الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تدمر.. تسلّم وتسليم

تدمر.. تسلّم وتسليم

04.04.2016
بول شاوول


المستقبل
الاحد 3-4-2016
.... ثم أطل بشار الأسد على صهوة حصانه الأزرق على الشاشتين الروسيتين، بعدما تمكن الروس بآلتهم الحربية وطائراتهم وميليشيات إيران، من الحرس الثوري، إلى تابعهم "حزب الله"، من السيطرة على تدمر بما يشبه التسلم والتسليم. "داعش" سلّم "الأمانة" الغالية لحلفاء دمشق، وتقهقرَ إلى أمكنة أخرى قد يتم تسليمها أيضاً! ولكن علينا أن نتذكر أن النظام سبق ان سلّم تسليم اليد تدمر إلى "داعش". فيا لهذا التوازن "التكتيكي" بين هاتين العمليتين: الجيش السوري والخوارج، انسحبوا من تدمر قبل ساعات من "مجيء" الارهاب الداعشي وتركوا كل شيء خلفهم، المدينة الأثرية وسكانها وأطفالها ومنازلها. كان ذلك في 15 أيار 2015 موعد عملية تسليم هذه المدينة لـ"داعش". لم يحرك الأسد ساكناً. وكذلك حليفاه الروسي والإيراني. وتدمر كما هو معروف واقعة في قلب البادية أي كل شيء مكشوف منها لقصف الطيران وسواه. رمل بلا حدود وبلا سقوف ومترامٍ على مد البصر. وكان سهلاً على قاذفات الروس وطائراتهم وصواريخهم يومها قصف تجمعات "الجهاديين" في الصحراء لوقف تقدمهم.
معركة من طرف واحد. أو اتفاق من طرفين. فهذه المدينة وما حولها بسكانها كانت موقعاً معادياً للنظام أصلاً. فها هو يعاقبها، وينتقم منها لأن أهليها تظاهروا في عام 2011، إبان الربيع السوري، ضد النظام الاستبدادي. فليحترقوا بنار ارسلناها إليهم من "داعش". وكما تقول المصادر المطلعة، فقد كانت تدمر تحتضن سجناً اعتقلت فيه ألوف المعارضين السوريين، الذين تعرضوا فيه على أيدي الشبيحة والقوات الأسدية لأقسى أنواع التعذيب على امتداد أعوام، بعضهم أُعطبَ وبعضهم الآخر مات متأثراً بوحشية التعذيب... وما تبقى منهم ذبح... هذا منذ 1980... رداً على انتفاضة حمص وحماة وتوابعهما وعلى محاولة اغتيال حافظ الأسد.
وتدمر أصلاً، وامتداداً إلى أبعد منها، أرضٌ ملعونة. منتفضة تاريخياً على الاستبداد البعثي. فما الحاجة إليها إلاّ لجعلها ضحية أو سلعة تجارية في أيدي الارهاب الداعشي لتكون ورقة مقدمة للعالم: ها هو الارهاب فاخشوه، وها نحن أرباب الدولة الديموقراطية، فراهنوا علينا. والغريب - العادي أن "داعش" دمّر ذلك السجن لسبب معروف: محو آثار الجرائم التي ارتكبها النظام فيه. ونتذكر أن المعارضة استنكرت تدميره طمساً لآثار آل الأسد.
[الآثار المنهوبة
اما ادعاء النظام والتعبير عن "ادانته" لتحطيم الآثار فهذه كذبة أيضاً لأنها تعرضت للغزو من قبل قواته وتمّ نهبه، وسرقة ثمينه وبيعه.... والباقي تولى أمره "داعش". لصوص ارهابيون يتعاقبون على كنوز تدمر، لكن الفارق ان بشار الأسد لعبها ورقة سياسية حضارية أمام العالم ليظهر بربرية "الجهاديين" وهمجيتهم: بربرية النظام تلجأ إلى بربرية "حليفها" لتبييض صفحتها! رائع! خصوصاً وأن "داعش" وباستعراض سخيف شرَعَ بتدمير الآثار امام عدسات المصورين. الصورة الدعائية التي تؤثر "وتبرئ" الأسد... وتؤكد "وجهه" الحضاري "الحريص" على المواقع التاريخية. هو باع من الآثار ما ملأ خزائنه وربيبه "داعش" "حذا حذوه.... بنجابة معلمه.
