الرئيسة \  تقارير  \  تأملات أفغانية بعد عام من سقوط كابول‏

تأملات أفغانية بعد عام من سقوط كابول‏

29.08.2022
فوزية كوفي


فوزية كوفي – (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) 15/8/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة ‏
الغد الاردنية
الاحد  28/8/2022‏
صادف 15 من آب (أغسطس) 2022 الذكرى السنوية الأولى لاستيلاء طالبان على أفغانستان.‏ وبالنظر وراء إلى ما حدث خلال هذا العام، فإن أي تسوية سياسية كان يمكن تحقيقها في المفاوضات، كانت ستفرز حصيلة أفضل من التحديات التي لا يمكن التغلب عليها التي تواجهها أفغانستان الآن. بعد الإعلان الأميركي عن الانسحاب، شرعت طالبان في تسريع تحركاتها في ساحة المعركة، على أساس افتراض أنها ستنتصر عسكريا. وبدأت المناطق في السقوط في يدها واحدة تلو الأخرى. وأصيبت قوات الأمن الأفغانية بالإحباط وفقدان المعنويات. كان الشعور السياسي والعام هو أن هذه هي نهاية التفاوض. وكان المفاوضون ما يزالون يحاولون أن يظلوا متفائلين وأن يواصلوا المفاوضات.‏
* *
في 12 أيلول (سبتمبر) 2020، اجتمع 21 ممثلا عن الحكومة الأفغانية مع أعضاء من حركة طالبان في العاصمة القطرية، الدوحة، للتفاوض على مستقبل أفغانستان في أعقاب انسحاب القوات الأميركية. وبصفتي نائبة رئيس البرلمان الأفغاني، حضرت تلك المفاوضات كواحدة من أربع نساء فقط، من مجموع 42 مفاوضًا. ومنذ البداية، واجهتُ أنا وزميلاتي عقبات أمام المشاركة في المحادثات. وفي حين أننا كنا قد شاركنا سابقاً وبنجاح في حوارات مع أعضاء من حركة طالبان في كل من موسكو والدوحة، فإن أعضاء طالبان كانوا هذه المرة مترددين في تحيتنا، أو حتى إجراء اتصال بصري معنا. كان هناك شعور مشترك بين العديد من الناس بأنه نظرًا لأن الرجالهم الذين يشاركون في الحروب، فيجب أن يكونوا هم الذين يعقدون اتفاقات السلام. وشعرت عندئذٍ بأنني ملزمة برفع صوتي وتمثيل نساء أفغانستان.‏
في وقت المفاوضات، كانت طالبان قد وعدت بأنها لن تشن أي هجمات في المدن الكبرى وأقسمت على أن قواتها ستبقى في القرى التي كانت تتمركز فيها سابقًا. لكنها تجاهلت، في انتهاك مباشر لاتفاق الدوحة، هذه الالتزامات وبدأت في شن هجمات. وانطلقت المفاوضات وسط ‏‏تصاعد القتال والعنف‏‏ في هلمند وبعض المقاطعات الشمالية. وافتُتحت المفاوضات بمناقشات حول الإجراءات والمبادئ والقواعد التي ينبغي أن تكون الأساس للمحادثات. وسرعان ما اختلف الطرفان حول ما إذا كان ينبغي استخدام “اتفاق الدوحة” أو الدستور الأفغاني كأساس. أرادت طالبان أن يكون اتفاق الدوحة – وهو اتفاق سلام بين الحكومة الأميركية وإمارة أفغانستان الإسلامية– هو الأساس للتفاوض، لأنه في حين أن الولايات المتحدة لم تعترف رسميًا بطالبان، فقد كان اسم الحركة مذكورًا في الوثيقة على أي حال.
وفي المقابل، اقترح ممثلو الحكومة الأفغانية وجوب استخدام الدستور، مجادلين بأن إرادة ومصالح الشعب الأفغاني هي التي ينبغي أن تكون أساس المفاوضات. وفي نهاية المطاف، تم التوصل إلى حل وسط يقضي باستخدام اتفاق الدوحة مع إدراج الدستور الأفغاني، الذي يؤطر أفغانستان بوضوح كجمهورية. وقد استمر هذا النقاش حول الوثيقة التي يجب استخدامها شهرين، مما أدى إلى تعطيل المفاوضات، كل ذلك بينما كان الناس يفقدون أرواحهم في أفغانستان.‏
كما عطلت الانتخابات الأميركية للعام 2020 سير المفاوضات أيضاً. كانت طالبان حريصة على معرفة من سيفوز في تلك الانتخابات. وظل ممثلو الحكومة الأفغانية في قطر للمشاركة في المفاوضات طوال ثلاثة أشهر، من أيلول (سبتمبر) إلى كانون الأول (ديسمبر) 2020، لكن طالبان رفضت الانضمام إلى المفاوضات. وفي شباط (فبراير)، بدأت المفاوضات أخيرًا. واعتقدت طالبان أن الإدارة الأميركية الجديدة ربما لا تشعر بأنها مرتبطة باتفاق الدوحة، وأن بإمكانها الانقلاب على استراتيجية الخروج من أفغانستان.
