الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ترامب (ونيكاراغوا وسوريا) في مواجهة العالم!

ترامب (ونيكاراغوا وسوريا) في مواجهة العالم!

04.06.2017
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
السبت 3/6/2017
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خروج بلاده من اتفاقية باريس للمناخ التي وقعها سلفه باراك أوباما عام 2015. الاتفاقية كانت علامة فارقة على أن البشرية قرّرت (أن تحاول) الخروج من طريق الفناء الذي بدأت بسلوكه منذ دخول أوروبا العصر الصناعيّ وصولاً إلى هذه المرحلة التي شمل التلوّث التربة والبحار والأنهار والهواء، وأدّى تراكم الغازات الصناعية إلى التأثير على الغلاف الجوّي المحيط بالأرض مما ساهم بدوره في احترار متزايد للكرة الأرضية مع كل العناصر المرتبطة بهذا الاحترار من قحط وجفاف وتصحّر وذوبان الثلوج وارتفاع مدّ البحر، وهذه كلها عوامل لا يمكن مقارنتها بما يمكن أن يحصل من مخاطر في العقود المقبلة من غرق بلدان وجزر وانقراض حيوانات ونباتات وارتفاع لدرجة حرارة الأرض ما يجعلها مكانا غير صالح للحياة.
حسب وسائل الإعلام الأمريكية فإن ترامب اتخذ القرار بـ"الغريزة"، بعد أن كان يعلن، منذ حملته الانتخابية للرئاسة، كرهه للاتفاقية ويصفها بأنها "صفقة سيئة" تضرّ العمال الأمريكيين، وبعد أن استمع إلى نقاشات شارك فيها مستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون (المدافع الشرس عن قرار حظر المسلمين والمعجب بروسيا)، وبدعم من نوّاب للحزب الجمهوري تدعمهم شركات النفط والغاز والفحم.
القرار، حسب ترامب، يستند إلى شعاريه الأثيرين: "أمريكا أولا" و"لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً"، غير أن الشعارين مضلّلان بأكثر من طريقة.
الأكيد في شعار "أمريكا أوّلا" أن سحب حصّة أمريكا من دعم الاتفاقية سيضرّ حقّاً بباقي بلدان العالم، وسيؤدي إلى معاناة هائلة للبلدان التي تعيش "على الخط الأمامي للتغير المناخي" حيث سيقلص موارد المياه وهطول الأمطار ويؤثر على الإنتاج الزراعي ومصائد الأسماك ويساهم في سوء التغذية والأمراض المعدية والسيول وأسعار الغذاء، ولكنّه، بالقدر نفسه، سيضرّ البيئة الأمريكية وصناعاتها الأكثر تفوقاً في العالم، في مجالات الإبداع كافّة، التكنولوجية والرقمية والاقتصادية والغذائية، وكان هذا واضحاً من خلال اتصال رئيسي شركتي أبّل للإلكترونيات وتيسلا لصناعة السيارات الكهربائية بترامب ومحاولة إثنائه عن قراره، وفي الغضب العارم الذي اجتاح الكثير من الشركات والقطاعات الاقتصادية في أمريكا نتيجة هذا الانسحاب.
ما قام به ترامب لا يتعلّق بـ"أمريكا أولا" بل بالجزء العنصري والجشع والمتغطرس فيها، بحيث يهتمّ بمصالحه اليوم والآن ولو كان ذلك على حساب أولاده وأحفاده، وهو بالتالي ليس ضد العالم فحسب بل ضد أمريكا ذاتها.
تحليل ردود الفعل الدولية يبيّن وجود تقارب بين كتلتين اقتصاديتين هائلتين، هما الاتحاد الأوروبي والصين، وابتعاد الولايات المتحدة الأمريكية التي صارت، إضافة إلى نظام سوريا الكيميائي، ودولة نيكاراغوا الصغيرة في أمريكا اللاتينية، هي ثالث دول العالم التي لم ترفض اتفاقية باريس.
يلفت النظر هنا، أن روسيا، بلسان رئيسها فلاديمير بوتين، لم تنتقد قرار الرئيس الأمريكي، وهو ما يضيف بعدا "مناخياً" إلى العلاقة السياسية غير المسبوقة بينهما، والتي تبادل فيها الرئيسان الإعجاب أكثر من مرّة، ولا تنفك تزداد كل يوم الأخبار المربكة التي تربط بين بطانة ترامب الخاصة مع سيّد الكرملين، وتتأكد الأنباء أن الروس ساعدوا ترامب في الحصول على منصبه الرئاسي، وهو أمر لا يجد تفسيراً، على ابتعاد المنظومتين السياسيتين للبلدين، غير التقارب الفكري في النظرة إلى شؤون إدارة العالم.
التقارب "المناخي" بين روسيا وأمريكا، وبين الصين وأوروبا، يقدّم مفاتيح جديدة لفهم اتجاهات العالم لكن اللغز الكبير فيه هو: ما هو موقع العالم الإسلامي؟