اما انجازات الأسد الأخرى في تعامله مع "الجهاديين" فتتمثل صريحة عندما فتحت قواته الطريق سالكة لـ"لجهاديين" بالدخول إلى مخيم اليرموك عام 2015 (تل الزعتر آخر لمن يتذكر) على الرغم من الحصار الذي كان قد فرضه مع أذيال إيران "حزب الله" والميليشيات الإيرانية على امتداد سنتين. فالمخيم يحتضن الفلسطينيين وهم ليسوا مؤيدين لرأس النظام. فهو بذلك يضرب عصفورين بحجر: خدمة اسرائيل، وتقديم صورة "داعش" أمام العالم لاستغلالها دولياً.
لكن والكل يعرف ان مفعول استغلاله لـ"داعش" في تدمر، وفي مخيم اليرموك وفي مواقع عديدة في سوريا، قد نفدَ. وها هو منذ خريف 2015 يتحسن وضعه: القوات الروسية "رجحت كفته" الميدانية وادعت استرجاع 400 بلدة من أيدي المعارضة وتسليمها إلى الأسد.
[التحرير فيلم روسي..
وعملية التحرير هذه كأنها فيلم روسي ميلودرامي تراجيدي "بمشخصاتية" ودُمى على رأسهم الأسد. ها بوتين يقرر التحرير. لكن هو حرّر و"انتصر" الأسد. هو دحر "داعش" واحتفل "حزب الله" الذي صار لاعباً صغيراً في سوريا مع إيرانه وحرسها الغيستابوي: وكل ذلك أي التحرير ليس سوى رفع الشعار الذي استعاده الروس: إما عودة النظام الدكتاتوري وإما وحشية "الجهاديين". هذه الحيلة لعب بعضها نظام آل الأسد في لبنان: اما الحروب الأهلية والتقسيم والقتل وإما نحن. اما الحرية بثمنها الباهظ، أو نحن. إما الأمان أو الفوضى. إما الاستسلام والخضوع وإما الخراب. وفي المناسبة نتذكر معارك نهر البارد عندما ارسل الأسد عملاءه الارهابيين لاحتلاله، واقامة إمارة سنية في الشمال لترهيب العالم. وهؤلاء المرتزقة و"الجهاديون" الذين اخرجهم من سجونه واستغلهم لإحداث فتنة في لبنان، لا يختلفون عما فعله في سوريا... عندما اطلق المحكومين بالإعدام والسجناء السياسيين، و"الجهاديين" من معتقلاته وأفلتهم على الناس ليحولوا المعركة من صراع سياسي مدني (الربيع السوري) إلى فتنة مذهبية، وقد تبنى حسن نصرالله في إعلانه المشاركة في الحرب ضد الشعب السوري ذلك، فادعى انه يريد حماية "مقام السيدة زينب" معلناً المنحى الطائفي لمعركة اسقاط النظام...
[.. وأَطلَّ
إذاً أطّل الأسد على العالم ليعلن "فوزه" ويفرض خارطة طريق للمفاوضات وتصرف على الشاشات بقسمات "رجل الدولة" الذي يحافظ على الدستور وعلى المؤسسات وأمانِ "شعبه" ولكن أيضاً ليوحي انه بات موجوداً على كل لوائح "الحل السياسي" المطروح في المفاوضات وراح يرسم (وكأنه فعلاً هو المنتصر) درب "الانتقال السياسي" (لانه صار جزءاً من عفشه) وكيفية تشكيل الحكومة الوطنية (حكومة وطنية وهو من أطرافها! أوطنية؟) تعمل على صياغة "دستور" جديد ينتظر استفتاء الشعب"! دستورالاحد 3-4-2016 شعبالاحد 3-4-2016 حكومة وطنية لكن كل ذلك لا يتم إلاّ بانتقاله إلى دار أخرى قبل المرحلة الانتقالية بل أكثر: شرب حليب الدب الروسي الأبيض واعلن ان تحرير تدمر سيُكمل نحو المناطق الشرقية للبلاد كدير الزور والرقة... لكن بذراع بوتين وصواريخه وطائراته! بوتين يحرر والأسد "يستعيد" رئاسته: رئيس بلا جمهورية، في جمهورية بلا رئيس. رئيس يتكلم عن شعب لم يعد "موجوداً" على أرضه لأنه بات نهب التهجير والنزوح والموت في السفن وفي المخيمات. شعب بلا رئيس، ورئيس لا يريد سوى ما يعجبه من شعبه محتذياً مقولة "شعب الله المختار". وكم تأثرت عندما راح بشار الأسد يلقي مسؤولية الخراب والدمار والنزوح والهروب على الغرب والعرب معاً وعلى العنف وعلى الظروف الاقتصادية... أما هو فالحريص على الاعمار! وعلى "حماية" الناس. الاعمار فمكافأة لشركات حلفائه وبالترتيب: روسيا، الصين، ايران. ولو؟ ألم تكن ايران في رأس أولوياته! لكن الحق معك: أين هي إيران وحزبها.. بعد التدخل الروسي. في اسفل الموجودين والموجودات.
