي ليس فقط أختلف معك في هذا الرأي ) ، فإنما يعني تطبيقياً ، أن الاختلاف هنا قد وصل مرحلة الضدّية . وفي التوقف عند هذا الفارق بين المفهومين ، وبالرغم من درجة الضدية التي أشرنا إليها ، يمكن الاستنتاج أن الفارق بينهما هو كمّي بصورة أساسية ، وذلك من حيث القرب والبعد من / عن هذه الضديّة ليس أكثر . 
وبالعودة إلى موضوع الخلاف / الاختلاف بيني وبين صديقي، حول موضوع العروبة والإسلامأرغب من جهتي أن أؤكد بصورة أساسية ، فيما يتعلق بهذا الموضوع ، على مايلي : 
1. ليس بالضرورة أن يكون العلماني ماركسياً ، أو أن يكون معاديا للدين ،إن العلمانية أشكال
 وألوان سواء على مستوى الزمان أو على مستوى المكان ، وإن العلمانية التي ارتضيناها لا 
 تزيد عن مقولة " الدين لله والوطن للجميع "، علماً أنه يدخل تحت مفهوم الجميع هنا كل أبناء
وبنات الوطن من كافة الملل والنحل ، الأمر الذي يعني أن مثل هذه العلمانية لاتنصب نفسها
 بديلاً للدين ( أي دين ) ، ولا تقف منه موقف العداء .
2. يعتبر الاسلام السياسي الوسطي المعتدل هو العدو الحقيقي للنظام السوري ( نظام عائلة الأسد )
 وبالتالي ، فإن كل من يعادي هذا الإسلام الوسطي المعتدل إنما يقف عملياً إلى جانب نظام عائلة
الأسد الديكتاتوري - العسكري - الطائفي ، سواء دري أم لم يدر . إن مقولة " عدو عدوي
صديقي " تنطبق هنا على كثير من أعداء هذا الإسلام الوسطي المعتدل ، ولا سيما أولئك الذين
 يصرون على مساواة الإسلام بداعش ، سواء أكانت داعش التطرف الإسلامي المرفوض ، أو
 داعش صنيعة بشار وأعوانه الأقربين والأبعدين .
3. لقد ولد الانسان من أبوين محددين زمانا ومكانا ، وهما من منحه الإسم واللقب والهوية القومية
والدينية ، ولقد كبر وترعرع في إطار هذه الهوية ، ومن العبث واللامعنى أن يقيّم المرؤ أخاه
في الوطن والمواطنة استناداً إلى هذا البعد الاجتماعي - التاريخي ، الذي يتساوى فيه هذان
 الأخوان. ولا حاجة إلى تذكير البعض بأن دستور المدينة ، الذي وضعه محمد ابن عبد الله
( نبي المسلمين) قد كان دستورا مدنيا بامتياز ، من حيث أنه أخذ بعين الاعتبار كل سكان المدينة
 بمن فيهم اليهود ، أي أنه لم يكن دستورا لجماعة المسلمين فقط .
4. إن قول البعض بأن زمن الإسلام قد ولّى ، وأصبح جزءا من التاريخ الماضي ، وأنه والعروبة
 لا يمثلان وجه الميدالية وظهرها ( كما ورد في مقالنا موضع نقد الصديق ) ، إنما يشير إلى
وجود ميدالية أخرى في رؤوس هذا البعض ، أحد وجهيها الحداثة ، والوجه الآخرأنظمة
سايكس- بيكو" ، وإذا كانت الحداثة لاتتعارض لامع الإسلام ولامع العروبة ، فإن أنظمة
 سايكسبيكوإنما تتعارض جذريا معهما ، وهما يتعارضان ـ أيضاً جذرياً ـ معها .
5. لايمكن بل ولا يجب ربط الحداثة ( فقط ) بالتطور التقني ( السيارة ، التلفون ، الإنترنت ، ..
الخ ) ، وإنماأيضاً بقيم العدالة والمساواة ، وأن يحب الإنسان لأخيه الإنسان مايحب لنفسه ،
وأن يتم توظيف التطور التقني لما فيه خدمة الإنسان ، وليس لما فيه تدميره وقتله ، كما
 حصل بالأمس في ناغازاكي وهوروشيما ، وكما حصل لاحقاً ( ويحصل اليوم ) في العراق ،
وكما يحصل اليوم في سوريا سواء على يد بشار أوعلى يد داعش أوعلى يد التحالف !!.
6. ان مقولتي " داعش " و " الإرهاب " إن هما إلاّ الوسيلة المثلى التي اخترعتهما و تستخدمها
ذئاب القرن الواحد والعشرين للسطو على أغنام العالم الثالث ، ومن بينها أغنام العرب
 والمسلمين ، وبالتحالف مع الحكام العرب ، المحسوبين على الأمة عرباً ومسلمين . ورحم
 الله عمرأبوريشة القائل:لايلام الذئب في سطوته إن يك الراعي عدو الغنم 
إن عيوننا كعرب وكمسلمين لابد أن تظل مفتوحة ، كي لاتأكلنا تلك الذئاب ، وكي لاتتمكن من
 ثورتنا الديموقراطية الشعبية ، وتتمكن بالتالي من ثورات الربيع العربيكلها .
 
7. أيها الصديق العزيز ، المعني في هذه المقالة ، إن دفاعي عن العروبة والإسلام ، لايشوه تاريخي العلماني والتقدمي والماركسي ( على حد تعبيرك ) ، إنما العكس هو الصحيح ، أي أن
الإلتزام التاريخي الصحيح والأخلاقي ، هو من يفرض عليّ وعليك أن ندافع عن هويتنا الوطنية والقومية والدينية التي تمتد جذورها أكثر من أصابع يدي ويديك معاً من القرون . وأيضاً أن ندافع عن شهداء ثورتنا السورية العظيمة ، الذين استشهدوا وهم يرددون " الشعب يريد إسقاط النظام " .
والسلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالحق .