الرئيسة \  تقارير  \  بين بوتين واردوغان: قمة سوتشي الناجحة عدا سوريا

بين بوتين واردوغان: قمة سوتشي الناجحة عدا سوريا

08.08.2022
منهل باريش


منهل باريش
القدس العربي
الاحد 7/8/2022
رفع العلم الإيراني في مطار منغ العسكري وعززت قوات النظام السوري مواقع جديدة في خطوط الجبهات مع الجيش الوطني السوري المعارض والجيش التركي في عفرين.
نجحت قمة سوتشي بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، الجمعة، بتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين إضافة إلى قضية القمح الأوكراني. إلا أنه من الواضح أنها أخفقت بشأن العملية العسكرية التركية التي تنوي أنقرة شنها ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. وتعتبر العملية العسكرية الهدف الرئيسي من زيارة اردوغان إلى روسيا، خصوصا بعد الرفض الإيراني الصريح على كافة المستويات لمطلب الرئيسي التركي، فحاول تدوير الزوايا مع بوتين منفردا. إلا أن مؤشرات رفض الكرملين لتلك العملية توضحت مع شطب المؤتمر الصحافي للزعيمين من برنامجها.
وأعرب بوتين قبيل لقائه اردوغان أنه سيناقش معه “قضايا إقليمية في مقدمتها الأزمة السورية، فتركيا تقدم إسهاما كبيرا في تطبيع الوضع هناك” بدون الخوض في التفاصيل.
وفي السياق، كان المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، أعلن قبل عدة أيام أن “المفاوضات ستخصص مع اردوغان لقضايا التعاون الثنائي والاقتصاد ومناقشة المشاكل الإقليمية، بالإضافة إلى سوريا وأوكرانيا”. ووصف بيسكوف المخاوف الأمنية التركية قبيل القمة أنها “مشروعة” واستدرك في تصريح للصحافيين “من المهم تجنب الأعمال التي يمكن أن تهدد سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية”.
وواجهت تركيا في قمة طهران 19 تموز (يوليو) رفضا مزدوجا من قبل روسيا وطهران للعملية العسكرية التركية التي أعلن اردوغان العزم على شنها منذ مطلع شهر حزيران (يونيو) غير مرة.
وتُصر تركيا على شن عملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد الذين تصنفهم على لوائح الإرهاب بصفتهم ذراع سوريا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا ضد الحكومة التركية منذ 1984. وأعلنت أنقرة نيتها شن عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية “PYD” وإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم، مستندة بذلك إلى اتفاقية أضنة الأمنية مع دمشق والتي وقعت في عهد الرئيس حافظ الأسد 1998 وتعديلاتها. وركزت في الآونة الأخيرة على شن هجوم على منطقة تل رفعت وتخلت نسبيا عن التهديد باجتياح منبج وبدأت حملة دعائية في تركيا والأوساط الإعلامية والسياسية بقرب موعد عملية تل رفعت التي ذكرها اردوغان في عدة خطابات ولقاءات داخل بلاده، وتجنب فتح معركة في منطقة شرق الفرات أو التهديد بالاجتياح باعتبارها منطقة نفوذ أمريكية ولا تفضل تركيا عودة التوتر مع أمريكا ودول حلف شمال الأطلسي لعدة أسباب، خصوصا بعد فرض شروطها على فنلندا والسويد، في قمة قادة الحلف بمدريد في 28 حزيران (يونيو) بما يتعلق بقضية حزب العمال الكردستاني وقادته المتواجدين هناك أو تسليم المطلوبين لأنقرة وهو ضمن الموافقة التركية على انضمام الدولتين إلى الحلف.
ويضاف إلى تلك الأسباب رغبة تركية بتلطيف الأجواء مع أمريكا من أجل تمرير صفقة تعمير وتعديل طائرات اف-16 التركية التي تشكل القوة الضاربة للأسطول الجوي التركي. ورفض الكونغرس الأمريكي لتلك الصفقة سيؤخر من مقدرات تركيا الجوية كونها تبلغ 80 طائرة ولا تقتصر الصفقة على تعديل وترقية هذا العدد الكبير، بل تسعى أنقرة إلى شراء 40 طائرة جديدة في أكبر صفقات شراء السلاح التي ترغب بها.
