الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تفجيرات تركيا- الاسد هو المستفيد

تفجيرات تركيا- الاسد هو المستفيد

13.05.2013
عبد الباري عطوان

القدس العربي
13/5/2013
من الطبيعي ان يعلن السيد عمران الزعبي وزير الاعلام السوري عدم وقوف بلاده خلف السيارتين المفخختين اللتين ادى انفجارهما في مدينة الريحانية على الحدود السورية التركية الى مقتل 46 شخصا ،38 منهم اتراك وثلاثة سوريين، فلا يوجد نظام في العالم يتبنى تفجيرات دموية كهذه حتى لو كان يقف خلفها، او تخدم اغراضه ومصالحه وعلى رأسها ارهاب خصومه.
المسألة هنا لا تتعلق بالجدل حول الجهة المنفذة، وانما بانزلاق تركيا الى مستنقع سوري ساهمت بعض سياساتها بحفره، واخطأت في تقدير تبعاته، وطول امده، والرسائل التي اراد منفذو هذا الانفجار وداعموهم ايصالها الى اكثر من جهة.
بشير اتالاي نائب رئيس الوزراء التركي قال ان الموقوفين التسعة المتهمين بالجريمة المدانة هم من الاتراك، وان السيارات المستخدمة جاءت من تركيا وان لهم علاقة بالمخابرات السورية، بينما قال السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء ‘ان النظام السوري يحاول جرّ سورية الى سيناريو كارثي’.
السيد اردوغان ينسى، او بالاحرى نسي في غمرة حماسه للتدخل في المستنقع السوري في بداية الازمة على وجه الخصوص، ان هذا النظام هو الذي دعم ودرب وسلح حزب العمال الكردستاني الذي كلف الحكومات التركية المتعاقبة الاف القتلى واكثر من 300 مليار دولار على مدى السنوات الاربعين الماضية. وربما يغيب عن ذهن السيد اردوغان وبعض حلفائه في الاردن ومنطقة الخليج العربي ايضا ان النظام السوري هو الذي اوجد حركة فتح المجلس الثوري التي كان يتزعمها الراحل صبري البنا ،ابو نضال، وهو الذي احتضن وما زال يحتضن الجبهة الشعبية (القيادة العامة) التي يتزعمها حليف سورية الاوثق السيد احمد جبريل، وهي المنظمة التي نفذت عمليات جريئة ضد الاسرائيليين واهدافهم في الخارج.
النظام السوري هو الأبــــرع في استغــــلال التناقضات الســـياسية والمذهبية داخل الدول المعادية له، او التي يتــوقع ان ‘تعبث’ بأمنه الداخلي من خلال احتضان زعامات او حتى خلقها، وتأسيس جماعات ومنظمات متشددة، اسلامية كانت او يسارية، ولا يخامرنا شكّ، ان هذا النظام، وطوال العامين الماضيين من عمر الازمة كان وما زال يحاول تفريخ جماعات ومنظمات تهدف الى زعزعة حكومة اردوغان، واللعب على اوتار الطائفية داخل المجتمع التركي، واقامة جسور قوية مع المعارضة العلمانية والقومية في الوقت نفسه.
‘ ‘ ‘
الرئيس اردوغان شخص على درجة كبيرة من الذكاء ويملك دهاء يُحسب له في ادارة الازمات الداخلية، ولكن يبدو انه ليس على الحالة نفسها، حتى الان على الاقل، في قراءة التطورات الخارجية في دول الجوار بالقدر نفسه من الدهاء، والا لما استمرت الازمة السورية لأكثر من عامين، تدفق خلالها 400 الف لاجىء الى الاراضي التركية، لا نستغرب، بل لا نستبعد ان يكون من بينهم من هو موال للنظام ويشكل نوعا من الخلايا النائمة.
حدود تركيا مع سورية تمتد لحوالى تسعمائة كلم، يقطن جانبيها اما اكراد وهم الغالبية، او علويون، وهذه الحدود من الصعب التحكم فيها، او السيطرة عليها، واذا كان للسيد اردوغان ما يمكن ان يخسره سياسيا واقتصاديا ،(تركيا الان تحتل الترتيب 17 كأقوى اقتصاد في العالم ونسبة نمو تصل الى سبعة في المئة سنويا)، فإن لا شيء يمكن ان يخسره النظام السوري في المقابل، فنصف البلاد مدمر، وسقط اكثر من مئة الف في الحرب الاهلية الطائفية، وهناك مناطق عديدة خارجة عن سيطرته مثل مدينة الرقة التي باتت امارة اسلامية ترفرف عليها اعلام جبهة النصرة التي يتزايد اتساع دائرة نفوذها وتجد تأييدا من الكثير من المواطنين السوريين.
المفارقة الكبرى ان الصحافة التركية في معظمها، والمعارضة منها على وجه الخصوص (وهي الاغلبية) انتقدت السيد اردوغان وحمّلت سياساته مسؤولية تفجيرات الريحانية، خاصة دعمه للمعارضة السورية المسلحة، بينما كان انتقادها للنظام السوري في المقابل متواضعا، وهنا تكمن معضلة السيد اردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه.
النظام السوري بات ينتقل من الدفاع الى الهجوم في اعتقادنا، مدعوما بنجاحه في البقاء في الحكم حتى الان، والتقدم الذي بدأ يحققه جيشه في بعض جبهات القتال، فالصحف الامريكية والغربية التي كانت تركز على انتصارات قوات المعارضة، والجيش الحرّ في مقدمها، باتت الان ترصد مظاهر هذا التقدم الراجع الى دعم ايران وحزب الله وروسيا.
‘ ‘ ‘
ارسال رسائل بالسيارات المفخخة، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، اي من خلال وسطاء بالوكالة، هو اخطر تطور يمكن رصده منذ انطلاق الأزمة، فإذا كانت الرسالة الاولى وصلت الى تركيا ورئيس وزرائها، والى المعارضة وجزء من الرأي العام ضده، وضد اللاجئين السوريين، فإننا لا نستبعد رسائل اخرى مماثلة او مختلفة، الى دول الجوار الاخرى مثل الاردن الذي تلقى تحذيرات حملها مسؤولون سوريون الى نظامه من جراء تسهيل دخول مسلحين واسلحتهم عبر الحدود الاردنية المفتوحة على مصراعيها امام هؤلاء، او اسرائيل حيث اعلن النظام فتح جبهة الجولان، وتحويل سورية كلها الى جبهة مقاومة.
العاهل الاردني الراحل الملك حسين قال لي في احدى مقابلاته ان النظام السوري هو من اخطر الانظمة خطورة على امن الاردن واستقراره، ولذلك يحرص دائما على عدم الدخول في خلاف معه، منذ ‘خطئه الاكبر’ في احتضان قادة الاخوان المسلمين اللاجئين الى الاردن بعد مجزرة حماة.

