الرئيسة \  تقارير  \  بين دمشق وكييف.. هل كانت سوريا حقل تجارب للسلاح الروسي قبل أوكرانيا؟

بين دمشق وكييف.. هل كانت سوريا حقل تجارب للسلاح الروسي قبل أوكرانيا؟

22.03.2022
ميرفت عوف


ميرفت عوف
الجزيرة
الاثنين 21/3/2022
في يوم التاسع من مارس/آذار الجاري، عاشت مدينة ماريوبول الأوكرانية مشهدا قادما من الجحيم، حين هرعت عشرات النساء الحوامل للنجاة بأنفسهن وبأطفالهن الرضع من حطام مبنى مستشفى النساء والولادة الذي كان يتعرَّض لقصف روسي عنيف. بدا الوضع شبيها إلى حد التطابق بالمدن السورية التي عاشت على وقع النيران الروسية لسنوات، فمدينة ماريوبول الواقعة في جنوب شرق أوكرانيا تعيش هي الأخرى منذ بداية الغزو الروسي بدون إمدادات غذائية أو مياه أو كهرباء أو تدفئة كالعديد من نظيراتها في سوريا.
لم يكن القصف الروسي لهذه المنشأة الصحية هو نقطة التشابه الوحيدة بين الحربين السورية والأوكرانية، فقد أكَّدت مصادر صحفية أن موسكو سبق أن استخدمت القنابل العنقودية بالقُرب من أحد المستشفيات بمنطقة دونيتسك مع بداية غزو القوات الروسية لأوكرانيا، وهو الأمر نفسه الذي عاشته الأراضي السورية حين قصف الطيران الروسي أحد المستشفيات السورية بريف حلب، أما الحصار الذي يضربه جنود الكرملين على بعض المدن الأوكرانية، فيستدعي إلى الذاكرة أيضا الحصار الدموي على حلب نفسها عام 2016، حين ساعد بوتين الأسد على خنق الثوار بمساعدة طهران، الحليف الثاني لدمشق.
ورغم أن التدخل الروسي الأخير في أوكرانيا هو حلقة في سلسلة من التدخلات العسكرية الروسية، بداية من جورجيا عام 2008، وشبه جزيرة القرم عام 2014، وسوريا عام 2015، فإن الحرب السورية بالذات لم تنفك تدخل في مقارنة مع الحرب الأوكرانية منذ بدأت قبل أسابيع قليلة، فقد مضى الروس للحرب في أوكرانيا بعد أن منحهم التدخل في سوريا ثقة أكبر في إمكانية العمل في مناطق أخرى خارج حدودهم الجغرافية.
سوريا.. حقل التجارب العسكري الروسي
بدأت موسكو في إرسال رسائلها الواضحة حول نِيَّتها غزو أوكرانيا من سوريا قبل يوم 24 فبراير/شباط الماضي، فقد نقلت موسكو في الثامن من فبراير/شباط 2022 ست سفن إنزال حربية من قاعدة طرطوس البحرية الروسية في سوريا إلى البحر الأسود بُغية المشاركة في مناورات عسكرية للجيش والبحرية الروسية، كما نشرت قاذفات طويلة المدى من طراز "Tupolev Tu-22 و"MiG-31K" التي تحمل صواريخ "Kazhal" في قاعدة حميميم الواقعة على الساحل الشمالي الغربي لسوريا، كما زادت القوات الروسية بالتزامن من انتهاكاتها لبروتوكولات عدم التضارب بينها وبين قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لتنسيق التحركات الجوية والبرية في سوريا.
