الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تأشيرة دخول من سورية إلى غزة

تأشيرة دخول من سورية إلى غزة

11.08.2014
سامر فرنجيّة



الحياة
الاحد 10/8/2014
شكّلت استقالة الوزيرة البريطانية سعيدة وارسي من منصبها في وزارة الخارجية إشارة إضافية إلى الانعطاف في الرأي العام الغربي تجاه مسألة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وكان سبق هذه الاستقالة عدد من الأحداث الدالة، من تظاهرات داعمة لغزة في عدد من المدن الأوروبية إلى تصريحات لإعلاميين ومشاهير كسرت الصمت حول إسرائيل، تدّل كلها إلى أنّ شيئاً ما قد تغيّر في صورة هذا الصراع. فمهما كانت النتائج السياسية أو العسكرية لعملية "الجرف الصامد"، يبقى أمر واحد شبه أكيد هو أنّ حصانة إسرائيل الغربية باتت مهتزة نتيجة تغيّر هذا الرأي العام.
لم يأت هذا التحوّل في المناخ العام الغربي نتيجة جهود عربية أو فلسطينية فحسب، كما أشار حازم الأمين ("الحياة"، ٢٠١٤/٨/٣)، بل هو قد يعبّر عن تحوّل أعمق في تركيبة هذا الرأي العام. فعلى رغم أنّ أكثرية الأميركيين ما زالت داعة لإسرائيل، يشير بعض الإحصاءات الى انقلاب الصورة عند الفئات الشابة أو الأقليات العرقية، ما ينذر بتحوّل تجاه هذه المسألة. بهذا المعنى، ربما بدأ يثمر الصراع الطويل الأمد الذي أطلقته الجاليات العربية في الولايات المتحدة ومثقفوها، ولربما نجح في توطين هذه القضية وتكريسها كمسألة داخلية في الغرب.
تمحور الدعم الغربي المتزايد للقضية الفلسطينية حول تلك النقاط التي تربط الصراع بسياسات الدول الغربية. فالاعتراض على الحرب على غزة أخذ شكل اعتراض على بعض المواقف الرسمية أو على سياسات التمويل والتسليح الأميركية أو على التغطية الإعلامية المنحازة الى إسرائيل، على الأقلّ لدى المؤسسات الإعلامية الأساسية. وجاءت حملة المقاطعة لإسرائيل لتؤكد التشابك بين الغرب ومسألة فلسطين وتوسع هذا الارتباط. بهذا المعنى، لم تأتِ استقالة وارسي نتيجة القتل فحسب، بل كتشديد على أنّ المسألة الفلسطينية باتت، بمعنى ما، غربية.
وأشار بعضهم إلى التفاوت في المواقف بين غزة وسورية لدى الرأي العام هذا. فلم تحظَ القضية السورية، حتى في أيامها الأولى السابقة على التسليح و "النصرة" و "داعش"، بهذا الزخم من الدعم، ولم تتحوّل، على رغم المجازر والفظائع، إلى قضية رأي عام في الغرب. وقد يكون الأمر عائداً، كما أشار نعوم تشومسكي، إلى قلة الخبرة في التنظيم لدى الجاليات السورية في الغرب أو إلى قِصَر عمر الثورة الســورية ومآسيها (موقع الجمهورية، ٢٠١٣/٦/٢١). ولربما أمكن تفسير هذا الفشل في اجتذاب التضامن إلى تخبّط المعارضة السورية قبل بروز مجموعات جهادية يستحيل دعمها، أو إلى ربط هذه القضية ببعض رموز الحرب على العراق ممن هم منبوذون شعبياً.
هكذا لم تستطع الثورة السورية ابتكار مكان ما لها ولقضيتها لدى الرأي العام الغربي، وبقيت قضية خارجة عنه، أقرب إلى مأساة بعيدة ذات أسباب غير سياسية. وتجلّى الفارق بين غزة وسورية في طبيعة التضامن وأشكاله. فإذا كانت مسألة الحرب على غزة سياسية، تتطلب ردود فعل سياسية كالمقاطعة الاقتصادية والتنديد بالإعلام ومعارضة السياسات الخارجية وتفكيك خطابات العدو ومحاولة استمالة الرأي العام، بقيت المسألة السورية أقرب إلى كارثة خارجة عن السياسة لا تحتاج إلى أكثر من ردود فعل إنسانية نابعة من إحساس فضفاض بمسؤولية أخلاقية ما. هكذا، إذا كان المعنى السياسي لغزة هو إعادة النظر في سياسات الغرب، فمعنى سورية ينحصر في سياسات تأشيرات الدخول لأجيال من المهجرين الجدد.
والمقارنة بين كيفيتي التعاطي مع تينك المسألتين ليست دعوة إلى محاسبة هذا الرأي العام على معاييره المزدوجة، أو مطالبة ما تبقى من الثورة السورية بمراجعة لأسباب هذا الفشل. ذاك أن الاستنتاج الأول خاطئ فيما الثاني بات مستحيلاً. غير أنّ تلك المقارنة تسلّط بعضاً من الضوء على مسألة التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط السياسية. فمنذ حقبة صراعات التحرر الوطني توالت أشكال من التضامن، من محاربة الاستعمار إلى مساندة القضية الفلسطينية، وصولاً إلى مناهضة الحرب على العراق ثم الإرهاب أخيراً. وبالمقارنة مع ذاك التاريخ، تبدو المرحلة الحاضرة فاقدة لأية نقطة ارتكاز يمكن أن تبنى عليها أي شبكة من الدعم والمساندة، أو بمعنى آخر، أي إمكانية لتسييس الحدث. فغزة، على رغم كل مآسيها، ربما ما زالت تمكث في عالم السياسة. أما باقي المنطقة، فتُرِك محبوساً في عهد الصراعات الأهلية، وبات منطقة منكوبة لا تصلح لأكثر من الشفقة وبعض تأشيرات الدخول لأقلياتها.
والفارق بين غزة وسورية يضع طرفي علاقة التضامن أمام تحدٍ. ففي وجه المتضامِن الغربي، يرفع ذاك الفارق تحدي انحسار بقعة التخاطب مع العالم العربي، لينحصر فعل التضامن بقطاع غزة فقط، تاركاً باقي المشرق العربي في عالمه ما قبل الخطابي، أي ما قبل الصياغة. أما في وجه المتضامَن معه، فيبدو أنّ مدخله الوحيد للسياسة بات يمرّ بتأشيرة الدخول التي قد تعيده إلى عالم الخطاب.