الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تأثيرات فوز ترامب علي التيار الإسلامي

تأثيرات فوز ترامب علي التيار الإسلامي

12.11.2016
هشام النجار


الاهرام
الخميس  10/11/2016
آمال التيار الإسلامي وفي مقدمته حركة الإخوان المسلمين كانت معقودة علي فوز هيلاري كلينتون بالانتخابات الأمريكية ووصولها للبيت الأبيض،
ليس لخطاب دونالد ترامب الذي وصف بالعنصري ولمواقفه من المهاجرين والإسلام الراديكالي، لكن لأن كلينتون تعد أحد أهم رموز مشروع تصدير التيار الإسلامي في المشهد السياسي، وتمثل امتدادًا لاستراتيجية التغيير داخل الدول العربية بتوظيف مختلف الطيف الإسلامي.
فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية أسوأ خبر من الممكن أن يصحو عليه الإخوان والجهاديون؛ لأن فوز هيلاري كلينتون كان سيفيدهم من عدة زوايا.
مواصلة استراتيجية الديمقراطيين في التعامل المناور والبطيء والمصلحي مع ملف الإرهاب، وهي الاستراتيجية التي أتاحت للإسلام السياسي هذا النفوذ الواسع بما أتاح له مناوءة مؤسسات الدول والتعامل مع أنظمة الحكم العربية بندية بما هدد حضور ومستقبل المؤسسات التقليدية في الحكم.
ومن ثم صار البديل الذي تهدد به القوي الغربية والإقليمية أنظمة الحكم العربية، وان لم ينجح كبديل كامل يتم طرحه وفرضه بما يشبه السلطة الموازية التي تسعي لتجربة انفصالية من خلال السيطرة علي مناطق واسعة وإقامة ما يشبه الحكم الذاتي عليها، وهو ما تحدث محاولات بشأنه في كل من العراق وليبيا وسوريا وراء طموحات رجب طيب أردوغان التوسعية، ليس فقط كما كان خلال العامين الماضيين من خلال حرب بالوكالة بدعم وتمويل كامل لتنظيمات مسلحة تكفيرية وجهادية وتابعة للإخوان، إنما بحرب مباشرة وبتدخل عسكري بجيوش نظامية بما لا يخرج بحال عن مفهوم الاحتلال العسكري للدول، وتنسجم هنا تصريحات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي "السابق" بشأن رفض بلاده لأن "يحتل" الجيش السوري "حلب"، بالرغم من كونها أرضا سورية، مع تصريحات أردوغان ومواقفه العملية علي الأرض بالسيطرة علي أراض تابعة لدول عربية بزعم تبعيتها السابقة للسلطنة العثمانية.
وأيضًا مواصلة مناورات وخدع ما أطلق عليه التفريق بين "الإسلام المعتدل" و"الإسلام المتطرف" التي استفاد منها بشكل كبير تيار الإخوان المسلمين في سوريا ثم فصائل محسوبة علي تنظيم القاعدة وعلي رأسها "جبهة النصرة فتح الشام"، وهي إستراتيجية أمريكية الصنع تبناها الديمقراطيون طوال فترتي حكم باراك أوباما، وقد أسبغت الغطاء السياسي علي ممارسات تنظيمات وفصائل تمارس العمل المسلح داخل البلاد العربية بزعم انتهاجها النهج المعتدل.
تسببت إستراتيجية إعادة التموضع الأمريكية في فراغ استراتيجي بمنطقة الشرق الأوسط وأعطت نفوذًا لإيران في المنطقة العربية وأتاحت حضورًا قويًا للتنظيمات الجهادية المسلحة، فلم تكن هناك قاعدة ولا "داعش" في سوريا، وإن كانت هناك مجموعات سورية الأصل من بقايا خلايا الإخوان المسلمين التي تحولت إلي العنف وتبني الصدام المسلح في مواجهة الدولة والنظام والتي انتقلت للعراق بعد الغزو ومن أعضائها من رحل إلي أفغانستان وعادوا بعد تلقي تدريبات قتالية وميدانية واكتساب مهارات عسكرية، لكن حضور القاعدة بعنوان "جبهة النصرة" وداعش وغيره من التنظيمات التكفيرية المسلحة في سوريا كان لاحقاً لتطورات الأحداث بناء علي استدعاءات الحالة ومتطلبات أطراف الصراع ومساعيهم لتحقيق مصالحهم من خلال توظيف تلك الخلايا والمجموعات في المعارك الدائرة علي الأرض ومن خلال توظيفها إعلاميًا ودعائيًا لتوجيه عناوين الأحداث الرئيسة في اتجاه آخر غير توصيفها الحقيقي ولإطالة أمد الصراع رهانًا علي الوقت.
اعتمد الديمقراطيون علي الجهاديين في صراع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو مع المحور الشرقي بزعامة الصين وروسيا، وهو ما أتاح لتلك التنظيمات التكفيرية المسلحة مساحة من الحرية لتنتشر وتسيطر علي مناطق جغرافية جديدة، بينما في حال حاجتها لإيران تغض الولايات المتحدة الطرف عن الميليشيات الشيعية التابعة لها وعن ممارساتها الطائفية الدموية وتقصر الحرب علي "داعش"، وهذا المنهج المصلحي غذي الإرهاب ولم يقض عليه؛ لأنه وفر له حاضنته الطائفية كردود أفعال في المجتمعات السنية، ووفر له الداعمين الإقليميين الموالين للولايات المتحدة.