استفادت روسيا من حضورها داخل الأراضي السورية منذ سنوات في أول تحرك عسكري خارج محيطها الجغرافي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، لضرب الكثير من العصافير بحجر واحد، فهي مبدئيا نجحت في إنقاذ حكومة النظام السوري ومَكَّنت قواته من البقاء والسيطرة على غالبية الأراضي السورية بتوجيهها ضربات مُوجِعة للثوار وللمراكز الحيوية المدنية كالمدارس والأسواق والمستشفيات، أما الاستفادة الثانية فقد كانت باستعراض قواتها واختبار صناعتها العسكرية أمام العالم.في هذا الصدد، قال سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، خلال لقاء له مع كوادر شركة "روست فيرتول" لصناعة المروحيات في يوليو/تموز الماضي إن بلاده اختبرت أكثر من 320 نوعا مختلفا من الأسلحة في سوريا، بما فيها مروحيات "روست فيرتول"، كما تفاخر المُتحدِّث نفسه بأن غالبية الأنظمة الروسية الحديثة التي استُخدِمت في سوريا تؤكِّد أن الجيش الروسي الحالي أضحى أكثر كفاءة، ولا يمت للجيش الذي ورثته البلاد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بصلة، كما أن زمن استعمال المعدات العسكرية المتهالكة قد ولَّى بلا عودة، بعد أن كانت روسيا قد عانت من هذه الأزمة في حربها الدامية ضد الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، وفي صراعها مع جورجيا عام 2008.
شكَّلت سوريا إذن ساحة اختبار حقيقية للأسلحة والتكتيكات الروسية في ظروف القتال، كما ساعدت الحرب السورية الجيش الروسي للاستعداد الجيد لأية مواجهات أخرى، إذ استخدمت موسكو في مُستهل تدخُّلها قاذفات الخطوط الأمامية القديمة من طراز "Su-24" التي أثبتت جدواها، قبل أن تعتمد في مرحلة ثانية على طائرات "Su-34s" الجديدة التي أظهرت فعالية قتالية عالية ستساعد في حالة نشوب صراع واسع في أوروبا. كما وفَّر العمل العسكري لموسكو في سوريا المجال لاختبار صواريخ كروز الروسية التي يتراوح مداها بين 1500-2000 كيلومتر، وهي صواريخ يمكن تجهيزها برأس حربي نووي بدأ تجريبها في الحرب السورية.
في هذا السياق، أظهر تقرير أصدره موقع "مليتيري فايلز" الحربي في مارس/آذار 2021 أن أكثر الأسلحة تطوُّرا التي استخدمتها روسيا في حربها على السوريين هي: مقاتلات "Su-24s"، و"Su-25" و"Su-35، و"Su-35، وطائرات "Tu-95، و"Tu-160"   إضافة إلى "Tu-22M3، كما شاركت مروحيات "Mi-28، و"Ka-52، وطائرات من دون طيار من طراز "Orlan-10، إضافة إلى أنظمة الدفاع الصاروخي "S-300، و"S-400، و"Pantsir-S1، و"Buk-M2" في دعم نظام بشار الأسد. وشملت الأسلحة البرية المستخدمة: مدرعات "Typhoon-K"، وراجمات "Tos-1" المحمولة على الدبابات بأنواعها، ودبابات "T-90، وناقلة الجند المدرعة "BTR-82A"، وغيرها.
الأسد يحاول رد الجميل
شكَّلت التحركات الروسية في أوكرانيا نسخة جديدة مما فعله رجال بوتين في سوريا، حيث استخدم الجيش الروسي الصواريخ والذخائر العنقودية المحظورة، مُعلِنا في الوقت نفسه عن إنشاء ممرات آمنة تُنظَّم توازيا مع القصف الذي لا يتوقف للسماح للمدنيين بالمغادرة، كما كان يحدث في سوريا أيضا، حيث انتهج الجيشان الروسي والسوري إستراتيجية محاصرة المدن والبلدات والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة ثم الإعلان عن فتح ممرات إنسانية بهدف فرض شروطهم على طاولة المفاوضات.