ميدانياً وفي سابقة رفع العلم الإيراني في مطار منغ العسكري القريب من مدينة إعزاز الحدودية مع تركيا، كذلك عززت قوات النظام السوري مواقع جديدة في خطوط الجبهات مع الجيش الوطني السوري المعارض والجيش التركي في عفرين. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن مناورات مشتركة بين جيش النظام وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في ريف حلب الشرقي. وبثت الوزارة في سياق التدريبات شريطا مصورا يظهر قيام القوات الروسية وجيش النظام بمناورات بالذخيرة الحية على أحد جوانب بحيرة الطبقة، شاركت فيها المقاتلات الجوية الروسية والطائرات المروحية الهجومية ونفذت مناورات برمائية وقفز من المروحيات في المياه، إضافة إلى عمليات قصف صاروخي. ولم يظهر في المناورة المعلنة أية مشاركة لـ “قسد” باعتبارها سبقت المناورات التي شاركت بها بنحو أسبوع.
ويعزز رفع العلم الإيراني في مطار منغ من رفض طهران للمعركة العسكرية التركية باعتبارها تهدد النفوذ والتواجد الشيعي في بلدتي نبل والزهراء بسبب التداخل بين منطقة تل رفعت والبلدتين المذكورتين، حيث يفصل بين المنطقتين بلدتا دير جمال وكفر نايل فيما تعتبر ماير ملاصقة لهما. وأي تغيير في خريطة السيطرة لصالح الجيش الوطني السوري المعارض الموالي لأنقرة يجعل البلدتين تحت نيران مدفعية الجيش المذكور ويجعل ذلك ورقة مساومة ضد إيران، وهي ما لا تفضله خصوصا بعد تجربتها السابقة عندما حاصرت فصائل المعارضة السورية ممثلة بجيش الفتح بلدتي الفوعة وكفريا وهما شيعيتان منذ السيطرة على مدينة إدلب في ربيع 2015 حتى إجلاء آخر المحاصرين من العسكريين والمدنيين 2018 في صفقة المدن الأربع الشهيرة وهما بلدتا الفوعة وكفريا مقابل الزبداني ومضايا.
ويضاف إلى أسباب الرفض الإيراني للعملية العسكرية التركية، الرغبة الإيرانية بالتحكم بطريق التجارة مستقبلا بين غازي عنتاب وحلب، وإبعاد تركيا عن مدينة حلب بالمعنى السياسي أيضا وتكريس خروج الأخيرة منها بعد عملية سقوطها بيد النظام وطرد فصائل المعارضة منها في كانون الأول (ديسمبر) 2016.
على صعيد آخر، فإن روسيا لا تفضل تغيير خريطة السيطرة في ريف حلب الشمالي لكي تبقي المقاتلين الأكراد كورقة ضغط على أنقرة وفصائل المعارضة بشكل دائم، كما أنها لا تريد دفعهم لان يصبحوا أكثر تشددا ضد النظام وان ينتهوا بالحضن الأمريكي دون رجعة، بعد أن أبدوا ليونة في المفاوضات عدة مرات وسمحوا للنظام السوري والقوات الروسية بالتقدم على عدة مناطق في شرق الفرات وتسليمهم لنقاط عسكرية عديدة للنظام لها رمزية عسكرية كبيرة ومنها اللواء 93 في عين عيسى غربي محافظة الرقة.
ويبدو من الجلي أن المنطقة الوحيدة التي توافق موسكو خلالها على عملية عسكرية تركية هو أن يكون محور الهجوم في منطقة شرق القامشلي وهي المنطقة التي فشلت روسيا بالوصول إليها عدة مرات والتمركز بها. وهي منطقة النفوذ الأمريكي والتي لا تسمح القوات الأمريكية بالتغلغل الروسي فيها وتعتبرها خطا أحمر. إلا أن أنقرة تتجنب ذلك في الوقت الحالي وتدرك عواقب الأمر، وتسعى إلى تهدئة التوتر مع واشنطن.
إن عدم مقدرة اردوغان انتزاع موافقة بوتين على العملية العسكرية في سوريا ضد المقاتلين الأكراد لا يعني انتهاء الإصرار التركي على العملية، ولكنه سيدفع الرئيس التركي للبحث عن سبب آخر وورقة مفاوضة جديدة يقدمها لبوتين مقابل إطلاق يده في شمال سوريا. ولعل الرفض الإيراني الروسي المزدوج سيجعله يبحث عن هدف لا يثير الرفض المزدوج، فاردوغان بحاجة لانتصار عسكري جديد ضد المقاتلين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني يسهل انتخابه لولاية رئاسية جديدة في الصيف المقبل.