الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا والأسد: عقدة "المشترك"

تركيا والأسد: عقدة "المشترك"

17.07.2016
منار الرشواني


الغد الاردنية
السبت 16/7/2016
بعيداً عن التصريحات الرسمية التركية المتناقضة، أو أقلها الغامضة، بشأن "تطبيع" العلاقات مع سورية (كما مصر)، بعد إسرائيل وروسيا؛ يقدم تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، نشر يوم الثلاثاء الماضي، تفاصيل كثيرة، موثقة بالأسماء، عن "قناة خلفية سرية" بين ما تسميه المجلة "الدولة التركية العميقة" ونظام الأسد.
إذ بحسب "فورين بوليسي"، فإن هذه القناة بادر إليها من دون أي تكليف رسمي، حزب "الوطن" التركي المعارض برئاسة دوغو برينتشك، ونائبه إسماعيل حقي بيكن الذي شغل سابقاً منصب رئيس الاستخبارات في الجيش التركي. وقد التقى الرجلان، كما تذكر المجلة، في السجن العام 2011، عقب اتهامهما بالتورط في محاولة "الدولة التركية العميقة" تنفيذ انقلاب عسكري ضد حكومة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، عرفت باسم "أرغينكون" (والتي نقضت محكمة الاستئناف العليا التركية، في نيسان (أبريل) الماضي، الأحكام القضائية الصادرة فيها، معتبرة أن القضية لا أساس لها إطلاقاً).
ويمكن بقليل بحث على الإنترنت، تبين حجم الضغينة والحقد اللذين يكنهما حزب "الوطن" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه. لكن يبدو أنه حقد يهون أمام الحقد على الأكراد، أو أقلها الحرص على منع إقامة أي كيان لهم في سورية أسوة بما حصل في العراق. وهذا ما يبرر بالتالي السعي إلى التعاون مع "العدالة والتنمية"، من خلال لعب دور الوسيط بينه وبين نظام الأسد.
وسواء كانت هذه هي القناة الخلفية الوحيدة، أم هناك قناة أخرى عبر الجزائر، بحسب تقارير إعلامية قبل فترة أيضاً، فإنه يظل القاسم المشترك الذي يبرر الحديث عن هكذا قنوات خلفية عموماً هو العداء لطموحات الأكراد؛ من تركيا بكل قواها السياسية (طبعاً باستثناء حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي) ونظام الأسد. وينقل برينتشك عن الأسد وصفه لحزب الاتحاد الديمقراطي برئاسة صالح مسلم، والذي يعد التنظيم الأقوى عسكرياً في شمال شرق سورية، بأنه "منظمة عميلة، وجماعة انفصالية، ولن نتسامح مع هكذا جماعة انفصالية في سورية".
لكن العقدة تتبدى في قول رئيس حزب "الوطن" إنه ليس لدى الأسد "شك في أن حزب العمال الكردستاني (التركي) والاتحاد الديمقراطي أداة أميركية". إذ صحيح أن الولايات المتحدة هي أكبر داعم لحزب صالح مسلم تحت مسمى "قوات سورية الديمقراطية"، لكن روسيا كذلك داعم كبير للحزب ذاته، ليس عسكرياً فحسب، بل وسياسياً أيضاً، وبما قد يفوق دعم الولايات المتحدة هنا.
فطوال جولات مفاوضات جنيف السابقة كانت موسكو من يؤكد ضرورة ضم ممثلين عن حزب الاتحاد الديمقراطي إلى فريق المعارضة، وتتخذ من غيابهم ذريعة لنزع الشرعية عن الأخير. كما كان هيثم مناع المحسوب على موسكو الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" حتى وقت قريب. وفي 10 شباط (فبراير) الماضي، افتتحت في موسكو "ممثلية أكراد سورية"، حظيت بتغطية إعلامية روسية مميزة.
طبعاً، نظام الأسد لا يساوي شيئاً من دون روسيا. ومن ثم، فإن أي انفتاح تركي على الأسد أو نظامه لن يكون هدفه سوى ضمان انقلاب روسي على الأكراد. كما أن التعاون التركي-الروسي سيمثل في الوقت ذاته عامل ضغط على الولايات المتحدة الحليفة لتركيا، لمراجعة سياستها الداعمة للأكراد أيضاً رغم غضب أنقرة.
لكن هل يبدو ممكناً الآن تخيل تكرار حصول ما عرفه الأكراد طوال عقود سبقت، من انقلاب دولي عليهم عقب توظيفهم في حروب وكالة؟ المنطق يقول إن هذا مستحيل اليوم، لاسيما مع استمرار الأسد. إذ قد يؤدي ذلك فقط إلى اصطفافات جديدة للفصائل المقاتلة في سورية. وبالتالي إطالة أمد الصراع لحين الإقرار بالنتيجة الأولى البدهية والأهم، بأن الحل في سورية هو ضمان أن تكون دولة لكل مواطنيها، حيث يحيون بحرية وكرامة.