الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين (أسلمة) الثورة في سوريا و(الثورة) في إسلامها: ملاحظاتٌ منهجية (9)

بين (أسلمة) الثورة في سوريا و(الثورة) في إسلامها: ملاحظاتٌ منهجية (9)

29.12.2014
د. وائل مرزا



المدينة
الاحد 28-12-2014
بين (أسلمة) الثورة في سوريا و(الثورة) في إسلامها: ملاحظاتٌ منهجية (9) ما هي المقدماتُ النفسية والفكرية والعملية لإحداث النقلة المُنتظرة الواردة في عنوان هذه السلسلة من المقالات؟ وماهي ملامح الإسلام بصورته الجديدة التي ستولدُ على الأرض السورية من مخاض ثورتها؟ ثمة إضاءات نقدمها على إجابات السؤالين في آخر حلقتين من حلقات السلسلة، اليوم وفي الأسبوع القادم. والبداية مع المقدمات.
تتمثل الخطوة الأولى في فتح المجال واسعاً أمام السوريين بشكلٍ عام، والباحثين والمثقفين والمتخصصين والكتاب منهم تحديداً، للبحث في كل ممارسات الإسلاميين السوريين بشكلٍ عام، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية تحديداً. خاصةً فيما يتعلق بالشرائح الثلاث ذات العلاقة: الساسة والعسكر والشرعيين، نقداً وتحليلاً ومراجعةً وحواراً، بموضوعية واحترام، ولكن بشفافية وصراحة، ودون حدود وممنوعات.
من المحبذ جداً أن يقوم الإسلاميون بالمبادرة لمثل هذه العملية، وسيكون هذا تطوراً يُحسب لهم من جانب، ويصب في تطوير أدائهم من جانب آخر. لكن قرارهم، المُتوقع، بالإعراض عن هذه المهمة يبقى شأناً خاصاً بهم. ورغم أنه سيكون من المُعيب جداً، أخلاقياً وشرعياً ومنهجياً، أن يحاولوا إعاقة مثل هذه العملية أو منعها، بأي ذرائع، إلا أن هذا لا يمنعنا من التأكيد هنا بأنها ستنطلق وتستمر، رَضيَ من رضي وكَرِهَ مَن كَره، ببساطة، لأنها نتيجةٌ طبيعيةٌ لقوانين الاجتماع البشري وسُننه.
وإذا كنا جديين في التعامل مع موضوع بحجم الثورة في سوريا، ودور الإسلام فيها تأثراً وتأثيراً، فالتذكير واجب بأن السؤال والنقد سيوجه أولَ ما يُوجه للأطراف المؤثرة في القضية أكثر من غيرها، وأن المراجعة، الداخلية والخارجية، يجب أن تتعلق بهم قبل أي طرفٍ آخر.
وللتوضيح. لا يكفي أن هؤلاء تصدوا بملء إرادتهم، وبكل وضوح وعلانيةٍ للشأن السوري العام. بل إنهم فَرضوا أنفسهم في ذلك الموقع باسم الإسلام. لهذا، سيكون طبيعياً، بكل المقاييس، أن يقوموا بمراجعات جذرية ومجردة وصادقة وشاملة لتقويم رؤيتهم وممارساتهم وأدائهم خلال المرحلة الماضية.
ما أشد حاجة الإسلاميين السوريين للتواضع الحقيقي والعميق في مثل هذه اللحظة التاريخية.. ما أحوجهم إلى قوةٍ نفسية وعقلية وعملية كبرى تُخرجهم من حصار قناعاتهم التي تضعهم، وتضع إسلامهم وبلدهم وأهلهم، في بؤرة الأزمة، وهم يرون أنفسهم (الحل)، وليس جزءاً منه فقط..
ما أعظم افتقارهم إلى إبصار (من البصيرة وليس فقط البصر) الجانب المأساوي من الواقع السوري اليوم، وإلى رؤية دورهم الأساسي في الوصول إليه..
أما إن كان خيارُهم التجاهل والقفز فوق كل الحقائق، فلا مهرب من أن يكونوا جاهزين للمساءلة بكل معانيها. لأن المفترض بهم أن يعرفوا تبعات الوجود الإرادي في هذه المواقع، ويدركوا طبيعة ومستتبعات المسؤولية الملقاة عليهم، وفي مقدمتها النقد والمساءلة والمتابعة. لا داعي هنا، فيما نحسب، لتذكيرهم بكل المعاني المتعلقة بمفهوم (المسؤولية) في الإسلام. بمعنى أن التهرب منه سيخصم، أمام الله والشعب والتاريخ، كل ما يمكن أن يتبقى لهم من صدقية، حتى للحديث باسم الإسلام.
