الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا لن تشارك في الحرب

تركيا لن تشارك في الحرب

09.10.2014
عبدالقادر سلفي



الحياة
الاربعاء 8-10-2014
تركيا عازمة على ألا تدخل هذه الحرب، وتفويض برلمانها الحكومة استخدام الجيش خارج الحدود هو تفويض لرفع أهبة الاستعداد لأي طارئ وليس لدخول الحرب. فتركيا ليست عنصراً محارباً فاعلاً وبارزاً في هذه الحرب لكنها ستساهم في تأمين الإغاثة والدعم اللوجيستي فحسب، ولن تفرط بمصالحها. ولا أوجه شبه بين هذا التفويض وسابقة رفض البرلمان منح الحكومة التفويض بعمل عسكري مطلع آذار (مارس) 2003 عشية الغزو الأميركي للعراق.
ويقول بعض المعارضين أن رئيس الوزراء التركي اليوم، أحمد داود أوغلو، سعى عام 2003 إلى إقناع أعضاء البرلمان بضرورة الإحجام عن المشاركة في الحرب. ويقال إن داود أوغلو اليوم يسارع إلى إصدار تفويض ويستعد لدخول الحرب جنباً إلى جنب أميركا، ويسألون عن تغيير موقفه. ومن يلقي نظرة إلى حال العراق اليوم، يدرك أن موقف تركيا عام 2003 كان في محله ومصيباً. فلو شاركت في تلك الحرب لكانت شريكة في أزمة العراق اليوم، وموقف الحكومة والبرلمان عشية غزو العراق ساهم في تغيير صورة تركيا في العالم العربي والإسلامي. يومها رأى داود أوغلو أن العراق ليس مصدر خطر على تركيا، أما اليوم، فالاشتباكات مع "داعش" تدور على الحدود مع تركيا، ولم ننس بعد خطف أتراك في الموصل، شظايا القصف في كوباني (عين العرب) تصل إلى عمق الأراضي التركية. والمناطق التي يضربها التحالف الدولي اليوم لا تخضع لسيطرة بغداد، والحكومة العراقية طلبت المساعدة الدولية. ويرمي التحالف إلى القضاء على "داعش"، وليس الغزو. وفي عام 2003، كان ثمة قرار دولي يحظر الطيران على العراق شمال خط العرض 36. لذا، كانت حدود تركيا آمنة. واليوم الحدود مستباحة، وفي أسبوع واحد لجأ 136 ألف كردي من كوباني إلى تركيا، ومد موجة النزوح يهدد الأمن القومي التركي. لذلك، برزت الحاجة إلى إعداد الحكومة للتحرك في أي لحظة، وتفويض البرلمان هو جزء من الاستعدادات الضرورية. ولو بقيت تركيا خارج التحالف الدولي لبقيت خارج دائرة التأثير في مستقبل البلدين الجارين بعد القضاء على "داعش". لكن تركيا شاركت في التحالف من غير التفريط بمشاريعها ومصالحها. فقصف "داعش" من الجو والقضاء عليه، قد يكونان مصلحة أميركية، لكن الحرب هذه ستؤدي إلى موجات لجوء جديدة إلى تركيا. لذا، لا غنى عن منطقة حظر جوي آمنة داخل الأراضي السورية.
وفي ميزان حسابات أميركا، تبلغ كلفة الحرب على "داعش" يومياً 250 مليون دولار، وقد تساهم دول عربية في تغطيتها ولكن ماذا عن كلفة الحرب في تركيا؟ تقصف أميركا "داعش" من طائرات وسفن بعيدة، ويد التنظيم لا تطاول الأراضي الأميركية، ولكن من اليسير أن تطاول تركيا. فهل الخطر على تركيا هو نظير الخطر على أميركا؟ تقول الإدارة الأميركية إن "داعش" و"خراسان" يشكلان تهديداً لأمن أميركا وأمن شعبها. لكن الأسد لا يهدد أمن الأميركيين، وأنقرة ترى أنه طالما بقي الأسد يقاتل شعبه، فالخطر يهدد السوريين وكل دول الجوار. لذا، كان انضمام تركيا إلى التحالف الدولي حيوياً، شأن تمسكها بموقفها وشروطها. وأعتقد بأنها نجحت في عرض وجهة نظرها على الحلفاء. ومن كان لا يلتفت إلى الأسد كمشكلة في هذه الحرب عندما اندلعت، بدأ يدرك أن النصر في هذه الحرب محال إذا بقي الأسد وإذا لم يكن له (لمن يشن الحرب) حلفاء في ميدان المعركة. وأرى أن اعتذار جو بايدن (نائب الرئيس الأميركي) من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تصريحاته قبل يومين، هو مؤشر بارز إلى إدراك هذه المسائل.
* صحافي، عن "يني شفق" التركية، 6/10/2014، إعداد يوسف الشريف