في شباط (فبراير) وآذار (مارس) 2021 ، كانت هناك محادثات جادة حول مستقبل الحكومة الأفغانية. أراد مفاوضو طالبان حكومة إسلامية، لكن المفاوضين الحكوميين طلبوا منهم توضيح ما يقصدونه بذلك على وجه التحديد، فالحكومة الإسلامية يمكن أن تكون جمهورية، أو أنها يمكن أن تكون شيئا آخر. وبحلول نهاية آذار (مارس)، توصل الطرفان إلى توافق في الآراء بشأن مشروع صيغة الاتفاق، وحماية وتعزيز قوات الأمن، والإصلاحات المحتملة لقوات الأمن وأشياء أخرى.‏
ولكن، على الرغم من هذا التقدم، ظل مفهوم الحكومة الإسلامية نقطة خلاف. ودارت محادثات حول نقل المفاوضات إلى مؤتمر لكبار القادة في اسطنبول –من دون التشاور مع الأطراف المتفاوضة. وأعلنت الولايات المتحدة وتركيا على الملأ أنهما ستستضيفان جولة من المفاوضات مع كبار القادة من طالبان والحكومة الأفغانية في تركيا. وكان كلا الطرفين مترددين لأنهما كانا حريصين على الحصول على نتيجة من المفاوضات، لأن كليهما كانا قد استثمرا الكثير من الوقت في قطر. ومع ذلك، اتفقت المجموعتان على الحضور. وكان المفاوضون والمبعوث الخاص للحكومة الأميركية يتنقلون ذهابًا وإيابًا بين كابول وقطر. وسط كل هذا، أعلنت الحكومة الأميركية انسحابها غير المشروط من أفغانستان، في ما شكل انتصاراً لطالبان.‏
بالنظر وراءاً إلى ما حدث، فإن أي تسوية سياسية كان يمكن تحقيقها في المفاوضات، كانت ستفرز حصيلة أفضل من التحديات التي لا يمكن التغلب عليها التي تواجهها أفغانستان الآن. بعد الإعلان الأميركي، شرعت طالبان في تسريع تحركاتها في ساحة المعركة، على أساس افتراض أنها ستنتصر عسكريًا. وبدأت المناطق في السقوط في يدها واحدة تلو الأخرى. وأصيبت قوات الأمن الأفغانية بالإحباط وفقدان المعنويات. كان الشعور السياسي والعام هو أن هذه هي نهاية التفاوض. وكان المفاوضون ما يزالون يحاولون أن يظلوا متفائلين وأن يواصلوا المفاوضات.‏
في الوقت نفسه، كان هناك فراغ في القيادة في أفغانستان. لم يكن الرئيس متأكدًا بشأن مكانه أو بشأن ما كان يفعله. كان يعين الناس في مناصب مختلفة، لكن الأوان كان قد فات. كان الاستسلام لطالبان قد بدأ في بعض المقاطعات، وبمجرد أن بدأ، أصبح من الصعب جدًا منع قوات الأمن من الاستسلام لطالبان. وكانت مراكز العديد من عواصم المقاطعات قد أصبحت في يد طالبان بحلول تموز (يوليو).‏
لو أنه تم تأخير الانسحاب الأميركي، ولو قليلاً، وتم تنفيذه بطريقة أكثر شفافية ومنهجية ومسؤولية، لربما كانت قوات الأمن الأفغانية ستتمكن من التعامل مع الوضع بشكل أكثر فعالية. وبالإضافة إلى ذلك، لو أنه تم التعامل مع المفاوضات بين حكومة الولايات المتحدة وطالبان والحكومة الأفغانية بمزيد من العناية والتعقل، مع أخذ الحساسية السياسية للبلاد بعين الاعتبار، لكان من الممكن تجنب الانهيار المطلق الذي حدث للمؤسسات الأفغانية. ‏
‏مع استمرار الحكومة الأفغانية في فقدان السلطة والسيطرة على الأراضي في آب (أغسطس) 2021، عقد كبار القادة الأفغان اجتماعًا مع الرئيس. وفيه حذروا من أنه قبل أن يزداد الوضع سوءا، يترتب على الرئيس غني إعطاء المزيد من السلطة لكبار القادة حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات أكثر تأثيرًا في قطر، ووافق على ذلك.‏
كان القرار هو الموافقة على اتفاق انتقالي لتقاسم السلطة في غضون 20 يوما أو شهر. وكان من المفترض أن يذهب الوفد الحكومي إلى الدوحة من أجل ذلك. وقال غني في 12 آب (أغسطس) أن الحكومة الأفغانية لديها القدرة على تنفيذ مثل هذا الاتفاق. لكن الأمور تغيرت صباح يوم 15 آب (أغسطس) عندما غادر الرئيس البلاد. وفي أعقاب ذلك جاءت الفوضى، ولم تعد طالبان ترى، بطبيعة الحال، أي سبب للمزيد من التفاوض.‏
