الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تحالف روسيا والصين وإيقاظ أشباح هتلر

تحالف روسيا والصين وإيقاظ أشباح هتلر

24.05.2014
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الجمعة 23/5/2014
أثار تعليق ولي العهد البريطاني الذي شبه فيه بوتين بهتلر، جدلاً دبلوماسياً بين بريطانيا وروسيا. ومن المعلوم أن منصب وليّ العهد لا يخوّله، حسب قوانين الدولة البريطانية، التعليق على الشؤون السياسية، لكنّ خروج الأمير تشارلز على هذا التقليد يدلّ على أنه شخص حقيقيّ من لحم ودم، وأنه لا يرغب أن يمنعه مركزه الحسّاس من التدخل بشكل فاعل في شؤون العالم، وبذلك يعطي الأمير للمنصب معنى جديداً مفارقاً لمعناه التقليدي، ولو عرّض ذلك مصالح راسخة في الأرض للخطر، بما فيها مصلحته هو شخصياً.
ولم تكن هذه بالتأكيد الحادثة الأولى التي تثير فيها أقوال الأمير وتدخلاته جدلاً فبعد زيارة له عام 1979 الى هونغ كونغ تحدث عن قادة الصين العجائز مشبهاً إياهم بتماثيل شمع بائسة، كما سخر من حركات الجنود الصينيين وأسلوب عرضهم السوفييتي الشديد الإزعاج. ولم تقتصر تعليقات الأمير القاسية على الشؤون السياسية ففي زيارة له عام 2007 الى الإمارات العربية المتحدة قال ان منع مطاعم ‘مكدونالدز هو مفتاح للصحة الجيدة.
فلاديمير بوتين سيكون الشهر القادم مع الأمير تشارلز في فرنسا رفقة قادة القوات الحليفة للاحتفال بالذكرى السبعين ليوم اجتياح الحلفاء لفرنسا والمسمى D-Day، واشتراك روسيا في هذا الاحتفال سيذكر الروس والعالم بدور الاتحاد السوفييتي الكبير في دحر النازية، وهو الأمر الذي يريد بوتين، والآلة الإعلامية الروسية، التركيز عليه وشطب كل ما عداه.
الأمير تشارلز، نطق بما يفكر به المواطن البريطاني العاديّ، وأغلب الشعوب المحيطة بروسيا، وكل من عانى خلال الحرب العالمية الثانية من العدوانيتين الروسية والألمانية، فمشاركة الاتحاد السوفييتي في الحرب ضد النازية لا تلغي ما سبقها، ومنه أن السوفييت، تحت قيادة جوزف ستالين، وقعوا معاهدة عدم اعتداء مع المانيا عام 1939، تضمنت بروتوكولا سرياً لتقاسم شمال وشرق اوروبا الى مناطق نفوذ سوفييتي وألماني، وأن البلدين قاما بعدها بمهاجمة بولندا واقتسامها بينهما، وتلا ذلك ضم السوفييت لإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبيسارابيا ثم هجومهم على فنلندا واقتطاع جزء من اراضيها، وأن هذه المعاهدة ظلت سارية حتى منتصف العام 1941 حين قامت المانيا بنقضها ومهاجمة الاتحاد السوفييتي، وبعد اجتياح الجيش الأحمر لألمانيا توبعت الخطة عملياً وسيطر الاتحاد السوفييتي على جزء كبير من أوروبا الشرقية.
يكتسي التشبيه اليوم مصداقية كبيرة أيضاً لدى الشعوب التي تعرّضت للغزو او للاضطهاد من قبل الروس، وبينها جمهورية الشيشان التي خاضت روسيا حرباً طويلة لإخضاعها في تسعينات القرن المنصرم، انتهت بتدمير عاصمة الشيشان غروزني تدميرا كاملا عام 1996 وبالسيطرة على الجمهورية الغنية بالنفط، ثم بالهجوم على جارتها جورجيا عام 2008 واقتطاع إقليم اوسيتيا الجنوبية، وهو السيناريو الذي يتكرر حالياً مع ضم روسيا جزيرة القرم الأوكرانية، والضغط باتجاه ضم مناطق أخرى.
تستخدم الآلة الإعلامية الروسية المعاصرة حدث الحرب الكونية الثانية بشكل اصطفائي يختزل التاريخ كما لو كان صراعاً بين الحضارة الروسية والبربرية الغربية التي مثلتها المانيا النازية، وهي توظّف هذه البروباغاندا ضد خصومها، ناعتة إياهم بالفاشيين، كما يحصل الآن في اوكرانيا، متناسية التحالف الروسي الشائن مع المانيا النازية على تقسيم اوروبا، والرصيد البشع لانتهاك مصائر وحقوق الشعوب أثناء الحقبة السوفييتية التي شهدت، على سبيل المثال، موت ما يقارب 10 ملايين أوكراني في ثلاثينات القرن الماضي بسبب السياسات الوحشية لستالين.
يبقى القول ان التشابهات التاريخية بين هتلر وبوتين تستجلبها وقائع عديدة، أولها الشعور بالانكسار والرغبة في الانتقام والتسيد لدى النخبتين الألمانية 1939-1918 والروسية 1991-2014، الأولى بنتيجة الحرب العالمية الأولى، والثانية بنتيجة تفكك الاتحاد السوفييتي، وثانيها هو الدور الكاريزمي للزعيم الدكتاتور الذي لعبه هتلر ويلعبه بوتين (والاثنان فازا بالانتخابات!)، وثالثها تنامي القوتين الاقتصادية والعسكرية، ورابعها الشعور بضعف الخصوم: الولايات المتحدة الأمريكية واوروبا، وخامسها تحالف الدول المتضررة الذي جمع اليابان وايطاليا والمانيا، سابقاً، ويجمع الآن روسيا والصين حالياً.
بوتين أقرب لنموذج هتلر مما نتصور وخصوصاً بعد تفعيل تحالفه مع تماثيل الشمع الصينية!
من حق العالم أن يخاف.