الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تخليص الاسد والسيسي من مأزقيهما… معا

تخليص الاسد والسيسي من مأزقيهما… معا

29.05.2014
هشام منوّر


القدس العربي
الاربعاء 28/5/2014
في مقال وصف حينها "بالجريء" و"المغامر" نشرته صحيفة "القدس العربي" في عددها الصادر في العشرين من شهر فبراير/شباط من العام الجاري (وأعادت نشره بعد خمسة أيام) بعنوان (متى يقرر السيسي إعلان ترشحه؟)، كنت قد شبهت (أنا العبد الفقير إلى الله) بعيد زيارة المشير عبد الفتاح السيسي (ربما يكون قد توج رئيساً أثناء كتابة هذه الأسطر) إلى موسكو، وإعلانه نبأ الترشح للرئاسة من هناك، بعد مباركة سيد الكرملين لذلك، وبعد تزويده بصفقة أسلحة روسية نوعية، مولتها بعض دول الخليج الداعمة لنفوذه، كنت قد شبهت حينها زيارة السيسي بزيارة السادات للاتحاد السوفييتي قبيل اندلاع حرب اكتوبر عام 73، وأن الزيارة لم تكشف عن كل أوراقها، واكُتفي حينها بإعلان الترشح وصفقات التسليح الروسية.
وذكرت حينها ان "مسيرة السيسي إلى سدة الحكم لن تكتمل إلا من خلال سلوك الطريق ذاته، وتسجيل إنجاز عسكري لا يقل أهمية عن حرب اكتوبر، ولكن هل يعقل أن يخوض السيسي حرباً ضد "إسرائيل" وهي التي تعتبر وجوده في الحكم مكسباً كبيراً يعوض خسارة مبارك فيه؟"، وأن "حملة السيسي الانتخابية سوف تكلل بخوض هذه الحرب ضمن سياق تثبيته على عرش مصر، ولكن ضمن ظروف إقليمية توظف فيها هذه الحرب لصالح قتل الربيع العربي، وإنهاء أي طموح باستنساخه مستقبلاً، ولن يكون نموذج حرب اكتوبر الناصع بعيداً عن هذا المسار، فالتحالف السوري المصري ضد العدو التاريخي للأمة (إسرائيل) سيكون السيناريو الأبرز لتلميع صورة رجلي مصر وسوريا الهزيلة أمام شعبيهما". وفي مقال تلاه بتاريخ الرابع عشر من مارس/اذار بعنوان "تصفية حراك الربيع العربي عسكرياً"، اكدت في المقال أن حالة الانسداد السياسي الذي تشهده كافة ملفات المنطقة تستدعي اللجوء إلى خيار الفوضى البناءة، التي بشر بها جورج بوش الابن "أغبى رئيس أمريكي" كما وصف حينها في الأدبيات السياسية الأمريكية قبل العربية، وأن "عوامل متعددة تتكثف، ويمكن إدراك ان كلاً من النظامين السوري والمصري بحاجة إلى نصر عسكري مشترك، يثبت كلا الرجلين على سدة الحكم، وتدور التسريبات حول موعد هذه الحرب المفتعلة، التي سوف يستفيد منها الجميع بلا استثناء، بشار الاسد في سوريا وعبد الفتاح السيسي في مصر، كرجلين لمرحلة الانتصار القومي مجددا، والقضاء على النقمة الشعبية المتنامية مؤخراً عليهما، من خلال منحهما نصراً معنوياً على "إسرائيل" وسوف يشارك في هذه الحرب "الربيعية" الموعد حزب الله اللبناني لضمان مكان له في الترتيبات المستقبلية، بعد وصفه بالميليشيا الطائفية، وسوف تكون ضريبة الحرب الخاطفة والسريعة تدمير البنى التحتية في لبنان، حيث سيكون تركيز المعارك، ودخول الجيش السوري إلى هضبة الجولان وتأمين ترتيبات سياسية لاستعادتها للسيادة السورية، ومشاركة مصر عبر وزير دفاعها في الدفاع عن إحدى قلاع القومية العربية (سوريا) في استنساخ لنموذج حرب اكتوبر. وبذلك يتم القضاء على حراك الربيع العربي في الربيع المقبل، وتطوى صفحة أي حراك شعبي يمكن أن يواجه الأنظمة العربية التي ستكون قد استعادت جزءاً من شعبيتها في هذه الحرب الخاطفة.. وربما الشكلية!
