الرئيسة \  تقارير  \  بين قوتين كبيرتين

بين قوتين كبيرتين

13.03.2022
تل ليف رام


معاريف
تل ليف رام 11/3/2022
الغد الاردنية
السبت 12/3/2022
الهجوم المنسوب لإسرائيل هذا الأسبوع في سورية، والذي قتل فيه ضابطان بمستوى متوسط من الحرس الثوري، لا يشكل في هذه المرحلة تعبيرا عن تغيير في السياسة الإسرائيلية وعن صعود درجة في المعركة تجاه إيران في محاولة لمنع تموضعها في المنطقة. في هذه المعركة، التي تجري منذ نحو عقد من الزمان، نفذ سلاح الجو حتى الآن مهام ذات مزايا مشابهة.
هذه المرة أيضا، بقدر ما هو معروف من المعلومات التي يمكن جمعها، لم يكن القتيلان الإيرانيان هدفا للهجوم. فقد كانا في المكان غير المناسب وفي الزمان غير المناسب، والهجوم الأخير يرتبط أغلب الظن بمشروع الصواريخ الدقيقة. يدور الحديث عن عملية مخططة ومهمة انتظرت نضج الظروف العملياتية والاستخبارية والتوقيت السليم، حيث إن إحدى الرسائل الإسرائيلية المهمة على خلفية الحرب في أوكرانيا والاتفاق النووي الذي يوشك على التوقيع، هي أن إسرائيل ستواصل العمل في هذا الوقت دون صلة بالتطورات في الساحة الدولية.
الرسائل، مثلما في مرات عديدة في الشرق الأوسط، تمر عبر الصواريخ والمواد المتفجرة، وإسرائيل تسعى لأن تحافظ على تواصل الأعمال العملياتية في ظل محاولة لقطع ما يجري عن الساحة الدولية. لكن الهدف الذي تم اختياره للهجوم لم يكن رمزيا. في الجيش درجوا على أن يسموا هدفا كذاك الذي هوجم كهدف ذي قيمة عليا، هدف نوعي بمجرد ضربه توجد أهمية عملياتية عالية نسبيا.
ضباط الحرس الثوري، كما يذكر لم يكونوا هدف الهجوم. فكجزء من سياسة العمل الإسرائيلية منذ نحو عقد، فإن أحد الشروط للعمليات في المعركة الجارية بين الحروب هو إدارة المخاطر التي في إطارها يسعى الجيش الإسرائيلي لأن يفي بأهدافه ضد إيران وحزب الله، دون أن يجتاز النقطة التي تتحول فيها المعركة الى تصعيد أمني وتقرب الحرب.
كجزء من هذا الفهم، في إسرائيل حذرون جدا في هذه الهجمات في هوية القتلى في الطرف الآخر. في هذه المعادلة يعد مقاتلو الميليشيات الشيعية بقيمة أقل، وإن كان حتى بالنسبة اليهم قتلهم ليس هدفا، والجيش الإسرائيلي يعمل على تقليص عدد المصابين حين تعمد منظمات المعارضة للحكم السوري مرات عديدة الى أن تضخم عمدا أعداد القتلى.
تجاه نشطاء حزب الله من اللبنانيين العاملين في سورية فإن هذه المعادلة أكثر تشددا انطلاقا من الفهم بأن القتلى اللبنانيين في سورية سيؤدون الى تصعيد أمني. ولهذا فإن سلاح الجو والاستخبارات يفعلان كثيرا كي لا يحصل هذا. في كل ما يتعلق بنشطاء الحرس الثوري، المعادلة الواضحة تجاه حزب الله أقل تشددا بقليل، ولكن ما تزال موجودة، وإسرائيل لا تعمل وفق عقيدة المس بهؤلاء النشطاء في سورية وتتخذ تجاههم أيضا جانب الحذر في الهجمات المنسوبة لسلاح جونا.
الجيش الإسرائيلي معني بأن يحقق أهدافه دون أن يدهور المنطقة الى حرب. فقتلى كثيرون في الطرف الآخر من شأنهم أن يخربوا على هذه الأهداف، وبالتالي فإن الجيش الإسرائيلي يدير المخاطر وأحيانا أيضا باختياره ألا ينفذ عملية معينة.
الى جانب ذلك، في السنوات الأخيرة، كما تقدر محافل إسرائيلية، قتل نشطاء من الحرس الثوري الإيراني في سورية في الهجمات المنسوبة لإسرائيل وفي طهران أبقوا على الصمت. أما هذه المرة فقد اتخذوا طريقا آخر وأخرجوا الى النور أمر موت النشطاء بفارق ساعات طويلة بعد أن ادعوا بداية في سورية بأن القتيلين في الهجوم الإسرائيلي كانا مواطنين سوريين. وعبر هذا البلاغ، فإن اتهام إسرائيل والوعد بالرد يبث الإيرانيون رسالة بأن الهجوم الأخير يخرج عن قواعد اللعب غير المكتوبة في المواجهة العسكرية بين الدولتين، والجارية منذ سنين على نار هادئة. كما أن هذا هو السبب الذي جعل الجيش الإسرائيلي يرفع مستوى التأهب في الشمال.
في نظرة الى السنوات الأخيرة، حين كانت إيران تؤطر التعهد وتهدد بالثأر فإنها تعمل على إخراجه الى حيز التنفيذ. وبشكل عام يدور الحديث عن قرار مرتب لتنفيذ عملية رد. ولهذا فإن التقدير في إسرائيل هو أن الإيرانيين سيردون. أما التوقيت وهوية القوة التي ستنفذ ذلك باسمهم أو بشكل مباشر فهما مسألتان مفتوحتان، ولهذا فإن التوتر في الساحة الشمالية كفيل بأن يتواصل لزمن طويل.
