الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا.. حرب بجبهات متعددة

تركيا.. حرب بجبهات متعددة

20.12.2015
د. محمد نور الدين



الشرق القطرية
السبت 19/12/2015
في خضم التوتر التركي- الروسي بعد إسقاط الطائرة الروسية في 24 نوفمبر الماضي وفي ظل التوتر التركي- العراقي المستجد بسبب توغل قوة عسكرية قتالية تركية إلى منطقة بعشيقة في شمال الموصل، لا يلتفت الكثير إلى تطورات في غاية الأهمية في الداخل التركي ولا تنعكس، بسبب الأحداث أعلاه، في وسائل الإعلام الخارجية سواء العربية أو العالمية.
منذ أكثر من شهرين والمعارك مستمرة بين القوات التركية وبين مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل العديد من المدن في جنوب شرق تركيا حيث الغالبية من الأكراد.
ويتخلل هذه المعارك حظر للتجول من جانب السلطات التركية وحصار للمدن ومنع الدخول إليها حتى من جانب النواب في البرلمان.
وتظهر وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة كيف أن مقاتلي حزب العمال الكردستاني قد أقاموا السواتر الترابية والمعدنية في الشوارع الداخلية لبعض المدن وحفروا الخنادق وحولوا المنازل إلى مستودعات للأسلحة.
ويتبادر إلى الذهن سؤال طبيعي لماذا هذه المعارك وداخل المدن وفي هذا الوقت بالذات؟
يعيد اضطراب الوضع في المدن الكردية في تركيا إلى البال ذكريات تعود إلى التسعينيات في ذروة صراع حزب العمال الكردستاني العسكري مع الدولة التركية.. حينها كان الحزب الكردي بزعامة عبدالله أوجالان يسيطر على مناطق كثيرة في الجنوب الشرقي ليلا ولا سيما في الأرياف فيما تعود الدولة إلى الحضور نهارا. ولم تنته تلك المعارك إلا بعد اعتقال أوجالان في العام 1999.
ومع توالي السنوات شهدت المشكلة الكردية في تركيا مدا وجزرا من المعارك ومن المفاوضات.
ولكن مع انتصار حزب الشعوب الكردي في الانتخابات النيابية في 7 حزيران/ يونيو من هذا العام ومع تكرار انتصاره ولو بأصوات أقل في انتخابات الأول من نوفمبر الماضي ودخوله إلى البرلمان للمرة الأولى كحزب وبنسبة وصلت إلى 13 في المئة ومن ثم إلى 11 في المئة تمكن الأكراد من إظهار قوتهم السياسية المباشرة.
في هذه المرحلة كان الوضع في سوريا يزداد قوة لأكراد سوريا الذين تمكنوا من السيطرة على أكثر من 500 كيلومتر من الحدود السورية مع تركيا في اتصال مباشر مع المناطق الكردية على الجانب الآخر من الحدود داخل تركيا والتي تسكنها غالبية كردية بحيث بدا أن هناك مشروعا لجعل المنطقتين الكرديتين في سوريا وتركيا فضاء جغرافيا واحدا وربما كيانا واحدا في المستقبل إذا توافرت الظروف الإقليمية والدولية.
الأكثر أهمية في هذه النقطة أن القوة المسيطرة على المنطقة الكردية في سوريا أي وحدات الحماية الكردية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على الجانب الكردي في تركيا.. والحزب هو العدو المباشر الأول لتركيا التي تصنفه مع وحدات الحماية الكردية على أنهما منظمتان إرهابيتان.
تتفاوت التفسيرات حول أسباب انفجار الوضع في جنوب شرق تركيا. هناك وجهة ترى أنه بعد انتصار حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان أراد حزب العمال الكردستاني أن يؤكد سيادة الأكراد على أنفسهم في إطار مشروع إقامة حكم ذاتي. فشرع بإغلاق المدن ومنع القوى العسكرية والأمنية من دخولها لتأكيد إدارة الأكراد لأنفسهم ما دامت الدولة لا تقبل بمطلب الحكم الذاتي. أي فرض الحكم الذاتي بقوة الأمر الواقع في الطريق إلى زرع فكرة الحكم الذاتي على أنها أمر وانتهى.
ويرى آخرون أن الضغوط التي تمارسها تركيا على القوات الكردية في سوريا لمنع توسيع انتشارها إلى منطقة غرب الفرات دفع بأكراد تركيا إلى خلق جبهة في الداخل التركي لتخفيف الضغوط التركية على إخوانهم في سوريا.
ويذهب فريق آخر إلى الاعتقاد أن تركيا تريد بعد القصف الجوي المتتالي ضد قواعد الحزب في شمال العراق استكمال الحملة على مراكز الحزب وقواعده في الداخل وخصوصا في المدن لاستئصال خطره المتصاعد وإضعاف دعمه لقوات الحماية الكردية في سوريا.
ربما تشهد تركيا سابقة لم تعرفها من قبل وهي انشغالها بجبهات حرب مباشرة وغير مباشرة متعددة من المناطق الكردية في الداخل إلى الجبهة في سوريا مع الكراد وقوات النظام إلى العراق بالإضافة إلى التوتر العسكري المفتوح مع روسيا.
وهذا يستدعي ربما التأمل في مآلات السياسات التركية الخارجية وطريقة تعاملها مع المشكلة الكردية بأبعادها الداخلية والإقليمية.