الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تداعيات بعيدة المدى للاتفاق الأميركي - الروسي تثير المخاوف مع انعكاسات محتملة على الحلّ

تداعيات بعيدة المدى للاتفاق الأميركي - الروسي تثير المخاوف مع انعكاسات محتملة على الحلّ

22.09.2016
روزانا بومنصف


النهار
الاربعاء 21/9/2016
في ظل ثبات الاقتناع بأن كل الضجيج الداخلي حول جلسة الانتخاب في 28 ايلول وما بعدها لن يأتي بنتيجة، وان الجلسة لن تحمل جديدا يذكر على صعيد انتخاب رئيس جديد وفق ما يتم الضغط عبر حملات سياسية واعلامية هادفة ومقصودة في اتجاهات معينة، وهو واقع الحال الذي سيسري في المدى المنظور من دون اي تغيير، تتركز أنظار أوساط سياسية عدة على ما يجري في سوريا انطلاقا من رهانات على ما إذا كان الاتفاق الاميركي - الروسي سيتم انعاشه او انه انتهى فعلا. هذه الرهانات تتم على وقع تساؤلات قد يكون أبرزها اذا كان سقوط الهدنة يعني سقوط انتصار الرؤية الروسية للحل او هو مجرد سقوط وقف القتال ومنع سقوط المزيد من الضحايا السوريين، علما أن هذه النقطة ليست السبب الاساسي للتوافق الاميركي- الروسي، وهل ما يحصل هو سباق على حصول روسيا على تثبيت رؤيتها للحل قبل رحيل ادارة باراك اوباما؟
 
واقع اعتراض البنتاغون الاميركي على بنود في الاتفاق الاميركي- الروسي تتناول التعاون المرتقب بين الاميركيين والروس عسكريا واستخباراتيا، على رغم جولات متعددة من المفاوضات بين ممثلين عن الجانب الاميركي والجانب الروسي في جنيف على مدى اسابيع، يظهر بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين ان ادارة الرئيس باراك اوباما قد تكون تساهلت في مسائل متعددة لمصلحة روسيا من أجل إنهاء ولايته الرئاسية الثانية بإنجاز إحلال الهدوء في سوريا قبل مغادرته البيت الابيض، وثانيا ان روسيا التي تعي هذا الواقع قد تكون استفادت الى الاقصى من اجل ان تحتل وجهة نظرها للوضع السوري الاولوية في ضوء معرفتها حاجة اوباما الى مكسب نهائي، قبل رحيله. لذلك ثمة من يرى ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يتراجع بسهولة عن الاتفاق الاميركي- الروسي الذي يعتقد كثر أنه يثبت انتصاره وانتصار حلفائه في سوريا قبيل وصول الادارة الاميركية الجديدة، وهو الاتفاق الذي تتضمن عناوينه بدء الهدنة ووقف القتال والتمهيد لعملية سياسية، لكن مضمونه هو الإقرار بتناسي موضوع بشار الاسد والمرحلة الانتقالية. يعتبر هؤلاء أن اعتراض البنتاغون على تفاصيل الاتفاق لجهة التعاون العسكري والاستخباري بين الولايات المتحدة وروسيا هو شكل من أشكال رفض التسليم لروسيا بتثبيت وضعها وشروطها في سوريا، وليس فقط رفضا للتعاون الاستخباري معها، إذ إن أوباما جمع مجلس الامن القومي بعد الاتفاق، من أجل أن يدعم موقفه الذي عبر عنه وزير الخارجية جون كيري، وليس قبل حصول الاتفاق او توقيعه، وقد دافع عنه كيري وكأن الولايات المتحدة تخضع لليّ ذراع للقبول بما يعرض عليها تحت وطأة انفلات الضوابط لدى روسيا والنظام السوري في استهداف المدنيين والاجهاز على حلب. يضاف الى ذلك، فإن الأمر لا يتصل بروسيا وحدها، بل بجملة أمور من بينها بقاء النظام بما يعنيه من استمرار للحرب السورية، وانتصار ايران بما يعنيه ذلك من محاولة كسر للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وكذلك انتصار "حزب الله" وما يعنيه ذلك بالنسبة الى الطرف الاسرائيلي على الاقل الذي لا يعتقد انه قد يسمح بأن تسجل ايران والحزب هذا المكسب. فالمسألة في التعاون الاميركي - الروسي انه لا يستطيع ان يختزل وقف النار والمساعدات الانسانية، وثمة واقع تتداخل فيه مصالح اقليمية الى جانب المصلحتين الاميركية والروسية من دون ان يأخذ في الاعتبار جملة عوامل اخرى. وهذا فقط بالنسبة الى القوى الخارجية المعنية مباشرة بالحرب السورية، في حين أن الاسد الذي بات منتشيا بمكاسب تثبيته من روسيا وايران والتمسك به، يناسبه جدا عدم سريان الهدنة، بل على العكس من ذلك، والامر نفسه بالنسبة الى فصائل في المعارضة ترى خطرا على وجودها بموجب الاتفاق، فيما ترى كل فصائل المعارضة في الاتفاق محاولة لإضعافها تمهيدا لتمكين النظام من السيطرة على المدن الرئيسية وتعزيز وضعه في أي مفاوضات سياسية مقبلة.
وتقول مصادر ديبلوماسية إن المسألة لا تتصل بالهدنة التي ترى فيها دول كثيرة مصلحة فيها في هذه المرحلة، لاعتبارات كثيرة لا مجال لذكرها. وهناك جهد سيبذل على نحو كبير في نيويورك هذا الاسبوع لمحاولة إنقاذ الاتفاق الاميركي- الروسي، وربما تلحق به بعض التعديلات (!) لكن دولا عدة ترغب في الا تنفرد الولايات المتحدة مع روسيا في هذا الاتفاق خشية التنازلات الاميركية المحتملة لوجهة النظر الروسية، فضلا عن دور ومصالح لهذه الدول قد لا تكون اخذت في الاعتبار. إذ إن ثمة مشكلة كبيرة في ان تطالب فرنسا الولايات المتحدة بكشف الوثائق التي تضمنها الاتفاق بينها وبين روسيا، فيما يفترض ان تكون فرنسا مطلعة مسبقا، شأنها شأن دول أخرى في التحالف مع الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية (ما دام هذا هو العنوان للتعاون الاميركي - الروسي المحتمل عسكريا واستخباراتيا) على كل التفاصيل. هذه الابعاد للاتفاق الاميركي- الروسي، وليست الهدنة، هي مدعاة القلق من تداعيات بعيدة المدى لهذا الاتفاق، كما من انعكاسات محتملة له على الحل السياسي للازمة السورية، مما يجعل هذه الهدنة هشة، وربما غير قابلة للتطبيق وفق ما يرغب الروسي والاميركي، كل لاعتباراته الخاصة.