الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين سيفاستوبل وطرطوس لعبة أممية كبرى

بين سيفاستوبل وطرطوس لعبة أممية كبرى

13.03.2014
علي بن حسن التواتي



عكاظ
الاربعاء 12/3/2014
كشفت الأزمة الأوكرانية عن جانب خطير لم يكن بهذا الوضوح من جوانب الأزمة السورية. وهذا الجانب يذكرنا  فعلا  بمقولة الممثل الكوميدي السوري نهاد قلعي الشائعة (إذا أردنا أن نعرف ما في إيطاليا فيجب أن نعرف ما في البرازيل).
والبرازيل هنا هي مقاطعة (القرم) الأوكرانية التي تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي وإدارة شؤونها بنفسها. والتي تستضيف في أكبر موانئها على البحر الأسود (سيفاستوبل) أسطول البحر الأسود، أكبر الأساطيل الروسية وأهمها، ويشكل هذا الميناء المستأجر من الحكومة الأوكرانية حتى 2017م أهمية كبرى لروسيا، باعتباره منفذها الرئيسي نحو المياه الدافئة عبر الدردنيل والمتوسط.. ولا يتوقع أن تقبل الحكومة الأوكرانية الجديدة الموالية للغرب بتمديد اتفاقية التأجير، خصوصا إذا ما ازدادت تقاربا مع الغرب حد الانضمام للاتحاد الأوربي وربما حلف شمال الأطلسي.
وبفقدان هذا الميناء تتحول روسيا إلى أشبه ما تكون بدولة مغلقة؛ لأن ميناءها الصغير على خليج كالينينجراد لا يمكن تحويله إلى قاعدة بحرية كبرى، بينما موانئها على الشواطئ الشرقية لسيبيريا يصعب إمدادها.
ولهذا تبذل روسيا أقصى ما تستطيع لاستعادة شبه جزيرة القرم التي تنازل عنها الزعيم السوفييتي (خروتشوف) ذو الأصول الأوكرانية لأوكرانيا سنة 1954م. وتلجأ روسيا لتحقيق أهدافها إلى عدة أساليب، منها التشكيك في حق خروتشوف أصلا في التنازل عن القرم، ورفض الاعتراف بالتغيير الذي حصل في كييف، والرهان على العرقية الروسية التي تشكل الأغلبية في المقاطعة المتنازع عليها، والاحتلال العسكري الصامت دون إعلان للحرب.
وتعرف روسيا جيدا أن معاهدات الحدود وهبات الأرض لا رجعة فيها بحسب القانون الدولي، وإلا فقد كان الأولى بها المطالبة باستعادة ألاسكا، أكبر ولاية أمريكية حاليا، والتي اشتراها الأمريكان من أحد القياصرة الروس بثمن زهيد. كما تعلم أنه لا يجوز لمقاطعة ضمن حدود دولة مستقلة ذات سيادة وعضوية في الأمم المتحدة أن تعقد استفتاء محليا من غير موافقة حكومة دولتها والمجتمع الدولي لتنضم إلى دولة أخرى. ولذلك تقوم روسيا بإغراق القرم بالقوات العسكرية لفرض أمر واقع باحتلالها تمهيدا لضمها إن أمكن أو استخدامها كورقة مساومة كبيرة تضمن تمديد اتفاقية تأجير القاعدة البحرية لسنوات طويلة وضمان عدم انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوربي.
أما عن علاقة سيفاستوبل بطرطوس، فيقول أمير طاهري المحلل الإيراني في المنفى بأن محادثات عقدت سنة 2002 بين موسكو ودمشق لتحويل طرطوس إلى قاعدة متعددة الأغراض الجوية والبحرية لاستخدام البلدين لتصبح قاعدة بديلة لسيفاستوبل في أسوأ الظروف. ولكن طاهري يرى أن الاستثمارات الأوربية التجارية المكثفة في طرطوس، والمعارضة الشعبية الكبيرة للأغلبية المسلمة للمشروع، إضافة إلى الطموحات الإيرانية بإيجاد موطئ قدم عسكري ثابت على الساحل السوري صعبت من التسريع في تحقيق هذا الهدف.
وهكذا يمكن تبين عامل استراتيجي إضافي خلف الموقف الروسي المتشدد تجاه أي تغيير في سوريا لا يكون تحت إشرافها وباختيارها ويضمن مصالحها في استمرار تواجد أسطولها في طرطوس. ولربما تلجأ القيادة الروسية في سوريا، إن لزم الأمر، إلى نفس أساليبها التي توظفها حاليا في أوكرانا برفض الاعتراف بأي تغيير لا يروق لها في دمشق ومساندة حكومة الأقلية العلوية في مزيد من التطهير العرقي والطائفي على ساحل المتوسط لتشكيل أغلبية علوية تمهيدا لعقد استفتاء في المناطق المطهرة عرقيا لإعلانها دولة مستقلة تعترف بها روسيا وتستجيب لطلبها بالحماية.
وبين سيفاستوبل وطرطوس تناضل روسيا بكل ما أوتيت من قوة على عدة جبهات عسكرية واقتصادية وجيوسياسية، في سبيل مصلحتها وفرض نفسها كقوة عظمى في شرق أوربا والشرق الأوسط. فهل تتمكن من ذلك؟ التاريخ يقول بأن الظروف التي تتحرك فيها القيادة الروسية تشبه تلك التي كان يتحرك بها النازي الألماني والفاشي الإيطالي وأن تكاتف الشعوب المقهورة والقوى العظمي سيوقف من يتمادى عند حده، فالعالم الآن يتفاهم ويوحد مواقفه ويصحو على خطر داهم، وسيثبت للجميع قريبا بأن لقمة القرم أكبر بكثير من فم الدب الروسي، وأن طرطوس لن تستضيف قاعدة روسية بديلة لسيفاستوبل، وأن على روسيا أن تتصرف في حدود إمكانياتها وتصحو من حلم الهيمنة والتمدد الإمبراطوري، فزمن الاتحاد السوفييتي ولى إلى غير رجعة.