الرئيسة \  تقارير  \  تحت المراقبة‏

تحت المراقبة‏

30.08.2022
نك ماكدونيل


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
نِك ماكدونيل* – (لندن ريفيو أوف بوكس) 18/8/2022
الغد الاردنية
الاثنين 29/8/2022
في كانون الثاني (يناير) 2021، قبل سبعة أشهر من سقوط كابول، التقى ممثلو حكومة أفغانستان المدعومة من ‏‏الولايات المتحدة‏‏ مع مفاوضي حركة طالبان في الدوحة، قطر. وكانت تلك واحدة من جولات عدة غير حاسمة من المحادثات التي كانت مستمرة منذ سنوات. وقد فشلت هذه الجولات من المحادثات لأسباب عديدة، لكن أحدها ربما كان أن المفاوضين من جميع الأطراف اعتقدوا أنهم كانوا تحت المراقبة من الأميركيين، مما جعل من الصعب، وربما من المستحيل، بناء الثقة.‏
فندق “الشرق” مجمع من المنتجعات الصحية، وقاعات الاحتفالات والمطاعم، وخمس عشرة فيلا حجرية منتشرة على طول شاطئ بِكر على الخليج العربي. وكان المندوبون من جمهورية أفغانستان الإسلامية يقيمون في الفلل الأولى والثانية والثالثة والسادسة، على الجانب البعيد من المنتجع بعيداً عن مندوبي طالبان، الذين كانوا يقيمون في الفيلا الحادية عشرة. ومكث مبعوثون وموظفون من عدد قليل من الدول الأوروبية في المبنى الذي يضم اللوبي بينهما. وكنت موجوداً هناك كصحفي، وأقمت في الفيلا العاشرة. واحتل الأميركيون -ليس الدبلوماسيين فقط، ولكن مسؤولي الاستخبارات والدفاع- غرفًا في أماكن أخرى، في “برج ريتز” الواقع في وسط المدينة، لكنهم كثيرًا ما كانوا يتواجدون في “الشرق”.
أخبرني أحد الدبلوماسيين الكنديين بأنه أغاظ المسؤولين ‏‏الأميركيين‏‏ بسؤالهم عن رأيهم في الاجتماعات التي لم يكونوا قد حضروها. وكان هناك آخرون أكثر إيجابية بشأن المراقبة. قالت لي دبلوماسية أوروبية إنها عندما وصلت لأول مرة إلى فندق “الشرق” كانت تستحم في الظلام، لكنها قررت في النهاية أن هذا كان ضرباً من جنون الارتياب، وتصرفت كما لو أن غرفتها يتم التنصت عليها ببساطة بدلاً من تصويرها بالفيديو. وأخبرني عضو من وفد طالبان بأنه افترض أيضا أنه يخضع للمراقبة. وعندما التقينا في غرفتي في الفندق، لم يكن يقول شيئًا عن نقاط حديثه؛ لمحادثات أكثر صراحة، كنا نلتقي في أماكن أخرى في المدينة أو نمشي على طول الكورنيش. ‏
‏بعد فترة وجيزة من مغادرتي فندق الشرق، اتصلت بضابط سابق ‏‏في وكالة المخابرات المركزية‏‏ لأسأل عما إذا كان كل جنون الارتياب هذا مبرراً. وقال: “سوف أفترض أن هناك كاميرا في غرفتك، وحفنة من الأشياء الأخرى… مثل: مدير الفندق مجند بنسبة 100 في المائة من قبل أحد ما. يمكن أن تكون أجهزة الأمن المحلية قد قالت له فقط: “إذا عملت لحساب أحد آخر، فإننا سوف نقطع رأسك”. عادة ما تكون لدى بعض أجهزة الاستخبارات مثل هذا الرجل على كشوف رواتبهم. وهو الطريق إلى الدخول، كما تعلم، عندما تصبح الغرف فارغة، أو يغادر الناس؛ رجل الصيانة -أو أيًا كان، خدمة التنظيف- يدخل، ويجعل أحدهم، كما تعلم، يزرع الكاميرات وأشياء من هذا القبيل. ما من طريقة لتصور أن ذلك لا يحدث”.