لذلك، لم يتردد النظام السورية منذ اللحظة الأولى في إعلان دعمه السياسي والإعلامي للحليف الروسي، فقد اعترفت دمشق بداية بـ"سيادة دونيتسك ولوغانسك" بوصفهما جمهوريتين مستقلتين، ووصف بشار الأسد الغزو الروسي لأوكرانيا بالعملية التي ستُصحِّح التاريخ، رابطا مصير بلاده بمصير حليفه الروسي حين أشار إلى مواجهة الطرفين لعدو واحد، ودخلت أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام السوري، هي الأخرى على الخط، حين التقت طفلة روسية في العاصمة دمشق فصرَّحت قائلة: "جنود المؤسسة العسكرية الروسية مع جنود الجيش السوري يقاتلون لحماية سوريا وروسيا معا، يقاتلون لتصحيح التاريخ ولتصويب البوصلة نحو الحق".
لم تكتفِ روسيا بهذا الدعم السياسي من نظام الأسد، بل كانت في حاجة إلى ما هو أهم من ذلك لتصديق نِيَّات السوريين في دعم موسكو، وهو بالطبع تزويد الجيش الروسي بمقاتلين سوريين أشرف هو نفسه على تدريبهم، وبالفعل جنَّدت موسكو مقاتلين سوريين متمكنين للمشاركة في الحرب مقابل رواتب تتراوح ما بين 200-300 دولار. وتُعوِّل موسكو على أن هؤلاء المقاتلين الذين خبروا الحرب بعد أن أمضوا عقدا كاملا في دروبها أثناء عملهم على قمع الثورة السورية، بجانب مشاركتهم في مطاردة أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، سيساعدون الجنود الروس على السيطرة على أوكرانيا التي ما زالت تقاوم غزو جارتها الشرقية. وقد شكَّك عدد من الخبراء في قدرة المقاتلين السوريين على تحقيق مآرب القيادة الروسية بسبب عدة عوامل، أولا عدم إلمام هؤلاء المقاتلين باللغة الأوكرانية، ثم ثانيا عدم درايتهم بالبيئة التي تشتعل فيها الحرب المختلفة كثيرا عن بيئة الشرق الأوسط، كما عبَّر عن ذلك تشارلز ليستر، الخبير في الشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة.
من جهتها لم تُبدِ إيران أي معارضة لإرسال نظام الأسد لمقاتلين إلى جبهة القتال في أوكرانيا، وهو ما يؤكِّده فاتح حسون، العميد السابق في الجيش السوري الذي قال مُعلِّقا على هذه النقطة: "يبدو أن إيران المُتحفِّظة على الحرب الروسية في أوكرانيا لا تُمانع تحركات الأسد تجاه روسيا، وهذا ما شجَّع الأسد لإفساح المجال لإرسال متطوعين سوريين إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب روسيا التي أمرت بعض الفصائل التابعة لها بتحضير مجموعات مُدرَّبة ولها خبرات قتالية جيدة في سوريا، أما بالنسبة الأسد فلا يمكنه رفض هذا الأمر لأنه ببساطة ليس صاحب القرار". وأضاف المتحدِّث نفسه في حديثه لـ "ميدان" أن رغبة روسيا في الاستعانة بالمرتزقة السوريين جاءت بسبب السمعة العنيفة والسيئة التي يُعرف بها مقاتلو النظام الذين لن يتورَّعوا عن ارتكاب الجرائم البشعة في حق الأوكرانيين لإخضاعهم، وهو ما يصب في صالح روسيا التي ستستفيد من هذه الممارسات دون أن تتورَّط قواتها في اقترافها.
كييف ليست دمشق
في الثامن من مارس/آذار الحالي، تلقَّى الروس ضربة جديدة تتعلَّق بخسارة عسكرية بشرية، عندما أُعلن عن مقتل رئيس أركان الجيش 41 الجنرال فيتالي جيراسيموف الذي قضى مع ضباط كبار آخرين في معارك شرق أوكرانيا، وبعد أيام فقط على مقتل جيراسيموف الذي كان قد شارك في حروب بلاده في الشيشان وسوريا وشبه جزيرة القرم، وصلت إلى الكرملين أخبار لا تقل سوءا تتعلَّق بمقتل الجنرال أندريه سوخوفيتسكي، الذي كان أيضا نائبا لقائد الجيش 41.