ويري دونالد ترامب أن إدارة الديمقراطيين قد أعطت التنظيمات الإرهابية مسوغات الحضور والنفوذ والتوسع في منطقة الشرق الأوسط، منذ مغازلة أوباما للإخوان في جامعة القاهرة عام 2009م وتخلي أمريكا عن حلفائها في المنطقة وغض الطرف عن الإرهاب في سوريا، لتمر جميع التيارات التكفيرية والجهادية إلي الداخل السوري تحت عين وبصر أجهزة المخابرات الغربية وبرعاية مخابرات دول إقليمية، ظنًا أن هذه الاستراتيجية ستصرف جهود وطاقات الإرهاب المسلح فلا يضرب في العمق الأوروبي والأمريكي كما كان الحال منذ 11 سبتمبر،وسينشغل بصراعات الحرب والسلطة داخل البلاد العربية، فارتد الإرهاب إلي أوروبا وأمريكا بعد أن مزقت العراق وسوريا وليبيا واليمن، وفي عهد الديمقراطيين وصلت العلاقة مع روسيا إلي مستوي الحرب الباردة وكادت تشتعل مع الصين.
هذه السياسة التي اعتمدت بشكل كلي علي توظيف جماعات الإسلام السياسي والجهادي أفقدت الولايات المتحدة بريقها ونفوذها وحرمتها من حلفائها الذين اتجهوا بشكل أو بآخر للتعاون والتفاهم مع المحور الشرقي وأقاموا علاقات استراتيجية مع الصين وروسيا، بعد أن تهدد وجود ومستقبل الدول بهذه الاختراقات الأيديولوجية والمذهبية غير المسبوقة، وهذا من شأنه تراجع نفوذ الولايات المتحدة وراء الأطلسي، والسعي لخلق صيغة دولية جديدة لإدارة العالم من خلال نظام متعدد الأقطاب لإعادة ضبط تلك التنظيمات ووضعها في إطارها القانوني الصحيح وللحفاظ علي مصالح الدول ولاستعادة التوازن الطبيعي في موازين القوي الإقليمية.
في مؤتمر للناشطين والمدونين العرب عقد في سبتمبر عام 2010م في بودابست بحضور شخصيات ومؤسسات تابعة لإدارة الديمقراطيين الأمريكيين تحت عنوان "منتدي حرية الانترنت" أعلن فيه عن قرب موعد التحولات الديمقراطية العربية وبشرت توصيات المؤتمر بقرب تحول أكثر من دولة عربية باتجاه "الديمقراطية" وشاركت فيه مادلين أولبرايت وكونداليزا رايس وبيل كلينتون وهيلاري كلينتون.
وشارك في تلك المؤتمرات المفكر الأمريكي المعروف فرانسيس فوكاياما الذي قال في حوار له مع صحيفة إسرائيل اليوم 11 فبراير 2011م قال: "أعطت الثورات العربية لأمريكا الصدقية بالادعاء الحسي أنها أعادت الديمقراطية إلي العالم العربي وقدمت نموذجا لنظم عربية تجمع بين الإسلام والديمقراطية يمكن تعميمه علي البلدان العربية والإسلامية"!
وهو المشروع الذي شارك فيه من الجانب العربي والإسلامي شخصيات فاعلة في التيار الإسلامي مثل راشد الغنوشي ويوسف القرضاوي وأردوغان وعبد المنعم أبو الفتوح.. الخ، علاوة علي شخصيات محسوبة علي التيار الليبرالي، ونتيجة تلك المشاريع تدمير كامل أو جزئي للدول ومؤسساتها وجيوشها، وتصعيد وإشعال للتوترات والصراعات الطائفية والإثنية، وتطميع القوي والدول الإقليمية ذات الماضي الامبراطوري وعلي رأسها تركيا وإيران للتدخل في شئون الدول العربية وإعادة التوسع علي حساب أراضيها وحدودها، وضرب الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني بتلك الدول وتعريضها لأخطار التفكك والتقسيم.
ومن الطبيعي بعد انهيار سوريا وتقسيمها الي دويلات وحدوث فراغ استراتيجي علي أراضيها تحتله التنظيمات المتطرفة والتكفيرية جعلها أكبر مركز عالمي لاحتضان المنظمات الإرهابية وتدريبها وتصديرها إلي الخارج لاستكمال مشروع "الخلافة الأممي" وغزو المزيد من الدول وضم المزيد من " الولايات " المبايعة لمركز هذا المشروع، ومن الطبيعي بشكل تلقائي أن يكون المستهدف الأول بالاختراق والغزو "الإسلامي" المنطلق من سوريا الجديدة المقسمة بعد إسقاط نظام الأسد هو الدول العربية ثم روسيا الفيدرالية وباقي دول المحور الشرقي.
هذا التخبط الأمريكي كان مرشحًا للاستمرار بفوز كلينتون من خلال اتباع نفس السياسات والعلاقات الغامضة والمناورات، بما يتيح توالدًا متصاعدًا للتنظيمات الإرهابية ومزيداً من الانقسامات الطائفية والعرقية، ومزيداً من الاضطرابات والفوضي لعقود مقبلة.
وهو ما سيدفع دونالد ترامب وإدارته الجمهورية لإعادة النظر في جملة ملفات، وعلي رأسها العلاقة مع تيار الإخوان المسلمين الذي غذي فشله في مشهد السلطة تصاعد النشاط الإرهابي ،سواء من فصائل منتمية له أو من خارجه، وإعادة النظر في استراتيجية التعامل مع موسكو، وبعد أن كان نهج الديمقراطيين هو مشاكسة روسيا والسعي لتحجيمها وتهديدها بتوظيف طيف الإسلام السياسي والجهادي، سيعمد ترامب للتعاون مع بوتين في حربه الحاسمة والواضحة في مواجهة التنظيمات الإرهابية، بمعزل عن تهويمات "المعارضة المعتدلة" والاستثمارات الأمريكية في الحركات الراديكالية