الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تفاهم طهران وواشنطن قد يحول دون تداعي المنطقة وينهي سلطة الأسد

تفاهم طهران وواشنطن قد يحول دون تداعي المنطقة وينهي سلطة الأسد

03.12.2013
مصطفى كركوتي


الحياة
الاثنين 2/12/2013
يوم الأحد قبل الماضي انطلقت في جنيف الخطوة الأولى لتفاهم أميركي - إيراني شامل ستظهر معالمه في الأشهر القليلة المقبلة، إذ بات ممكناً من الآن البدء في وضع أسس وقف التداعي المميت في الشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن تتوزع دول المنطقة نتائج هذا التفاهم، حيث تشكل أهميته علامة تاريخية فارقة في رسم مرحلة جديدة للعلاقات بين دول المنطقة بعضها ببعض من جهة، وعلاقاتها مع العالم من جهة أخرى، فضلاً عن أنها تقدم فرصة نادرة في الدرجة الأولى لإنقاذ دول «الربيع العربي» – لا سيما سورية - من نفسها.
وينبغي تذكّر أن إيران – الدولة الأهم في المنطقة - وحدها ناقشت (من دون تفويض طبعاً) في جنيف جميع هموم المنطقة ومشاكلها، وليس علاقاتها الثنائية فحسب. كما أنها التقت في جنيف مع العالم كله ممثلاً بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، ذات المصالح الحيوية في إيران والشرق الأوسط (شاملاً الخليج) وآسيا. وينبغي من ناحية أخرى اعتبار هذا التفاهم بداية لمرحلة جديدة تماماً من تفكير الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا الأهم والأكبر (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)، إزاء دول منطقتنا.
وفي ما عدا سنوات «الحرب الباردة» في مطلع الستينات وانهيار الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، يتحدد هذا التفكير، في جلّ الأحوال، بتصور الولايات المتحدة للعالم وتوجهات العملية السياسية التي تقودها فيه طوال العقود الثلاثة الأخيرة. رئاسة جورج بوش الأب أدخلت المنطقة والعالم في آن واحد في مرحلة «التدخل» العسكري المباشر (تحـرير الـكـويـت)، في حـين أن إدارة كـل من بيـل كلنتون وجـورج بوش الابـن أدخـلتـاهـا في مـرحـلة «المشاركة في الأعباء» وتفرض إدارة باراك أوبامـا الآن على المـنطـقة والـعالـم بتفـاهـمها المبدئي مع إيران في جنيف، مرحلة «توزيع الأدوار والمهمات» بينها وبين حلفائها الأوروبيين في الدرجة الأولى.
وهذا يعني بالضرورة تغيير الخريطة لتحرك سياسة واشنطن الخارجية وانتقال تركيزها المباشر والرئيسي من الشرق الأوسط إلى آسيا. لقد انتهت تماماً سياسة أميركا الخارجية في الشرق الأوسط تحت عنوان «مواجهة محور الشر» (إيران والعراق وكوريا الشمالية) التي أطـلقها بوش الابـن عام 2002. ولـعل أول الـغـيث لـهذا التـغـيير إرسـال أوباما يوم الإثنين الماضي قاذفتين من نوع «بي - 52» انطلقتا من القاعدة الأميركية في «غوام»، للتحليق فوق جزيرتين ذواتَي أهمية استراتيجية لوجود الغاز الطبيعي فيهما، تـقـعـان في منـطــقة بحر شـرق الصين تتنازع هذه الأخيرة واليابان عليهما. والجزيرتان، وهما جزء من خمس جزر كان رجل أعمال ياباني يملك ثلاثاً منها باعها إلى اليابان عام 2012، تقعان في منطقة تدعى بالياباني «سينكاكو» وبالصيني «دياويو»، بين الصين واليابان وتايوان وجنوب كوريا، أعلنت الصين يوم السبت قبل الماضي أن الجزيرتين تقعان في مجالها الجوي.
رد فعل فوري جاء من واشنطن على لسان وزير الدفاع تشاك هاغل إذ وصف إعلان الصين ذاك بأنها «محاولة لزعزعة الاستقرار وتغيير الوضع الراهن في تلك المنطقة». واهتمام الولايات المتحدة التي لها 70 ألف جندي في اليابان وكوريا الجنوبية بهذه القضية، إشارة واضحة إلى أن واشنطن لا تعترف بإعلان الصين أن الجزر تقع في مجالها الجوي وتأكيد لحلفائها في المنطقة، لا سيما اليابان التي تعتبر الجزر في مجالها الجوي هي، التزاماتها الأمنية بدعم هؤلاء الحلفاء. ولكن الأهم من هذا وذاك، هو تشديد الولايات المتحدة على أنها باتت لاعباً رئيساً واستراتيجياً أمام الصين في المنطقة الممتدة من بحر اليابان والبحر الأصفر إلى بحر شرق الصين وبحر جنوبها. وكي تنقل الولايات المتحدة المركز الحيوي في سياستها الخارجية إلى هذه المناطق في آسيا عليها أن تريح نفسها من أعباء أمن الشرق الأوسط وتضمن استقرار أفغانستان والعراق بعد خروجها العسكري المباشر منهما، كان لا بد من التوصل إلى تفاهم ما مع إيران والبدء بنسج شبكة علاقات طبيعية مع طهران في الأشهر والسنوات المقبلة.
