الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تداعيات التدخل الروسي في سورية على المشهد الإقليمي

تداعيات التدخل الروسي في سورية على المشهد الإقليمي

10.10.2015
خالد بن نايف الهباس



الحياة
الخميس 8/10/2015
عُرف عن السياسة الخارجية الروسية عدم الحسم منذ عهد الاتحاد السوفياتي السابق وحتى قريباً، فلم تنقذ موسكو حلفاءها من الهزيمة عبر العقود، كما هي الحال مع العراق وليبيا ودول شرق أوروبا. لكن الاستثناء لذلك هو التدخل العسكري الروسي لضم جزيرة القرم وتدخلها العسكري أخيراً لدعم النظام السوري بعد أن أوشك على السقوط.
كذلك عُرف عن القوى العظمى أنها مهما تعارضت مصالحها فهي تبقي على مقدار معين من التنسيق في ما بينها كي لا تجد نفسها في صدام عسكري مع بعضها الآخر، بخاصة أن روسيا الآن بدأت تستعيد جزءاً لا بأس به من عافيتها الاقتصادية والعسكرية بعد نحو عقدين من التقهقر والضعف أمام التمدد الغربي الذي اقترب من المحيط الاستراتيجي لروسيا في وسط آسيا وشرق أوروبا. ومهما كان النظام الدولي المعاصر في حال تحول نحو تعدد الأقطاب، بما يستوجبه ذلك من حتمية تقاسم النفوذ الدولي، فإن هذا التحول البنيوي لم تكتمل فصوله حتى هذه اللحظة، حيث لا تزال السيطرة الغربية على مفاصل السياسة الدولية واضحة، والحضور الغربي في مناطق عدة من العالم هو الأبرز نظراً إلى التفوق الاقتصادي والعسكري والتقني الواضح لدى أميركا وحلفائها الغربيين. لكن، ما الذي تغير بالنسبة إلى سورية، ولماذا رأينا هذا التدخل العسكري الصريح والمفاجئ لموسكو لدعم النظام السوري ومحاربة داعش؟ وما هي تداعيات ذلك على الساحتين الدولية والإقليمية؟
لا يخفى على المتابع أن السياسة الخارجية الأميركية في السنوات القليلة الماضية أصابها مقدار كبير من التراجع، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.
فبعد سنوات من التوسع غير المدروس في عهد الرئيس جورج بوش في أفغانستان والعراق وما ترتب عليه من تكاليف سياسية ومالية وعسكرية باهظة، والتي تزامنت مع الأزمة المالية العالمية أيضاً، كان لزاماً على واشنطن أن تعيد النظر في التزاماتها الخارجية، والتركيز على القضايا الجوهرية في محاولة واضحة لإعادة صوغ «الاستراتيجية الكبرى» لأميركا حول العالم، والذي أيضاً يتواكب مع ميل الرئيس أوباما إلى عدم استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية، والاعتماد بدلاً من ذلك على «المشاركة» بدلاً من «التدخل». تُضاف إلى ذلك رغبة واشنطن في احتواء الصعود السريع للصين في مناطق عدة من العالم، لا سيما في الشرق الآسيوي الذي أصبح مركز الثقل للاقتصاد العالمي.
بالنسبة إلى روسيا، فإن التراجع الأميركي شكَّل فرصة سانحة لاستعادة جزء من دورها المفقود على الساحة الدولية، فكان البدء في أوكرانيا ومن ثم في سورية، لا سيما أن الأزمة السورية دخلت عامها الخامس من دون حل، حيث لم تستطع واشنطن وحلفاؤها الغربيون أو الإقليميون نزع فتيل الأزمة وأصبحت المحاولات السياسية تدور في حلقة مفرغة مع تباعد المواقف المؤيدة للنظام السوري وتلك المعارضة له. صانع القرار الروسي قرأ جيداً العزوف الأميركي عن فعل شيء تجاه سورية، الأمر الذي جعله يقرر التدخل للحفاظ على موطئ قدم له في الشرق الأوسط في ظل تقهقر النظام السوري في الأشهر الأخيرة وقرب سقوطه، حتى وإن تم التدخل الروسي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب الذي يمثله «داعش». لكن الإعلان عن تعاون رباعي بين موسكو وطهران وبغداد ودمشق مؤشر واضح إلى أن الأمر له أبعاد استراتيجية ولا يتوقف عند تمدد «داعش». والحقيقة أن الإخفاق الأميركي في العراق تسري عليه الحسابات الاستراتيجية نفسها التي تسري على سلبية واشنطن تجاه الأزمة السورية.
الأمر الآخر الذي يتوجب ذكره هنا يتعلق برغبة موسكو في أن تصبح لاعباً مؤثراً في مستقبل سورية، سواء في ظل بقاء الأسد أو عدمه، وهذا لا يمكن أن يحصل من دون دور روسي فاعل في تطورات الأزمة السورية يتجاوز دورها «المعطل» منذ بدء الأزمة في آذار (مارس) 2011، والذي كان داعماً ومدافعاً عن النظام السوري، لكن لم يكن حاسماً في شكل أو آخر، فكل ما نتج من هذا «الدور المعطل» كان إطالة أمد الأزمة وزيادة كلفتها المادية والبشرية، لكن من دون حسمها.
إن التطور الأخطر في التدخل الروسي يتمثل في استباحة المنطقة العربية من جديد من جانب القوى العظمى، فلا نعلم حتى هذه اللحظة ما ستكون عليه حسابات واشنطن المستقبلية، وما إذا كانت ستقف موقف المتفرج من بعث الدور الروسي في المنطقة، أم ستتقاسم النفوذ معها، أو تترك موسكو تدخل في مستنقع أزمات الشرق الأوسط لإنهاكها. وما دور القوى الإقليمية غير العربية في حسابات القوى العظمى تجاه المنطقة العربية؟ هذا يقودنا إلى سؤال منطقي وهو: ما مصير المنطقة في ظل هذه التطورات؟ فالدول العربية تعاني من عدد كبير من المشاكل السياسية والأمنية، أصبح بموجبها النظام الإقليمي - العربي منهكاً وغير قادر على صون الأمن القومي العربي إزاء التحديات الإقليمية والدولية الجمة التي تجابهه. وفي ظل ظهور متغيرات جديدة على المشهد السياسي الإقليمي والمتمثلة بتداعيات الثورات العربية والإرهاب والتأزم المذهبي والطائفي والفراغ السياسي والأمني الواضح في مناطق عدة من الوطن العربي، فإن مستقبل المنطقة العربية يبدو على أحسن تقدير غامضاً وغير مطمئن.