فكرت في الوقت الذي قضيته عاريًا في غرفتي في الفندق، وكذلك في المحادثات التي أجريتها هناك مع مندوبي طالبان. كنت متأكدًا من أن أيًا من ذلك لم يكن ذا قيمة استخباراتية لأي حكومة. لكنني تساءلت عما إذا كانت أي من محادثات المندوبين في غرف الفنادق تبرر مثل هذه المراقبة. ربما أراد الأميركيون معرفة ما يخطط رجال طالبان لقوله مسبقاً، أو اعتراض معلومات استخباراتية عن الأشياء التي ربما تهدد الأصول الأميركية في أفغانستان. كما لم تكن طالبان في أي وقت جديرة بالثقة بشكل خاص -انظر الكشف الأخير، والقاتل، عن تواجد أيمن الظواهري في كابول. ربما يكون الأمر أن التجسس لا ينفصل عن الدبلوماسية، وأن المفاوضات المخلصة لم تكن ممكنة أبدًا. ولكن، قد يكون الأمر أيضاً أنه، حتى تكون لمحادثات السلام أي فرصة للنجاح، فإن بعض إيماءات الكياسة الأساسية ستكون ضرورية -مثل عدم تركيب كاميرات في غرف الفنادق الخاصة بنظرائك.
على أي حال، افترض كل دبلوماسي سألتُه عن هذا الأمر في فندق الشرق أنه كان تحت المراقبة، وأضاف هذا الافتراض إلى شعور سائد سلفاً بعدم الجدوى. وتساءل الضابط السابق ‏‏في وكالة المخابرات المركزية‏‏ عن سبب تكبد أميركا عناء مراقبة المحادثات على الإطلاق. قال لي: “أول نوع من رد فعلي المبدئي كان نوعاً من “لكم هذا سخيف -لأنه حقاً، من يهتم بحق الجحيم”؟”.
عدد الأميركيين الذين يهتمون كان يصبح أقل وأقل، هو الجواب، بينما كانت الحرب تمضي قدماً. في مقال نشر مؤخرًا في‏‏ مجلة “ذي أتلانتيك”‏‏، جادل الجنرال ديفيد بترايوس بأن الحرب ‏‏الأميركية‏‏ في أفغانستان انتهت بما انتهت إليه بسبب عدم الالتزام، وسوء تخصيص الموارد، والفشل في فهم السياق الإقليمي. ومن المؤكد أن هذه العوامل أسهمت في عودة طالبان إلى السلطة وخروج الولايات المتحدة المتهور والمخزي من أفغانستان. ‏
لكن الطريقة التي سعت بها ‏‏الولايات المتحدة‏‏ إلى تحقيق أهدافها في أفغانستان كانت أيضًا منافقة باستمرار: الدعوة إلى سيادة القانون، وإنما العمل على تمكين المجرمين؛ الدعوة إلى إجراء انتخابات نزيهة، مع إدارة الوجه عن التزوير؛ الدعوة إلى حقوق الإنسان، وإنما قصف القرى وإنكار وقوع إصابات بين المدنيين؛ وفي محادثات السلام، الدعوة إلى خوض المفاوضات بحسن نية، ولكن مراقبة الناس الجالسين معك في الجانب الآخر من الطاولة.
 
*نِك ماكدونيل Nick McDonell: روائي وصحفي. ولد في مدينة نيويورك ودرس في جامعة هارفارد وكلية سانت أنتوني في أكسفورد. نُشرت أعماله في 23 دولة وظهرت في قوائم أكثر الكتب مبيعًا حول العالم. نشرت روايته الجديدة “مجلس الحيوانات” The Council of Animals في تموز (يوليو). تلقت هذه المقالة دعماً من مركز بوليتزر للإبلاغ عن الأزمات.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Under Surveillance