هذه الخسارات المهمة في صفوف القيادات الأولى للجيش الروسي تُشير ربما إلى اختلاف التحدي الذي تواجهه روسيا بين سوريا وأوكرانيا، إذ يرى فاتح حسون أن خسارات الروس في أوكرانيا ستكون أكبر لعدة اعتبارات، أولها أن سوريا كانت بالنسبة للروس ميدانا لاختبار قدرة أسلحتها على تدمير الأبنية السكنية وقتل الأفراد، فالعدو المفترَض بالنسبة لروسيا على الأراضي السورية كان مُمثَّلا في الجيش الحر والفصائل الثورية، وهي بمجملها مجموعات قتالية لا تصل إلى درجة الاحترافية الكاملة، إذ يظل مستواها بعيدا عن الجيوش النظامية التي تمتلك تدريبا عالي المستوى وترسانة سلاح فتاكة ودقيقة لتنفيذ عملياتها العسكرية.
ويشرح حسون في حديثه لـ "ميدان" هذه النقطة أكثر حين يقول: "لا تمتلك الفصائل المُشار إليها أية طائرات أو سفن حربية أو منظومات الدفاع الجوي، كما أنها لا تتوفر على وسائط اتصال حديثة أو منظومات الحرب الإلكترونية تُتيح التشويش الإلكتروني ولا حتى على صواريخ ذكية أو مدرعات أو مدافع ميدانية، اللهم إلا بعض القطع القليلة بل والنادرة المُستولَى عليها من نظام الأسد وتُعَدُّ بمنزلة الخردة نظرا لعدم توفر أية ذخيرة لها".
ورغم اختلاف الوضع بين البلدين، فإن الصور والأخبار الواردة من شرق أوروبا تؤكِّد نهج روسيا لسياسة الأرض المحروقة في أوكرانيا أيضا عبر استهدافها المباشر والكثيف للمدن الأوكرانية المحاصَرة حسب ما يفيد أحمد حمادة، الناشط السوري والمعتقل السابق في سجون نظام الأسد. وقال حمادة في حديثه لـ "ميدان" إن التدريب الميداني للطيارين الروس في سوريا أكسبهم خبرة عملية حسب ما أكَّده الطيارون أنفسهم، إذ منحتهم الساحة الروسية فرصة لاستخدام الأسلحة بعيدة المدى وذات التأثير الناري، ذلك لأن مهمة الروس في سوريا كانت تتلخَّص في تدمير الأهداف الخاصة بالثوار لدعم تحركات قوات النظام والميليشيات الإيرانية على الأرض، إذ سبق للقوات الجوية الروسية استخدام قنابل "Fab" المخصَّصة لتدمير الأنفاق والملاجئ، بالإضافة إلى الاعتماد على الطائرات القاذفة "سوخوي" بأنواعها، وكذلك صواريخ "كاليبر" بجانب الطائرات المُسيَّرة وطائرات الاستطلاع لتحقيق هذا الهدف.
ورغم هذا التدريب الكثيف الذي كان ضحيته آلاف السوريين الذين حاولوا الوقوف في وجه نظام الأسد، فإن الحرب الروسية الأوكرانية تبدو أكثر صعوبة وتعقيدا بالنسبة للقوات الروسية التي تجد صعوبة كبيرة في السيطرة على العاصمة الأوكرانية بعد نحو شهر من انطلاق الغزو الروسي للبلاد، ولعل مقتل بعض القيادات العسكرية ذات المراكز العليا مع الاستعانة بعدد من المقاتلين الأجانب من سوريا مثلا أو الشيشان يؤكِّد المعاناة الكبيرة التي يعيشها الجيش الروسي لحسم معاركه في أوكرانيا حتى الآن، بسبب استبسال الجانب الأوكراني الذي يقاتل نيابة عن المعسكر الغربي، ويحظى بدعمه المُطلق حتى اليوم.
المصدر : الجزيرة