ثم إن مثل هذه العمليات يجب أن تحصل، كما ذكرنا سابقاً، في العلن. إذ ليس مقبولاً على الإطلاق في مقام التعامل مع قضيةٍ وطنيةٍ عامة، لها أبعاد ثقافية وحضارية وسياسية إقليمية ودولية، التعللُ بشعارات تتحدث عن (المناصحة بالسر) و(العمل على الإصلاح من الداخل) و(الخوف من التخذيل ومن كشف الخصوصيات) وما إلى ذلك من المبررات.
فمن ناحية، لم يعد ثمة سرٌ مستور عن المعارضة السورية، وفي مقدمتها الإسلامية منها. أما التخذيل فحاصلٌ منذ زمن بسبب الفشل المتتالي عملياً في كل مجال، وما صاحَبهُ من خيبات. ومن ناحية ثانية، آن الأوان للانتقال مع الإسلاميين السوريين، برضاهم أو بدونه، من عقلية وطُرُق معالجة الأوضاع في الجماعة والحزب والتنظيم، إلى منهجية التعامل مع قضية وطنٍ وشعب بالجدية والموضوعية والشفافية المطلوبة.
لا مجال أيضاً للالتفاف على المسألة بدعوى الحديث عن (التكالب) على ثورة سوريا من قِبَل النظام الدولي. فهذا حديثٌ مهمٌ ومشروع، والكثيرون، بمن فيهم كاتب هذه الكلمات، يُقاربونه باستمرار، لكنه موضوعٌ آخر. والخطوة الأولى والحاسمة في التعامل معه تكمن فيما ندعو إليه من مراجعةٍ وتصحيح جذري في الرؤية والممارسة.
وكخطوةٍ أساسية، ستكون مقولة (الخوف على الإسلام) من المراجعات مرفوضةً بشكلٍ مُطلق. فالخوف الأكبرعليه لا ينبع من ممارستها، لأن المراجعات عمليةٌ جوهرية، يؤمن بها، منطقياً، كل من يؤمن بحفظ (الذكر) وصلاحيته لكل زمان ومكان، كآليةٍ أساسية لإثبات تلك الصلاحية. في حين يَزرعُ رفضُها الشك بقوةِ إيمانِ الرافض.
وإنما ينبع ذلك الخوف على الإسلام، قبل كل شيء، من التماهي فيه، بمعنى (أنا الإسلامُ والإسلامُ أنا)، حتى لو لم يُنطق ذلك بلسان المقال، وعدم انتباه من يفعلون ذلك إلى أنهم يجعلون الإسلام الكبير صغيراً، حين يُضفُوا عليه، دون أن يدروا، كل ما فيهم هُم من ضعفٍ ومَحدودية وقصور.
أما مجال البحث والدراسة والمراجعة فلا مفر من أن يبدأ من طريقة فهم الإسلام وتنزيله على حياة الناس كما كان سائداً في الواقع السوري على مدى العقود الماضية في أقل تقدير، مع ربط ذلك بجذروه في تاريخ المسلمين وواقعهم العام. وصولاً إلى طرح كل الإشكاليات التي نجمت عن ذلك في منهج تفكير وحركة الإسلاميين السوريين في أعوام الثورة، مروراً بالظواهر التي يعتبرونها (خارجية)، رغم ارتباطاتها الواضحة والكثيفة مع الفهم السائد للمدونة التراثية والفقهية، كما هو الحال مثلاً في موضوع (داعش).
يبقى سؤالٌ هام: من يَعمل في هذا المشروع الخطير والحساس؟ إن استقراء الواقع يؤكد وجود شريحةٍ من السوريين باتت تُركز على الإنتاج فيه. والاهتمام المتصاعد والكثيف به بين عموم السوريين واضحٌ ويحمل دلالات هامة. ولئن كان هذا الاهتمام العام وتلك الجهود الفردية المتفرقة مفيدةً وضرورية، بل وطبيعية حتى الآن، إلا أن جدية المسألة تفرض ظهور نقلة في خدمتها باتجاه المأسسة، بكل ما فيها من معاني التنظيم والتخطيط.
ستمضي العملية قُدُماً بزخمٍ متصاعد في كل الأحوال. لكن المرء يتساءل: لو أن مثل هذه العملية تمت بتنسيق وتعاون بين الإسلاميين، أو شريحةٍ مؤثرةٍ منهم، وبين باحثين ومتخصصين محايدين، كم سيكون هذا مفيداً لجميع الأطراف، وقبل ذلك وبعده، لسوريا وثورتها وإسلامها في نهاية المطاف؟!.