الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا بين اقتصاد روسيا وسياسة أمريكا

تركيا بين اقتصاد روسيا وسياسة أمريكا

04.12.2014
محمود سمير الرنتيسي



الشرق القطرية
3-12-2014
حل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول أمس ضيفا على أنقرة للمشاركة في المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين تركيا وروسيا وفيما تحتل القضايا الاقتصادية النصيب الأكبر من المحادثات بين الجانبين فإن هناك خلافات كبيرة بينهما في أزمات دول مثل أوكرانيا وسوريا وجورجيا وأذربيجان وقضايا مثل القضية القبرصية.
وبالرغم مما سبق إلا أن واشنطن وعواصم أوروبية تشعر بالقلق البالغ من السياسة التركية الحالية لعدة أسباب منها اختلاف الرؤى حول التعامل مع الأوضاع في سوريا والعراق وتقارب تركيا من روسيا اقتصاديا. ومحاولات تركيا لملء الفجوة التجارية التي حدثت بعد العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي مؤخرا على روسيا.
ويخشى الغرب على التوازنات التي فرضها بعد الحرب العالمية الثانية والتي وقفت فيها تركيا مع الغرب بشكل واضح بعد انضمامها لحلف الناتو. في مواجهة الطموحات السوفيتية.
ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أرادت أوروبا أن تعيد رسم بيئتها الأمنية من خلال إعادة النظر في وضع الناتو ووضع دول من خارج الاتحاد الأوروبي في السياسة الأمنية ودور الولايات المتحدة الأميركية في الأمن الأوروبي وفيما يتعلق بدور تركيا المختلف عليه وقفت الولايات المتحدة في بداية التسعينيات داعمة لبقاء تركيا في حلف الناتو.
وبعد رفض البرلمان التركي السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية لغزو العراق في 2003 بدأت تظهر روح الاستقلالية في السياسة الخارجية التركية وان كان القرار قد جاء تحت غطاء البرلمان.
بعد اندلاع الأزمات بعيد الربيع العربي خاصة الأزمة الأوكرانية والسورية بدأت تتضح نقاط الخلاف بين القيادة التركية والأمريكية حول التعامل مع القضايا المختلفة وبقيت واشنطن قلقة من أي تقارب تركي روسي.
ولهذا حثت عدة تقارير الولايات المتحدة على العمل مع تركيا بكثافة من منطلق التركيز على طموحات روسيا كخطر مشترك على تركيا والولايات المتحدة وتحديدا فيما يتعلق بحقوق تتار القرم. وضرورة المشاورات مع تركيا كحليف وممر لإيصال القوات الأمريكية للبحر الأسود. وأما المرتكز الآخر فهو مبني على ضرورة التوجس من رؤى حزب قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا التي تبدو غير منسجمة مع الغرب وتشترك مع روسيا في هذه النظرة فضلا عن الإشارة إلى خطر تزايد توثيق العلاقة بين تركيا وروسيا لأسباب مختلفة.
من جهة أخرى تبدي روسيا اهتماما كبيرا بنزعة الاستقلالية في السياسة الخارجية التركية عن الولايات المتحدة سواء بعد رفض البرلمان التركي السماح باستخدام الأراضي التركية لغزو العراق في 2003. أو موقفها من عدم تقديم دعم مباشر للعقوبات ضد روسيا بعد الأزمة الأوكرانية واختلافها مع واشنطن تجاه الوضع في سوريا يؤكد نزعة الاستقلالية ويضاف لهذا تطوير علاقاتها مع روسيا في مجال الاقتصاد. وتلعب روسيا على وتر تعثر انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وملفات أخرى.
لكن الذي يحول دون علاقات روسية تركية هو الخلافات الجذرية في القضايا السياسية ولكن يعمل الطرفان على الاجتماع على نقاط الالتقاء وتغليب لغة الحوار وهو ما تخشى منه واشنطن
قد بدا القلق الأمريكي من خلال زيارات جو بايدن نائب الرئيس لتركيا وانتقاداته روسيا من هناك كما أن الولايات المتحدة أبدت عدة خطوات تقاربية خلال الشهر الحالي تجاه تركيا فيما يتعلق بمجال الطاقة من ضمنها التوقيع على اتفاقية تفاهم تقوم الولايات المتحدة بتزويد تركيا من خلالها بالطاقة كما طرح للنقاش ملف إمكانية إنشاء الولايات المتحدة لمحطة طاقة نووية في تركيا وتبدو هذه الفكرة في إطار طرح واشنطن نفسها كبديل عن المشاريع الروسية في تركيا.
كما يدور حديث حاليا حول تقارب أمريكي تركي حول موضوع المنطقة الآمنة مع الحدود السورية وبالمقابل انخراط تركي في مواجهة تنظيم الدولة عسكريا.
ستحرص تركيا على إدارة سياساتها وفق النهج التعاوني والابتعاد قدر الإمكان عن النهج التصارعي وهو ما يتطلب منها حسابات موزونة ودقيقة لتحقيق مصالحها وتأمين استقرارها بين روسيا والغرب في ظل الحديث عن عودة الحرب الباردة من جديد وهي الشيء الذي لا ترى فيه تركيا فائدة لأي أحد.. لكن المؤكد أن روحا استقلالية تنبعث بهدوء في السياسة الخارجية التركية نحو تركيا جديدة.