الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تجنُّب الأسوأ..فرصة سوريا الأخيرة

تجنُّب الأسوأ..فرصة سوريا الأخيرة

16.05.2013
جيمس زغبي


جيمس زغبي
السفير
الخميس 16 /5/2013
لا يستطيع المراقب سوى أن يتمنى نجاح المساعي الأميركية الروسية لحل الأزمة السورية التي تُوجت مؤخراً بالإعلان عن عقد مؤتمر دولي حول الأزمة. فمهما كانت العقبات التي تنتظر هذا الجهد لكي يرى النور، وأياً كانت التنازلات التي يتعين على طرفي الصراع تقديمها، تبقى المحاولات الراهنة هي الفرصة الأخيرة لحل الأزمة السورية وتفادي الكارثة. وفيما تظل التفاصيل غائمة، يبقى الوضع السوري كذلك مضطرباً وغير واضح الملامح؛ والحقيقة أنني عندما أسمع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، يتحدثان عن اتفاقهما حول ضرورة تسوية النزاع وإنهاء إراقة الدماء، وبأنهما يقتسمان المصلحة ذاتها في دحر التطرف ودعم الاستقرار الإقليمي، لا أجد مبرراً لعدم تصديقهما بالنظر إلى ما بلغته المعضلة السورية من تردٍّ وخطورة. ولكن الأصعب من إعلان النوايا والتوافقات هو تطبيقها على أرض الواقع وتحويلها إلى حقيقة. فقد شهد العالم تغييرات كبيرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث ما عادت القوى الكبرى تمارس النفوذ وتحارب بعضها بعضاً من خلال وكلاء محليين، فعلى رغم أن الصراع في سوريا يجري فعلاً عبر وكلاء، ولكن لا أحد منهم محسوب على الولايات المتحدة أو روسيا، اللتين لا يمكن القول إنهما تحركان خيوط اللعبة على الساحة، بل تلعب هذا الدور، أطراف أقليمية تتناوب في دعمها بين النظام والمعارضة. وبصرف النظر عن الغموض وغياب التفاصيل عن الاتفاق الأميركي الروسي وكيفية تجسيده ميدانيا، فإنه في جميع الأحوال لن يُكتب له النجاح من دون انخراط اللاعبين الإقليميين ودعمهم له.
وهنا لن يكون من السهل تمثيل دمشق من جهة وبقية أطياف المعارضة المتنوعة من جهة أخرى في المؤتمر نفسه. كما لن يكون سهلاً جمع تركيا وقطر والسعودية وإيران و«حزب الله» والعراق والأردن في العملية التصالحية نفسها، فعقد مؤتمر يضم كل هذه الأطراف سيمثل تحدياً حقيقياً للديبلوماسية الأميركية والروسية، واختباراً حاسماً لقدرتهما على إقناع الآخرين، كما سيتطلب جهداً واستثماراً كبيرين لجميع الأوراق السياسية المتاحة؛ وبالنسبة لأولئك الذين يطالبون بحسم عسكري سريع وناجز بدل تضييع الوقت في الديبلوماسية والحلول السياسية، مدافعين عن التدخل العسكري، عليهم أن ينظروا إلى ما حل بالعراق وأفغانستان، ذلك أن الضياع الأكبر هو السماح باستمرار العنف وتصعيد الصراع، كما أن ما أدركناه منذ البداية حول سوريا يظل صحيحاً اليوم من حيث استحالة خروج أحد الطرفين منتصراً، أو منهزماً، فالنظام وكل الذين يدعمونه، سواء عن قناعة، أو عن يأس وخوف من المستقبل، يصعب دحرهم، وفي الوقت نفسه لا هزيمة للمعارضة التي تملك قاعدتها الشعبية ومخاوفها المشروعة.
وفيما تتعدد الرؤى حول سوريا وتتنوع بين من يريدها ديموقراطية تمثيلية، أو دولة إسلامية، أو معقلًا للعلمانية والمقاومة العربية ضد ألاعيب الغرب وحلفائه، إلا أنها جميعاً باتت متجاوزة اليوم بفعل الصراع الدموي على الأرض، فسوريا القديمة ولت من دون رجعة، والديموقراطية، فمن الصعب انبثاقها من الفوضى السورية، هذا ناهيك عن الثمن الفادح الذي ستدفعه الأقليات الدينية والعرقية.
والنتيجة أننا اليوم أمام الخيارات نفسها التي كانت مطروحة قبل عامين، فإما أن نستمر في صب المزيد من الزيت على النار لتتأجج الحرب في سوريا وتصل إلى مستويات غير مقبولة، أو أن نقرر وضع حد لهذه الأزمة من خلال البحث عن حل متفاوض عليه يفضي إلى إنهاء النظام، ودخول مرحلة تدريجية من الانتقال السياسي. وكما أسلفت لن يكون الاتفاق الأميركي الروسي على الحل سوى الخطوة الأولى ليتلوها العمل الجدي، حيث من المتوقع أن تسعى دمشق إلى تحديد شروط مشاركة المعارضة في المؤتمر الذي لن يقبل بها الثوار طبعاً، فيما ستصر المعارضة من جانبها على رفض انخراط أي من رجال النظام في المباحثات، ولكن العقبات والصعوبات عليها ألا توقف العملية السياسية، فالمؤشرات الكثيرة التي تحيط بالصراع وتحذر من تمدده خارج حدود سوريا وزعزعته لاستقرار المنطقة تجعل من الضروري انخراط اللاعبين الإقليميين بالضغط على كل طرف لإبداء المرونة. ولا ننسى أن هذه المحاولات الدبلوماسية المستجدة تجري في سياق من التطورات المرعبة تتخلله تقارير متضاربة عن احتمال استخدام السلاح الكيمياوي من قبل النظام وبعض عناصر المعارضة، وإقدام الطيران الإسرائيلي على قصف مواقع عسكرية في دمشق، وتنامي تدفق اللاجئين على البلدان المجاورة، وتصاعد التوتر الطائفي في لبنان، فضلًا عن انخراط «حزب الله» في الصراع الجاري بسوريا، ناهيك عن تنامي الضغوط الحزبية على أوباما لمساعدة المعارضة عسكرياً؛ وبدلاً من الوقوف ضد التوصل إلى حل سياسي ومتفاوض عليه علينا أن نتمهل قليلاً ونطرح على أنفسنا الأسئلة الصعبة: هل نحن في حاجة إلى انخراط أميركي جديد في حرب أخرى بالشرق الأوسط؟ وهل ستقبل المنطقة والشعب الأميركي ما سيترتب على الوجود الأميركي لفترة أخرى بالمنطقة؟ وهل تستطيع المنطقة نفسها استيعاب انهيار سوريا كنظام ودولة وتشظيها؟ هل بمقدور الأردن ولبنان تحمل ما يجري في سوريا؟ وهل هناك من يعتقد أنه بعد نهاية الصراع وانهزام النظام سيتم نزع سلاح المتشددين بسهولة؟
إذا كان الجواب عن هذه الأسئلة سلبياً فلا مناص من دعم الاتفاق الأميركي الروسي، فهو على رغم الصعوبات المرتبطة بتطبيقه وكونه غير مستساغ للعديد من الأطراف، إلا أنه على الأقل سينهي إراقة الدماء، ويتجنب الأسوأ ليضع سوريا على طريق طويل وشاق من الانتقال نحو الديموقراطية.