الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تداخل الخنادق.. متى يستفيق السوريون؟

تداخل الخنادق.. متى يستفيق السوريون؟

28.09.2014
سمير العيطة



السفير
السبت 27-9-2014
بات السوريّون يقبلون أيّ شيء... بما فيه أنّ تحالفاً أميركيّاً - خليجيّاً بدأ حملة قصفٍ للأرض السوريّة...
هذا الانتهاك للسيادة لم يزعج السلطة القائمة، بما أنّ الولايات المتحدة، قائدة التحالف، قد سجّلته لديها كعلمٍ وخبر. بل إنها راحت تبرّره بالقول إنّ "الأعداء الذين صنعوا المؤامرة" قد أضحوا في خندقٍ واحدٍ معها. هذا في حين أنّ هذا القصف، الذي لا يُمكن أن يوصف إلاّ بالعدوان في حقيقة الأمر، وما سبقه من فوضى وإرهاب يصبّان في المنحى ذاته الذي رسمته هي منذ اليوم الأوّل للانتفاضة على استبدادها.
الموالون أضحوا يتامى، وهم الذين أخذوا مواقعهم ودفعوا ثمن ذلك تضحيات لأنّهم تحديداً ضدّ "المؤامرة" ومع السيادة. والمعارضة السورية حيث عمّت الخلافات حول التدخّل الخارجيّ الصريح معظم مكوّناتها، تلك التي كانت تطالب منذ أيّام الثورة السلميّة بالتدخّل الأجنبيّ، كما تلك التي بنت سياساتها على رفضه، لأسبابٍ تخصّ سياسات الدول الداعمة واستثماراتها في الصراع، أو التحالفات القائمة. وكان تهميش المعارضة ملموساً في الواقع مع تنامي القوّة التي وصلت إليها "داعش" وانهيار كثير من الأطراف السوريّة المتصارعة أمامها.
بات السوريّون بالفعل يقبلون أيّ شيء... وهذا ليس بالأساس من جرّاء انفلات تنظيم "داعش" وقوّته ووحشيّته، بل لما أتت بالضبط كي تبرهن عليه بأنّ منطق الحرب الذي تمّ جرّ سوريا إليه يُمكن أن يأخذ الوطن والمواطنين إلى أيّة كارثة. وأحد أوجه هذه الكارثة أنّ السلطة كما المعارضة لم يعد لديهما سوى سبيل الاستجداء بالتدخّل الخارجيّ.
القصف الجويّ لن يزيل تنظيم "داعش"، بل ربّما سيزيد من حاضنته الشعبيّة. ذلك بسبب صلف السلطة والتدخّلات الخارجيّة سويّة، وابتداءً من التحريض الإعلامي، ثم التمويل والتسليح، وإطلاق العنان للمتطرّفين ولتدفّق المقاتلين الأجانب الذين أتوا بفكر "داعش" وما شابهها. وبسبب صدمة وهلع حتى أكثر المعارضين الحالمين بالسلطة من تضخّم الصراعات الإقليميّة ما وممّا سيأتي بعد القصف من مشاريع تقسيم ومزيدٍ من الفوضى.
يبقى السؤال الكبير هو: لو ضعفت "داعش" من الذي سيحلّ مكانها على أرض سوريا التي احتلّتها؟ ليس هناك في سوريا ولا حتى في العراق من يملأ الفراغ الذي قد تتركه. و"الخبراء" الذين يواكبون أصداء الحملة الجويّة يرددون أن مقوّمات الدولة غدت مفقودة. الجيش السوريّ منهك. والمعارضة المسلّحة منهكة، ليس فقط من جرّاء صراعها الطويل مع الجيش والميليشيات الموالية، ولكن أيضاً في ما بينها. و"داعش" كانت قد بسطت نفوذها تحديداً لأنّ "المعارضة" التي تمّ تسليحها لم تعرف كيف تنظّم المناطق التي انسحب منها الجيش والقوّات المواليّة. ذلك على مدى سنتين. فكيف لها أن تقوم بهذا التنظيم سريعاً حتى تكون قوّة فاعلة؟ وهل تعني محاولات التنظيم المنشود المتأخّرة شيئاً غير عمليّات التصفية التي تجري حاليّاً بين مكوّناتها؟ في حين تدفع كلّ دولة داعمة التنظيمات التي تدعمها كي تكون هي القوّة التي تفرض نظاماً على الأرض: الولايات المتحدة كما الدول الإقليميّة. وهنا ليس جميع داعمي المعارضة في خندقٍ واحد.
وتبدو ملامح هذا الصراع في الضربة الجويّة التي لم تستهدف "جبهة النصرة" وإنّما إحدى مكوّناتها، وفي إقالة المجلس العسكريّ للائتلاف المعارض مرّة ثانية تزامناً مع انطلاق القصف. فهل حقّاً سيكون ما بعد "داعش" هو العودة إلى المربّع الذي كانت فيه سوريا قبله؟ خاصّة أنّ الولايات المتحدة قالت صراحة إنّ الحرب ضدّ "داعش" ستدوم سنين وإنّ الحلّ في سوريا هو في النهاية... سياسيّ وليس حسماً عسكريّاً.
فمتى وكيف يستفيق السوريون... معارضة وموالاة؟