اذكر انني التقيته في مكتبه وكان الصديق والزميل خالد محادين مستشاره الاعلامي حاضرا، وكان الملك يدخن بشراهة، فسألته عن ذلك، فقال انه اتصل قبل حضوري بالرئيس حافظ الاسد، الذي ردّ على المكالمة ببرود وتحفظ، فقلت له لماذا في رأيك، قال لانه كان مجتمعا، كما علمت لاحقا، بالرئيس حسني مبارك، ولم يقل له، اي للملك ان الرئيس المصري كان معه، ويبلغني السلام مثلا، وواصل قائلا: يا سيدي (يخاطب الجميع صغيرا وكبيرا بهذه الطريقة) اردت ان ابقي على علاقة معه لتلطيف الاجواء وتجنب اي سوء فهم.
الغضب المفخخ، اذا كانت اتهامات اردوغان في محلها ومدعومة بالأدلة حول تورط النظام السوري في تفجيرات الريحانية، قد يصل ايضا الى دول الخليج، او بعضها، لان الثالوث الايراني السوري الروسي هو الاخطر في العالم والاكثر خبرة، اذا ما قرر الانتقام.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عما سيحدث بعد هذه التفجيرات ورسائلها؟ باختصار شديد يمكن القول بانها اما ستعجل بالتدخل العسكري الخارجي بضغط من تركيا وحلفائها، بعد ان بدأ عنف الازمة السورية يفيض على دول الجوار، او ستدفع اكثر باتجاه الحل السياسي، والتسريع بعقد مؤتمر جنيف 2 حول هذه الازمة.
كلا الاحتمالين واردان، ومن المبكر بالنسبة الينا ترجيح احدهما على حساب الآخر.