الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تبعات الاتفاق الروسي ـ الأميركي على الثورة السورية

تبعات الاتفاق الروسي ـ الأميركي على الثورة السورية

25.06.2013
شمس الدين الكيلاني

المستقبل
الثلاثاء 25/6/2013
تبدو الخطوط السياسية للروس والأميركان قد التقت في شأن المسألة السورية،لاندري لحد الآن ما الفحوى الحقيقي للاتفاق الذي تمخض عنه لقاء لافروف كيري. فالشيء الثابت أن الوزيرين توصلا لاتفاق/إطار أولي حول سوريا، اختارا فيه الحل السياسي، عنوانه التفاوض والحوار، وتشابكت أيديهما على محاربة القوى المتطرفة في المعارضة المسلحة، والعمل على ترتيب مفاوضات بين النظام والمعارضة تؤسس لحكومة انتقالية. بدا جلياً ضعف الموقف الأميركي، الذي قدم كل التنازلات الممكنة أمام (صلابة) الموقف الروسي وتعنته، ودفاعه الصلب عن حليفه في دمشق، الشيء الجديد المقدم هو فكرة مؤتمر يكون بمثابة مؤتمر جنيف2، يُعقد نهاية الشهر الحالي دون مبادئ موجهة ومرجعيات سوى فكرة حكومة مؤقتة غير معروفة صلاحياتها، إلى جانب إصرار الروس الدائم على أنه تبقى مسؤولية الأمن في يدي الأسد في المرحلة الانتقالية!
لم يكتم الوزيران ارتياحهما لما توصلا إليه، الفرق أن لافروف كرَّر، بلهجة الواثق، أقواله القديمة عن جنيف والتسوية، ولم ينسَ المعارضة من إتهاماته: الإرهاب والفوضى، وتأكيده أن مستقبل الرئيس يقرره الشعب السوري وحده، فالوزير لم يعرف بعد رأي الشعب بالرئيس الذي هجَّر نصف السوريين بفضل أسلحتهم الفتاكة التي قدموها له بسخاء،وأودى بحياة مائة ألف شهيد وأكثر من مائتي ألف معتقل ومُختطف ومغيب ومليونين من المهجرين إلى ماوراء الحدود وأربعة ملايين في الداخل ودمار قرى ومدن بكاملها لاتكفي! وغيَّب الوزير، بتصريحاته، تحديد مهام الوزارة المؤقتة. وليس هناك من دلائل على اتفاق الوزيرين على وقف الروس لمد النظام بالسلاح! بينما وقف كيري متردداً يُعيد فحوى ماقاله لافروف بلغة عائمة.فتحدث بلغة التسويف والغموض عن موقع الرئيس ومستقبله في الصفقة. غير أنه شدد على مكافحة الإرهاب وعلى ضرورة أن يتوقف النظام عن استخدام الأسلحة الكيماوية. وقال للصحافيين إن وحدهما المعارضة والنظام يمكنهما تحديد شكل الحكومة الانتقالية لإجراء انتخابات ديموقراطية، وأضاف قولاً لايقدم ولايؤخر بالنسبة لمصير الأسد: "من المستحيل بالنسبة لي شخصياً تفهم كيف يمكن لسورية أن تحكم في المستقبل من قبل الرجل الذي ارتكب الأشياء التي نراها الآن..لكنني لن أقرر ذلك هذا المساء ولا في نهاية المطاف". ولكن في اليوم التالي ظهرت تصريحات أميركية تؤكد أن الرئيس ليس له دور في الحكومة المؤقتة المقترحة، ولا في مستقبل سوريا، وأكد مسؤول في الخارجية الأميركية لـ"الحياة" أن "موقف الولايات المتحدة لم يتغير لجهة فقدان الأسد شرعيته وضرورة تنحيه جانباً،ثم أنهم تأكدوا من استعمال النظام للأسلحة الكيماوية، وظهر تصريح لفورد سفير أميركا في سوريا، يوم السبت 12 مايو،بعد زيارته المفاجئة للداخل السوري الذي تسيطر عليه المعارضة: أن المساعدة الأميركية الإنسانية الأخيرة، البالغة مائة مليون دولار لا تكفي، يجب مساعدات عسكرية ملموسة للجيش الحر. فيظهر ذلك كله التردد في الموقف الأميركي وتخبطه.