مناسبة هذا الكلام والتذكير به يأتي عشية اتخاذ الأردن قراراً تاريخياً بطرد السفير السوري المشاكس بهجت سليمان، الذي لم تثر تصريحاته وتدخلاته في الشأن الأردني حفيظة الأردن، إلا مع بداية موعد مناورات الأسد المتأهب التي يخوضها أكثر من 22 دولة عربية وأجنبية، ووصول نحو 6 آلاف جندي من المارينز إلى الأردن، ونشر "إسرائيل" للمزيد من بطاريات منظومة القبة الحديدية، وإعلان الجربا رئيس الائتلاف السوري المعارض عن دعم كل من فرنسا والولايات المتحدة لتزويد الجيش السوري الحر بأسلحة نوعية، وإقرار مجلس الشيوخ الأمريكي لهذا القرار.
تشير تقارير إخبارية إلى قرب "تسخين" الجبهة الجنوبية السورية المحاذية للأردن وتفعيلها، بحيث تكون منطلقا وارضية للهجوم على دمشق (تبعد درعا نحو مئة كيلومتر عن دمشق)، واحتمالات مشاركة قوية للأردن في عملية التسخين هذه لوجستيا على الاقل، والملك الأردني الذي زار لندن وواشنطن منذ فترة قريبة تم إبلاغه بالقرار الغربي بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري في أعقاب إصراره على إجراء الانتخابات الرئاسية، والفيتو الروسي الصيني المشترك الأخير في مجلس الأمن، وتم إرسال المارينز لتأمين هذه التحركات، وتأمين "إسرائيل"، بطبيعة الحال.
"إسرائيل" التي كانت قد صرحت مراراً، خلال الآونة الأخيرة، بوصول أعداد كبيرة من ميليشيا حزب الله اللبناني إلى الحدود مع الجولان المحتل، وتمركزها فيه، واعتبرت أن وجود كل من التنظيمات السورية الإسلامية المعارضة وحزب الله على السواء، خط أحمر لن تسمح به، تعتبر الآن أن ما يجري على الحدود مع القنيطرة تجاوز كل خطوطها، وانه اختبار لقدرتها على ضبط النفس بعد تجاوز هذا الخط الأحمر الأمني.
التحرك الغربي تجاه سوريا، الذي يهدف إلى إخراج كل من الأسد والسيسي معاً من مأزقيهما الداخلي، بعد اقتناع "إسرائيل" بعدم توفر حلول أخرى، قد تدفع الأسد وحليفه "الصغير" حزب الله اللبناني إلى التحرش قريباً بالجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان وتبرير ضرب القوات السورية وقوات حزب الله، وصولاً إلى توجيه ضربات عسكرية مركزة للنظام السوري، في أماكن وجوده وهو المنهك أصلاً من استنزاف قوات المعارضة له، ما يعطي المبرر للبطل القومي المغوار الجديد (عبد الفتاح السيسي) لتمثل دور المنافح عن العروبة والقومية، وخوض حرب "وهمية" للدفاع عن دمشق قلب العروبة النابض، وحمايتها من العدوان الإسرائيلي القريب، لتدخل حينها القوى الغربية في العالم، وبالذات الولايات المتحدة ومن والاها، لإيقاف إطلاق النار وتأمين اتفاق تاريخي يعيد الجولان المحتل إلى سوريا ويثبت الأسد في حكمه، ويظهر السيسي بمظهر البطل الذي يمتلك برنامجاً قومياً لم يكشف عنه أثناء الانتخابات المصرية نفسها!
التوقعات والتسريبات تشير إلى بداية تسخين الحدود السورية الإسرائيلية اعتباراً من نهاية شهر مايو/ أيار الحالي، على أن تبدأ الحرب الإعلامية "الوهمية" والخاطفة خلال شهر يونيو/حزيران الذي يصادف ذكرى حرب النكسة، ويتم تخليص الأسد والسيسي معاً من مآزقيهما الداخلي.. وتصفية أي صوت ربما يجادل بعدها في اضطلاع الرجلين بواجبهما القومي والمقاوم على حساب دماء الشهداء والثورتين (السورية والمصرية).. وإن غدا لناظره قريب.
٭ كاتب وباحث فلسطيني