‏في 15 آب (أغسطس)، عندما استولت طالبان على كل أفغانستان، كان هناك اندفاع للهروب، لكن الناس لم يعرفوا إلى أين كانوا يفرون. كانت كابول تضج بحركة المرور، وكانت السيارات تسير في طوابير في جميع أنحاء المدينة، وكان الجميع خارج منازلهم. وشاركت العديد من العائلات التحديثات حول مكان وجود طالبان عبر تطبيق “واتسآب”.‏
منذ استيلائها على السلطة، أصدرت طالبان ‏‏قرارات وانتهجت سياسات‏‏ لا حصر لها تقضي على حقوق المرأة، وأصبح الملايين من الأفغان معرضين الآن لخطر الفقر، وما تزال المعارك النشطة مستمرة في أجزاء من أفغانستان. قبل عاشوراء، وهو احتفال ديني، قتل أو جرح 150 شخصًا في هجمات تبناها تنظيم “داعش”. ثم قُتل أيمن الظواهري بعد بضعة أيام في كابول، في مؤشر على أن طالبان لم تفِ بوعدها الخاصة بالانفصال عن تنظيم القاعدة وغيره من المتطرفين العسكريين. والحقيقة، فوق كل شيء، هي أن طالبان ما تزال تنكر التحولات التي حدثت في حقوق المرأة على مدى السنوات وفي العقد الماضي. ويجب عليها أن تعترف بهذا التحول وأن تتبانه وتتكيف معه.‏
إذا ظلت طالبان تسيطر على أفغانستان، فهناك مخاوف من أن يبدأ المواطنون في التشكيك في القيم الديمقراطية. ويحتاج الشعب الأفغاني إلى استعادة نظام قائم على الدستور وإلى حكومة قادرة على تمثيله. ويمكن أن يكون الحوار السياسي أساساً لاستعادة هذه العناصر.‏
‏كما أن مثل هذا الحوار حاسم أيضاً بينما يبدأ المسؤولون الأفغان السابقون في حشد أنفسهم أو إعادة تعبئة أنفسهم كسياسيين. إن الشعب الأفغاني مستاء جدًا من العديد من السياسيين في البلاد، ويشعر المواطنون بأن السياسيين قد تخلوا عنهم، وأن طالبان لم تتمكن من الاستيلاء على السلطة إلا بسبب إخفاقات السياسيين وأعمال الفساد.‏
إذا نظرنا وراء إلى العام الماضي، فسنرى أن النتيجة كانت لتختلف كثيراً لو أن الانسحاب الأميركي لم يكن غير مشروط، ولو لم يتم تنفيذه بهذه السرعة، وتم منح المزيد من الوقت للمفاوضات، ولو كانت هناك سلسلة من المحادثات الجادة بين الحكومة الأميركية، وطالبان، والمجتمع الأفغاني. ولكن، بدلاً من ذلك، فقد الشعب الأفغاني السيطرة تمامًا على حاضر بلده ومستقبله على حد سواء.‏
تستطيع الولايات المتحدة الآن مساعدة المجتمعين، السياسي والمدني، في أفغانستان على الالتقاء والعمل معاً وتطوير تسوية سياسية حتى يتمكن الأفغان من العودة إلى بلدهم. وإذا ركز المجتمع الدولي فقط على حقوق المرأة ونسي سياق الوضع وتعقيداته، فإن حقوق المرأة ستكون أكثر هشاشة فحسب، وسوف تستخدمها طالبان كوسيلة للضغط. وتقوم طالبان حاليًا بتسليح الأيديولوجية الدينية لتبرير إخضاع المرأة.‏
إن استيلاء طالبان على أفغانستان وما تلاه من القضاء على حقوق المواطنين وحرياتهم، ولا سيما النساء والفتيات، ليس سوى صورة مصغرة للكفاح من أجل حقوق الإنسان على الصعيد العالمي. وإذا استمر الشعب الأفغاني في السماح لطالبان بالاحتفاظ بالسيطرة المطلقة على أفغانستان من دون مساءلة، فسوف يؤدي ذلك إلى عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية وخيمة تتردد أصداؤها في جميع أنحاء العالم، وتساعد في تمكين القادة والحركات المناهضة لحقوق المرأة. لا يمكن السماح بحدوث مثل هذا التراجع، ويجب على البلدان أن تتعاون مع الشعب الأفغاني لاستعادة النظام الدستوري وحقوق جميع المواطنين، ولا سيما النساء والفتيات، في أفغانستان.‏
‏*فوزية كوفي Fawzia Koofi: هي زميلة زائرة في مشروع الازدهار والتنمية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Reflections on the Fall of Kabul One Year Later