أعربت أوروبا عن تأييدها الفوري لهذا الاتفاق، ومعها الصين، وأيضاً الدول الإقليمية المتورطة مع النظام في جرائمه، وفي مقدمتها إيران.وأعلنت الجامعة العربية تأييدها لهذا الاتفاق، كما أعرب الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية عن تأييده له،وبالمقابل لم تُظهر الدول العربية المؤيدة للثورة السورية حماساً واضحاً للاتفاق، وتساءلت صحفها إن كنا بصدد اتفاق أو تقطيع للوقت حتى لقاء الرئيسين أوباما وبوتين، فأشارت صحف سعودية(الشرق الأوسط) إلى أنه "لا اتفاق بين الروس والأميركيين على مخرج للأزمة السورية، بل إنهما ما زالا في مراحل التفاوض الأولية. وكل ما قيل في المؤتمر الصحافي لم يكن إلَّا لغة دبلوماسية الهدف منها هو ترك الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات بانتظار لقاء الرئيسين".
إن المعارضة التي ستتعرض لضغوط كثيرة في المرحلة اللاحقة، تَعرف قبل غيرها أن الشيء الثابت، في سياق التفكير بالتسوية، بالنسبة للشعب السوري هو إسقاط رمز النظام، فالرموز في بلادنا تقوم بدور حاسم في المراحل الحاسمة من التاريخ، وبالتالي فإن أي حل سياسي سيتمخض عنه إسقاط الرئيس سيكون، ضمن الظروف المعقدة التي تعيشها سوريا، نجاحاً للشعب السوري ولثورته، وهزيمة ساحقة للنظام، وبالمقابل فإن أي حل سياسي في سوريا لايتضمن استبعاد الرئيس هو هزيمة ماحقة للشعب السوري وعنوان نصر باهر للنظام ولركائزه وأسسه وأساليبه في الحكم والقهر. فالمعارضة لا يمكنها أن تتسامح بأقل من إسقاط الرئاسة وتنظيم انتخابات حرة تحت رقابة دولية والأمم المتحدة، ومحاسبة رموز الإجرام. وعلى الرغم مما ستواجهه في مقتبل الأيام من مخاطر كبرى فعليها أن تعرف أن سلاحها الأمضى في هذه المعركة هو (الوحدة) وإعادة ترتيب البيت الداخلي، ووضوح الهدف والعلاقات الوثيقة مع الجيش الحر، وتعزيز الصلات مع أصدقاء الشعب السوري في النظام العربي والإقليم والعالم.
لاشك أن هذا الاتفاق سيتعامل معه النظام بطريقته المعهوده:الإعلان عن القبول من حيث المبدأ،ومن ثم استثمار عنصر الوقت والتسويف وإغراق الأطراف المتفاوضة في التفاصيل، على الطريقة الإسرائيلية في التفاوض،أما من طرف المعارضة ممثلة بـ (الائتلاف)، فليس من المعروف ما هي مواقفها من حضور المؤتمر الدولي، ومن طريقة إدارته ومن مرجعياته. فهل تملك المقدرة على التعامل مع المجتمع الدولي بإيجابية، دون التضحية بأهداف الثورة، ووحدة صفوفها؟لاسيما أنها تتعامل مع نظام مراوغ، أدمن اللعب على الوقت والتسويف، هو أسلوبه الدائم في التعامل مع الأعداء والأصدقاء، وفي التعاطي مع المسائل الاستراتيجية!