في السنوات الأخيرة، أحبط الجيش الإسرائيلي غير قليل من مثل هذه المحاولات مظهرا قدرات استخبارية وعملياتية مبهرة وبعض من هذه الحالات لم تنشر حتى اليوم. وفضلا عن القيمة العملياتية، فإن لإحباط هذه الأحداث توجد أهمية كبيرة في جانب الوعي أيضا.
سقوط أول لـ”اف 35
في جهاز الأمن يتعاطون بجدية مع التهديدات الرسمية من إيران. والتقدير هو أن محاولة الرد ستأتي، ولكن أيضا إن إيران لن تسارع الى الارتجال لأن أي فشل إضافي يكون أحيانا أسوأ من عدم الرد على الإطلاق.
داني سترينوبتس، رئيس سابق لفرع إيران في شعبة الاستخبارات، قال لـ”معاريف”: “سواء قصدت إسرائيل المس برجال الحرس الثوري في سورية أم لا، فمن المعقول أن يقدر محور المقاومة بأنه توجد محاولة إسرائيلية لتغيير قواعد اللعب في سورية”. ويتوقع سترينوبتس بأن إطلاق صواريخ دقيقة وطائرات مسلحة من سورية ستكون الخيارات المفضلة للإيرانيين.
التوازن في الرد من جانب الإيرانيين، والزمن الذي يستغرقهم الى أن يخرجوه الى حيز التنفيذ، والذي يمكن أن يستغرق أشهرا أحيانا، هي المبادئ التي تلاحظها إسرائيل كنمط دائم في السنوات الأخيرة. ولكن من الجهة الأخرى نحن لسنا في أيام عادية. وعندما تكون الساحة الدولية غير مستقرة والقوى العظمى تناكف الواحدة الأخرى، فهنا أيضا يكون من شأن التدهور الأمني أن يكون أسرع من المعتاد.
على خلفية وعي مشابه، اختار الجيش هذا الأسبوع أن يكشف، حتى قبل الهجوم في سورية عن اعتراض مُسيرتين خرجتا من إيران في الطريق الى إسرائيل مع إرسالية رمزية من الوسائل القتالية، وذلك أساسا لتنفيذ نوع من تجربة الأدوات. ويعظم النشر الإسرائيلي القدرة العملياتية لطائرة “اف 35” في إسقاط أول في العالم لأداة طائرة.
محظور الاستخفاف بالقدرات العسكرية الإيرانية، لكن إسقاط المسيرات وحقيقة أن شظاياها هبطت في نهاية الأمر في إسرائيل وفرت فرصة للتعرف على الطرف الآخر ومعرفة أنه إذا جانب القدرات الإيرانية المبهرة لتنفيذ هندسة تكنولوجية في الوسائل القتالية التي تقع في أيديهم، فإن نوعية المسيرات التي أسقطت وقدراتها على التملص ما تزال توجد في فارق كبير جدا مع القدرات الموازية لدى سلاح الجو وجيوش غربية أخرى.
يخيل أن الجيش الإسرائيلي في الإحاطات التي قدمها والتي تتجاوز مجرد عرض النجاح العملياتي دعا لأن يطلق رسائل تكشف من جهة استمرار المحاولات لتنفيذ أعمال هجومية ضد إسرائيل الى جانب نقاط الضعف العملياتية لدى إيران، وكذا التعاون الاستراتيجي الناشئ في السنوات الأخيرة بين إسرائيل ودول عديدة في المنطقة ضمن مفهوم العدو المشترك الواحد- أي إيران.
بعد أن حجبت هذه القضية عن النشر لسنة عن النشر لاعتبارات استراتيجية شرح الجيش توقيت الكشف كجزء من المعركة حيال إيران. والآن، قبيل التوقيع على الاتفاق النووي نضجت الظروف للنشر. ورد الجيش ردا باتا، الادعاءات في أن الكشف نبع من اعتبارات العلاقات العامة.
في الأيام العادية كانت التطورات الأخيرة في الساحة الشمالية ستحظى بعناوين كبيرة لكن الغزو الروسي لأوكرانيا يحرف كل الانتباه الدولي والمحلي الى هناك، مع آثار محتملة ذات مغزى كبير جدا على المصالح الإسرائيلية. مواضيع كثيرة جدا ثقيلة الوزن توجد الآن على جدول أعمال الساحة الأمنية- السياسية: الحرب في أوروبا وتداعياتها على إسرائيل؛ منظومة العلاقات حيال الأميركيين والروس؛ حافة التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران وكيف ستكون المواجهة له في اليوم التالي للتوقيع في ضوء حقيقة أن رفع العقوبات سيسمح لها باستثمار المزيد من الأموال في بناء القدرات العسكرية وتسليح حلفائها بالوسائل القتالية؛ تهديدات الى جانب فرص استراتيجية مثل زيارة رئيس الدولة إسحق هرتسوغ الى تركيا هذا الأسبوع ليحل ضيفا على اردوغان في تركيا، تلك الزيارة التي يشخص فيها جهاز الأمن بحذر فرصة إقليمية لتعزيز العلاقات بين الدولتين في المصلحة المشتركة تجاه إيران.
هذا هو المكان للإيضاح بأن هذه مصلحة وليست قصة حب متجددة، ولكن لا يمكن التقليل من أهمية زيارة هرتسوغ. فإيران تسعى لأن تعمق هيمنتها الإقليمية، ولكنها من جهة أخرى معزولة من ناحية سياسية بحيث أنه معقول الافتراض أنهم في طهران نظروا بقلق الى هذا التحسن المعين في العلاقات بين إسرائيل وتركيا.