الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تحول السياسة الأمريكية نحو روسيا في سوريا

تحول السياسة الأمريكية نحو روسيا في سوريا

08.10.2016
محمد زاهد جول


الشرق القطرية
الخميس 6/10/2016
أصدرت أمريكا يوم 3/10/2016 قرارا بتجميد مباحثاتها السياسية مع روسيا حول سوريا، ووصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الدعم الروسي لبشار الأسد بأنه قرار طائش وغير مسؤول، واتهم كيري روسيا والنظام السوري بأنهما "رفضا الدبلوماسية من أجل مواصلة انتصار عسكري يمر بجثث مقطعة ومستشفيات تتعرض للقصف وأطفال مروعين في أرض معاناة".. وصدرت بيانات عن أمريكا تقول:"إنها تدرس خيارات استخباراتية وعسكرية وسياسية في سوريا" للتعامل مع روسيا فيها.
وهذه التصريحات الأمريكية الجديدة مناقضة بدرجة ما لتصريح وزير الخارجية الأمريكي كيري نفسه قبل أيام بأن الجيش الأمريكي لن يقوم بعمل عسكري لإسقاط الأسد، بحجة عدم وجود مستند قانوني للجيش الأمريكي للقيام بذلك، فما حقيقة هذا الاختلاف بين التصريحات الأمريكية، وما حقيقة الاختلاف بين أمريكا وروسيا في سوريا، وهل هناك مقاربة أو تقارب أمريكي روسي سري، وأن ما يجري مجرد مناكفة، وتهرب أمريكي من تحمل المسؤولية عن القتل والتدمير في سوريا، وتحويل المسؤولية فيه على روسيا وحدها، وبالتالي يمكن النظر إلى هذه التصريحات على أنها مجرد حرب كلامية لا ترقى لمستوى الحرب الباردة، فضلا عن أنها ترقى لمستوى الحرب الفعلية بين الدولتين الكبيرتين، أم أن هذه التناقضات والاختلافات حقيقية ولها أسبابها وأهدافها أيضاً.
وبالنظر إلى ردود الأفعال الروسية بإعلان الرئيس الروسي بوتين بأن روسيا تدرس إرسال مزيد من القوات إلى سوريا، وأن هذه القوات قد تأخذ وجودا طويل الأمد، أو شبه قوات دائمة في سوريا، وأن روسيا أوقفت بعض أوجه التعاون مع أمريكا في مباحثات البلوتونيوم، كمعاقبة لأمريكا، وكذلك إعلان روسيا عن نشرها لصواريخ س300 في سوريا، وهذه الصواريخ ستكون قادرة على مواجهة أي صاروخ موجه للجيش الروسي في سوريا، وهذه الصواريخ المحتملة لن تكون إلا من أمريكا فقط، وتعليق وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون على ذلك:"إن أمريكا على علم بنشر روسيا لصواريخ س300 في سوريا، وأنها ستدرس إن كان ذلك سوف يؤثر على قوات التحالف الدولي في المنطقة"، فهذا الرد الأمريكي مؤشر على جدية الوضع، وما يرجح ذلك سرعة اللقاءات الأوروبية الغربية للرد على ذلك.
فقد أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أن مسؤولين أمريكيين وألمانيين وفرنسيين وبريطانيين وإيطاليين اجتمعوا في برلين بتاريخ 4/10/2016 لدراسة الدور الروسي وأفعاله في سوريا، وهذا الاجتماع يجري في الغالب بدعوة أمريكية، وكأن أمريكا تستجمع قوتها السياسية في الحلف الغربي ودوله الأساسية لمواجهة روسيا في سوريا، ليس لمواجهتها سياسيا فقط، وإنما لتنسيق أدوارها العسكرية فيما يمكن اعتباره إخلالا بالأوضاع الأمنية في المنطقة لصالح روسيا على حساب حلف شمال الأطلسي الناتو، وهو أمر نوه إليه الناتو كثيرا منذ التدخل الروسي في سوريا منذ عام تقريبا