ليس من المتوقع أن تغير إيران سياستها الراهنة على الفور، ولكن من الطبيعي أن يحدث هذا التغيير في المستقبل المنظور، وبالتدريج، إذا كان سيكتب النجاح للتفاهم الأميركي - الإيراني. هذا التفاهم سيتطور في شكل جيد وإن واجه بعض العثرات بين الحين والآخر لوجود مصلحة حيوية لطرفيه: إيران لجهة الحيلولة دون الوقوع بين براثن حالة خطيرة من التداعي الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن فشل الإدارة السياسية في البلاد، والولايات المتحدة لجهة معالجة الديون والأزمة الاقتصادية حيث بلغت كلفة مشروعها العراقي وحده 2.2 تريليون دولار بين 2003 و2013. وبطـبـيعة الحال نجاح هـذا التفـاهم سـيحـقق لقــيادة كل من أوبـاما والرئـيس الإيـراني الجـديد حـسن روحـاني «الـمبارك» من قبل المرشد الأعلى خامنئي، اختراقاً سياسياً قد يكون الأهم في دورة الـرئاسـة الثـانية لـلأول، ودورة الرئـاسـة الأولـى للثاني (فيما لو أعيد انتخاب روحاني عام 2017).
هذا التفاهم يضع أوروبا، ودول الاتحاد الأوروبي بالتحديد، أمام مسؤولية مباشرة عن أمن الشرق الأوسط واستقراره الذي هو بمثابة الخاصرة لأوروبا. وتجب الإشارة هنا إلى أن الذي يفصل بين دول الاضطراب في المنطقة، وتحديداً الدولة الفاشلة سورية والعراق ودول «الربيع العربي» المزعزعة، هي تركيا. صحيح أن الأخيرة ليست عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي ولكن علاقاتها مع الاتحاد استراتيجية وحيوية، إلا أنها أهم عضو في حلف «الناتو» بعد ألمانيا، فإن زعزعة الاستقرار في دول الجوار (سـورية والعراق وإيران) سـيؤثر في اسـتقرار تركيا من دون شك، وهو سيؤثر في الاتحاد الأوروبي. فليتخيل أحدنا، لو أصبحت تـركيا كـاملة العـضـوية في الاتحاد الأوروبي، لأصبحت سورية والعراق وإيران دول جوار مباشر للاتحاد. الاتحاد الأوروبي البالغ عدد أعضائه الآن 28 دولة، يسير نحو النمو والازدهار بعد ماض دموي ومأسوي لن يسمح لأي من دول الجـوار بتهديـد اسـتقراره ومستقبل شـعوبه.
وإذا كان التفاهم الأميركي – الإيراني لينجح فهذا يعتمد في الدرجة الأولى على طهران ويبدو من خلال استقبال الطهرانيين للتفاهم بالطبول والفرح وخروجهم إلى شوارع العاصمة يوم عودة وزير خارجية إيران محمد جواد نظيف، أن هناك «مباركة» غير محدودة للتفاهم من أعلى هـرم في الـسلـطة لأنه في رأي الجميع - حتى المتطرفين من «الحرس الثـوري» - حان الوقت لإنقاذ إيران من براثـن الـتداعـي الـمقـبل الذي يـهددها بتـصنـيف «الدولـة الفاشـلة». لـقد أدرك الإيرانيون بمعظم أطيافهم أن القـطيعة الكاملة مع أميركا على مدى أكثر من ثلاثة عقود تزيدهم فقراً وتـخلفـاً عن ركب الأمم الأخرى، وبات لا بد من وضـع نـهاية لـمرحلة كان شـعارهـا منذ عام 1979 «الشيطان الأكبر» ودخول العقلانية للسياسة الإيرانية.
وهذا لا يعني بالضرورة إقامة تحالف جديد في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران واستبداله بعلاقات الصداقة المتينة مع دول الخليج الأخرى، بالتالي فإن الملاحظ أن ثمة مبالغة غير مفهومة في رد الفعل المقلق والمرتبك لهذه الدول المعروفة تاريخياً بعلاقات متينة ومستقرة مع الغرب المستهلك نفوطها. فالمتوقع أن تُجرى في علاقات أميركا والغرب عموماً مع دول الخليج بعربها وفرسها، نقلة في الأولويات، لا تغيير في التحالفات. هذه النقلة ستنعكس إيجاباً ومباشرة على الوضع المتداعي في سورية حيث ستطمئن طهران مع مرور الوقت، خصوصاً في نهاية فترة الأشهر الستة المقبلة المحددة لتفاهم الطرفين المبدئي، أنه لم يعد هناك حاجة للتمسك بالنظام الفاشل في دمشق، والتمهيد لعودة ميليشيا «حزب الله» إلى بيئتها الطبيعية كي تبدأ البحث عن غسل ما ارتكبت من آثام فوق الأراضي السورية.
* كاتب وصحافي سوري مقيم في لندن