[رجل دولة
وباعتباره "رجل دولة" ورجل الدولة يُنزّه نفسه عن كل ما صنع الفوضى والموت والخراب والحروب في بلاده فلا بد كرجل الاحد 3-4-2016 دولة ان يستعيد مسؤوليته ويتكلم على الدستور والانتخابات ولمَ لا عن الديموقراطية... والحضارة والمدنية! بعد خراب "البصرة" يرفع لواء القانون، لكن أي قانون؟ وأي انتخابات؟ انه "انتحاب" لا "انتخاب" ديممقراطية لا ديموقراطية.. لا شيء سوى ذلك، اما هو كرئيس دولة "فحريص" على وحدة سوريا! "الشعب السوري لا يريد الفدرلة": من جديد يتكلم باسم الشعب السوري الذي عندما رفع شعار وحدة سوريا تصنعُها الحرية والتخلص منه بالذات أعلن عليه حرباً. اليوم، يرفض هذا الشعب الضائع بين مدن العالم فدرالية من هو رمز الفدرلة الفاشية والتقسيم والتهجير الممنهج والقتل على الهوية والعنصرية المذهبية. فمجرد وجود الأسد أكثر من فدرلة: انه مشروع تفكيكي يعود إلى ما رسمته اسرائيل وايران في المنطقة. لكن، ماذا فعلت بسوريا لكي "تمانع" فدرلتها وانت جزء من غيتوات مذهبية احتلالية خارجية منتشرة على الأرض السورية كلها: لإيران مناطقها وكذلك لـ"داعش"، وايضاً لنظامك، وللجيش الحر و"النصرة".. من دون أن ننسى ان "الروح الروسية" ترفرف فوق معظم "المخلوقات" الموجودة هناك، بلا دولة ولا رأس دولة ولا نظام ولا قانون. ولا جمهورية. فلـ"داعش" مشروعه ولـ"حزب الله" الإيراني أهدافه وللجيش الحر ربيعه الديموقراطي وللنصرة آمالها ولك الفُتات: مجرد ساكن في قصر مهدد بالسقوط! وما أجمل تعابير وجه بشار الأسد عندما راح يتحدث بثقة ووطنية عن "سيادة" سوريا: فكل هؤلاء الغرباء الذين استجلبهم لانقاذه لهم "سيادتهم واستقلاليتهم وقراراتهم الاحتلالية. فايران محتلة في ظل سيادة الرئيس. وكم مرة سمعنا من "رموزها" ان سوريا "ولاية إيرانية". فالرئيس سيد حر مطلق في ولاية إيرانية! (نتذكر المقاوم الأول والممانع الأول اميل لحود!) حتى ان كلمة سيادة تخرج من فمه "متغرغرة" بالسحر والايمان والشغف! لكن ماذا نفعل بالروس. آه. "الوجود الروسي" ليس "احتلالاً" بل ضرورة وطنية "سيادية" لكونه "فاعلاً في مكافحة الارهاب". (مثل ايران تماماً) . فالإرهاب والمعارضة يضعهما الأسد في سلة واحدة. والمعارضة المدنية المتمثلة بالجيش الحر "احتلال" نكافحه مع سيدنا في الكرملين. فكل شيء ارهاب حولي! وحدهم حلفائي "الخارجيون" سياديون على أرضي. وحدهم وطنيون. .. ولمَ لا "بعثيون"! أي عضويون في تكوين الكيانية السورية نفسها بل والعروبة بل والاشتراكية بل وفي استرجاع فلسطين. هذا عن دور روسيا في "صد" الارهاب والتدخلات "الخارجية" لكنها أيضاَ سيادية بقواعدها العسكرية "الأبدية" كشعار "حافظ الأسد من الأبد إلى الأبد" . فالمسألة