أهم ما تحمله هذه الأحداث من تحليلات يعني تحولا في السياسة الأمريكية نحو روسيا في سوريا، وقد علل بيان البيت الأبيض هذا الموقف بقوله:" إن روسيا لم تكن جديرة بالثقة في مباحثاتها مع أمريكا بالشأن السوري"، مع إعلان واشنطن بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر :"إن واشنطن مستعدة للعودة لتطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا إذا التزمت روسيا به"، لكنه أوضح أن بلاده توصلت لقناعة أن "روسيا لا تسعى للوصول إلى اتفاق بهذا الشأن"، هذه القناعة الأمريكية هي نقطة فاصلة في تاريخ الصراع في سوريا، وقد حاولت روسيا إحراج أمريكا به عندما هددت أمريكا بأن تكشف بنود الاتفاق مع أمريكا، وهم يهددون بكشف بنود نظرية كانت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون قد أعلنت عنها عمليا، فما تهدد روسيا كشفه نظرياً كشفه البنتاجون عمليا، عندما أعلن رفضه للاتفاق يوم توقيعه بتاريخ 10/9/2016، لأن الاتفاق في مستواه السياسي يلزم الجيش الأمريكي بقصف مواقع المعارضة السورية المعتدلة، بحجة أنها منظمات إرهابية بما فيها جيش الفتح، وهو ما لم توافق عليه وزارة الدفاع الأمريكية حتى لو وقع عليه وزير الخارجية كيري، وعندها جن جنون روسيا وأخذت تهدد بنشر بنود الاتفاق الذي التزم به كيري ورفضه البنتاجون، فلم يكن أية قيمة للتهديد الروسي بنشر البنود السرية، لأنها فضيحة لروسيا أكثر منها لأمريكا، فالأمريكيون تمكنوا من توريط روسيا بأعمال عسكرية إجرامية وحشية في سوريا، وتنصلوا عن مشاركة روسيا فيها، وهذا ما يكشف حقيقة التحول الأمريكي من روسيا ومن مجريات الصراع في سوريا، لأن أمريكا استطاعت بالوعود التي قطعتها لبشار بعدم العمل العسكري ضده، من توريطه بقتل الشعب السوري من بداية انطلاق الثورة حتى نهاية عام 2012، عندما فقد المقدرة على مواصلة القمع والقتل، وأوشك على السقوط، فقامت أمريكا بتوريط خامنئي والحرس الثوري الإيراني في هذه الحرب، من نهاية عام 2012 وحتى 30/9/2015، تاريخ التدخل الروسي، بعد أن أدركت إيران أنها دخلت في حرب استنزاف أعلن عنها السنتور الجمهوري جون ماكين وهو في سوريا.
وكان ثمن تخليص أمريكا لإيران من هذا الاستنزاف هو أن تأتي بالدب الروسي إلى المصيدة الأمريكية في سوريا، وقد نجحت إيران في الإتيان بالدب الروسي إلى سوريا، وقد قطعت له أمريكا عهود المساعدة حتى غرق في المستنقع السوري حتى أذنيه، فقالت له أمريكا أكمل لوحدك، فأنت لست جديرا بالثقة أولاً، وأنت قاتل للشعب السوري ومدمر لمستشفياته وتسعى للنصر على جثث الشعب السوري، وعليك دفع ثمن ذلك، وهنا نقطة التحول الأمريكية، التي سيعقبها إيجاد مبررات دعم أمريكي وأوروبي للثورة السورية بالأسلحة النوعية، حتى تدافع عن نفسها ضد السلوك الهمجي والوحشي في سوريا، وكأن أمريكا لم تشاهد هذا القتل والتدمير إلا اليوم، وبعد خمس سنوات من قتل الشعب السوري وتدمير مدنه وقراه وأريافه ومقدراته، وهي تعلم أي أمريكا أن روسيا قد وصلت في سوريا طريق اللاعودة، فإما الانتحار بالانسحاب حيث المحاسبة في المحاكم الروسية، وإما الانتحار بمواصلة الحرب وإرسال القوات العسكرية إلى سوريا، وتكون المحاكمة على أيدي الشعب السوري.
إن إعلان أمريكا عن نفاد صبرها على روسيا في سوريا بحسب قول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي سيكلف روسيا الكثير إن لم تتدارك نفسها، فتعلن عن تحول في سياستها في سوريا مقابل التحول الأمريكي، وهو عودتها إلى الدور السياسي وسحب قواتها، بأي حجة كانت، فالإعلام الروسي قادر على تزوير الحقيقة ولو أمام الشعب الروسي فقط، وإلا فإن الحرب في سوريا سوف تطول، وسوف يقع من الضحايا أكثر مما وقع حتى الآن، وسوف تكون أمريكا سعيدة جدا بمواصلة روسيا الحرب في سوريا حتى إعلان الهزيمة، فلا أمل لها بالنصر، لأنها لن تجد شعبا سوريا يقف معها بعد ذلك، ولن ينقذها أن تتحول إلى قوات محتلة في سوريا.