كينونية أي مصيرية أي تاريخية وجودية على امتداد سوريا والعالم: "فوجود القواعد الروسية استراتيجية يرتبط بالتوازن الدولي والاقتصاد والأمن والمناخ والسياسة والحياة نفسها! فلولا هذه القواعد لاختل النظام الدولي والكوني. بشار الأسد حريص على "التوازن" الدولي، وتمسّك "حلفائه" به، هو اختلال في كل توازنات المنطقة! فكيف يمكن أن يؤدي اللاتوازن بوجود روسيا وإيران... إلى توازن! ألم يقلبوا التوازن في الربيع السوري ويخلوا به بمرتزقتهم وسلاحهم؟ ألم يحول الروس وإيران الصراع السياسي إلى صراع مذهبي ثم ارهابي... للإخلال بالتوازن الشعبي الراجح للثورة السورية، و"ترجيح" كفة الأسد (الموقتة) على المعارضة... أوليس اخلالاً بالتوازن الميداني؟ وكم كان بشار مرتاحاً ومطمئناً وسخياً ولا سخاء حاتم طي في كلامه على "ضرورة اعمار سوريا" كأنه كان في المريخ، أو في سيبيريا خلال الحرب . فعَدو الإعمار يبشر بالاعمار ويجزي من ساعدوه على قتل الشعب السوري. اعمار؟ والتكلفة مئتا مليار دولار . رقم ارتجالي نبوئي والسياديون مثله ، انبياء في السياسة وفي الاقتصاد! (لماذا قتلتم رمز الاعمار في لبنان واقصد الرئيس الشهيد رفيق الحريري ؟) يمكن أن يكون نسي "الأسد" ان نظامه في عهد والده قد ساهم في تدمير لبنان، بمدنه وقراه ودساكره وفعل فيه ما يفعله منذ خمس سنوات بسوريا وبشعبه. اما رقم 200 مليار فمغر وجاذب. كأنه يفتح منذ الآن بازاراً جديداً. "حتى الشركات الأجنبية التي كانت بلدانها ضدنا.. ستأتي للإعمار"! بقشيش! بقشيش! فهذا النظام تربى على مدى اربعين عاماً على منطق البيع والشراء. نبيع الاعمار لنكتسب تأييداً". نبيع الجولان لنحافظ على النظام... نبيع القضية الفلسطينية مقابل وصايتنا على لبنان وحلفنا مع اسرائيل.
[صفقة تدمر
اذاً سقوط تدمر كان من باب صفقة بيع وشراء: سلمت إلى "داعش" كوديعة ثم سلّم "داعش" الوديعة. في التسليم الأول "تعاظم" "داعش" واخاف العالم وفي التسليم الثاني ربح الروس وظن الأسد انه من الرابحين.
من هنا، راح الأسد يفتتح عهداً جديداً له لكن من دون عهد. وراح يسابق الزمن والزمن سبقه. راح يتصرف "كرئيس" مقبل، هو ما زال موضوع بين رد وأخذ. اي صار الأسد على طاولة المفاوضات بين أميركا وروسيا. وها هي صحف ومصادر تقول ان "التلفزيوني" بشار صار أقرب إلى الخروج من اللعبة. ومنها ما يشير إلى اختيار منفى له لا في روسيا ولا في أميركا بل في بلد ثالث الأرجح انها ايران. اكثر: صحف أخرى اشارت إلى ان مصير بشار يتقرر بعد ستة أشهر. اذا كان الأمر كذلك فتصوراته للمرحلة المقبلة تأتي من باب لفت الأنظار إلى وجوده.. وإلى دوره الضائع بين سوريا القديمة التي دمرها.. وسوريا الجديدة التي سيحكمها سواه...